تطور مفهوم الأدب.. مجموعة من المؤلفات التي تملك الإثارة الفكرية و العاطفية وكافة الآثار اللغوية التي تثير فينا انفعالات عاطفية أو أحساسات جمالية

تطور مفهوم الأدب:

مفهوم الأدب هو مفهوم متغير ومتطور، وقد تطور عبر الزمن ليشمل أشكالًا وأنواعًا جديدة من الإبداع الأدبي.
في اللغة العربية، يعود أصل كلمة "أدب" إلى الفعل "أَدَبَ"، بمعنى "أَدَّبَ"، أي "علَّمَهُ الأخلاقَ الفاضلةَ". وبذلك، فإن الأدب في اللغة العربية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأخلاق والقيم.

تطور عبر العصور:

في العصور القديمة، كان الأدب يُنظر إليه على أنه وسيلة للتعليم والتثقيف. وكانت الأعمال الأدبية تُكتب في المقام الأول لبث القيم والأخلاق الحميدة في نفوس الناس. ومن الأمثلة على الأدب في العصور القديمة القصائد الحماسية والفروسية، والسير الشعبية، والقصص الدينية.
مع تطور المجتمعات الإنسانية، تغير مفهوم الأدب ليشمل أشكالًا جديدة من التعبير الإبداعي. وأصبح الأدب يُنظر إليه على أنه وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، وليس فقط وسيلة للتعليم والتثقيف. ومن الأمثلة على الأدب في العصر الحديث الرواية والقصة والمسرحية والشعر.
واليوم، أصبح الأدب أكثر تنوعًا وتعددًا من أي وقت مضى. ويشمل أشكالًا وأنواعًا جديدة من الإبداع الأدبي، مثل أدب الحداثة وما بعد الحداثة، والأدب النسوي والأدب المثلي، والأدب الإلكتروني.

العوامل التي أدت إلى تطور مفهوم الأدب:

وفيما يلي بعض العوامل التي أدت إلى تطور مفهوم الأدب:

- تطور اللغة:

مع تطور اللغة وظهور أشكال جديدة من التعبير الإبداعي، تغير مفهوم الأدب ليشمل هذه الأشكال.

- تطور المجتمع:

مع تطور المجتمعات الإنسانية وتغير القيم والمعتقدات، تغير مفهوم الأدب ليعكس هذه التغيرات.

- تطور الفكر الإنساني:

مع تطور الفكر الإنساني وظهور اتجاهات فكرية جديدة، تغير مفهوم الأدب ليعكس هذه الاتجاهات.
وفي الختام، يمكن القول أن مفهوم الأدب هو مفهوم متغير ومتطور، ويعكس التغيرات التي تحدث في اللغة والمجتمع والفكر الإنساني.

علاقة بين الإنسان وعالمه:

إن أي تفسير لأي نشاط إنساني أدبي محكوم في صحة نتائجه بمدى قربه من النفس الإنسانية أو بعده عنها، وبمدى تمثله للحقيقة وتصويرها بشكل واقعي دقيق، وبتعبيره عن مختلف جوانبها الحياتية.
و الأدب أي أدب يعكس علاقة بين الإنسان وعالمه ذلك أن العمل المنتج هو الجوهر الأساسي لهذا الإنسان وهو حقيقته ومصدر ثقافته الفنية و الفكرية. والعمل بحكم طبيعته يخلق علاقات إنتاج تعكس حقائق اجتماعية تتبدى في الفن و الأدب.
لقد ولد الفن من العمل و تطور الجميل من النافع حيث بدأ الفن وجوده عندما صار العمل إنسانيا تصاحبه المعاناة الجمالية.

أوسع من الشعر والنثر الفني:

والأدب كما يقول مندور (مجموعة من المؤلفات التي تملك الإثارة الفكرية و العاطفية) و يضيف مندور قائلا (والواقع أن هذا المفهوم التقليدي للأدب لم يتبلور عند العرب قط في تحديد فلسفي لهذا اللفظ... حتى إذا ابتدأت نهضتنا المعاصرة استقر الرأي على تعريف سطحي ضيق للأدب على أنه الشعر والنثر الفني ثم الأخذ من كل علم بطرف.
و مع ذلك فهذا التعريف لا يحدد أصولا للأدب و لا أهدافا إلا أن تكون الصنعة بينما يرى الغربيون أن الأدب يشمل (كافة الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية أو أحساسات جمالية).
ثم يضيف مندور قائلا ًً: الأدب صياغة فنية لتجربة بشرية ولا تعني التجربة الشخصية أن يكون الأديب قد عاشها.

عرض الحقيقة عرضاً جماليا:

ومما لا شك فيه أنه ليس كل ما يكتب في اللغة تستطيع تسميته أدبا ً لأنه يدخل في علوم أخرى كالتاريخ والفلسفة... إلخ.
وما يمكن أن نلاحظه أن العلوم الأخرى قد أفادت من الصيغ الأدبية في عرض مادتها كي تستطيع الدخول إلى أعماق النفس الإنسانية، بينما لا يمكن إغفال حقيقة أن الأدب هو كل عمل – تجربة – يكتب لعرض الحقيقة عرضاً جماليا ً بأسلوب فني جميل يعتمد على بلاغة و فصاحة وبيان مقصود.
ويضيف الدكتور محمد غنيمي هلال قائلا: (أما الأدب فكثير ما اختلف الباحثون في تعريفه وطال جدالهم فيه ولكن مهما يكن بينهم من خلاف فهم لا يمارون في توافر عنصرين في كل ما يصح أن نطلق عليه أدبا ً، هما: الفكرة وقالبها الفني، أو المادة والصيغة التي تصاغ فيها).
وهذان العنصران يتمثلان في جميع صور الإنتاج الأدبي سواء أكان تصويراً لإحساسات الشاعر أو خلجان نفسه تجاه عظمة الكون وما فيه من جمال وأسرار الإنسانية وآمالها أم كان تعبيرا عن أفكار الكاتب في الأنساب والمجتمع.

الكلمة والكتابة والأدب:

ويقول الناقد الروسي بيلنسكي في معرض الحديث عن فن الكلمة والكتابة والأدب (إن الكتابة والأدب هما من فن الكلمة كالنوع من الجنس).
ذلك أن فن الكلمة مفهوم أعم وأشمل من المفهومين (الأدب و الكتابة). ويشير بيلنسكي إلى أن (الأدب هو التراث الشعبي المنطوق الذي تطور تاريخيا ً وعكس الوعي الشعبي).
(وهو التعبير الأسمى عن فكر الشعب المتجلي في الكلمة).
(ذلك أن أي شعب يعيش بوعيه الذي ليس سوى أحد الجوانب الكثيرة للروح الإنساني الكلي الواعي ذاته).
ولكي يكون الأدب بالنسبة لشعب ما تعبيرا ًعن وعيه وحياته الفكرية يجب على هذا الأدب أن بكون على صلة وثيقة بتاريخ هذا الشعب وأن يفسره ويتطور تطوراً عضوياً وبدون هذا الشرط لا يمكن القول بوجود أدب عند هذا الشعب مهما كان عدد الكتب التي تصدر بلغته لأن الكتب والكتاب والقراء وحدهم لا يصنعون أدباً, ما يصنع الأدب هو روح الشعب المتجلي في تاريخه.

تطور الأدب عند العرب:

الأدب في الجاهلية:

ولقد تطور معنى كلمة أدب عند العرب منذ أيام ما قبل المهلهل وحنى يومنا هذا، ففي الجاهلية كانت تعني هذه الكلمة الدعوة للطعام قال طرفة بن العبد:
نحن في المشاة ندعو الجفلى لا ترى الأدب فينا ينتقر 
وفي لسان العرب: بعير أديب ومؤدب: إذا ريض وذلل. قال مزاحم العقيلي:
وهن يصرفن النوى بين عالج و نجوان تصريف الأديب المذلل
وقد افترض المستشرق / نالينو / أن كلمة أدب استخدمت في الجاهلية بمعنى السنة وسيرة الآباء.

الأدب في العصر الإسلامي:

أما في العصر الإسلامي فقد استخدمت كلمة أدب بمعنى خلقي تهذيبي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
وفي حديث ابن مسعود: (إن القرآن مأدبة الله في الأرض).
وبالمعنى الخلقي التهذيبي قال الشاعر المخضرم سهل بن حنظلة الغنوي:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا

الأدب في العصر الأموي:

أما في العصر الأموي فقد استعملت كلمة المؤدب بمعنى تعليمي فالمؤدبون هم الذين يعملون أبناء الخلفاء الأخلاق والثقافة والشعر والخطابة وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم الجاهلية والإسلام.

الأدب في العصر العباسي:

وفي العصر العباسي استعملت كلمة أدب بمعنييها التهذيبي والتعليمي فقد سمى ابن المقفع رسالتين له تحملان حكماً ونصائح وسياسة ب / الأدب الصغير – الأدب الكبير/.
وبالمعنى نفسه أفراد أبو تمام في كتاب الحماسة بابا فيه مختارات من طرائف الشعر سماه باب الأدب وكذلك باب الأدب في الجامع الصحيح للإمام البخاري ت 256ه وكتاب الأدب لابن المعتز ت 296 ه.
وقد كان القرنان الثاني والثالث الهجريان مرتعاً لكتب الأدب التي تحوي فصولاً وأبواباً من الأخبار والشعر واللغة والبلاغة والنقد والحديث والقرآن ككتاب البيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد وعيون الأخبار لابن قتيبة... وأصبح معنى كلمة الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف وقد شمل معناها المعارف الدينية وغير الدينية التي ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعي والثقافي.
ومن الطريف أن إخوان الصفا قد صنفوا تحت كلمة أدب جميع علوم اللغة والبيان والتاريخ والأخبار والسحر والكيمياء والحساب والمعاملات والتجارات.

الأدب عند ابن خلدون:

ولم يخرج ابن خلدون ت 808 ه.في تعريفه للأدب عن سابقيه من حيث كونه الأخذ من كل علم بطرف وبناء على ما سبق يمكن القول إن الأدب هو فكر الأمة الموروث والذي يعبر عنه الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى فني رفيع تنقل بشفافية موروث الأمة الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي والإنساني والحضاري ومن خلال ذلك نستطيع اعتبار الموروث منذ أيام الملك الضليل إلى يومنا هذا بجميع جوانبه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال