ماهية الحب.. العيون وسيلة الوصل وآلة الكلام بين الأفئدة

كان ذكر الحبيبة في كلام الحبيب سواء كان شعرا أو غير شعر نوعا من الفضيحة التي تلحق بأهل الفتاة، يشوه سمعتها، ويقلل من هيبتها بين بقية القبائل..
ويرجع هذا إلى الأصول الاجتماعية الموروثة منذ القدم، فقد كانت عادات القبائل والقيود الاجتماعية عند العرب تحرم الغزل والتشبب بالبنات حتى أنه إذا عرفت القبيلة أن شخصا عرض لذكر فتاة من فتياتها في حديثه أو شعره حرموا عليه الزواج منها ومنعوه من رؤيتها أبد الدهر..
لذلك كان الحديث عن خلجات القلب يتم بعيدا عن آذان المستمعين والواشين، لذلك كانت وسيلة الوصل وآلة الكلام بين الأفئدة هي العيون لما تمتاز بخاصة الستر والراحة..
ولولا وحى العيون ما استودع سر، قال أحد الشعراء:
لعمري ما استودعت سرى وسرها -- سوانا حِــذارا أن تشيع السرائر
ولا خاطبتـــــها مقلـــتاي بنـظـــــرة -- فتعلــم نجوانا العيون النــواظـر
ولكني جعلت اللحـــظ بيني وبينهـا -- رســولا فــأدى ما تُجِنُ الضمائر
وإذا غابت الحبيبة فإن العين هي التي تهتدي إليها فيقول الباخرزي:
قالت وقد فتـــــــشت عنها كل من -- لاقيته من حاضـــر أو بادي
أنا في فؤادك فارم لحظك نحوه -- ترني فقلت لها وأين فــؤادي
وعين الحبيبة تفعل فى الحبيب فعل السحر فهى تطير به إذا شاءت وتلقيه من أعلى إن أرادت.. فهي النعيم والعذاب في آن، يقول ابن الروميM
نظرت فأقصـــدت الــفؤاد بسهمـها -- ثم انثنت عنه فكـــاد يهيم
ويلاه إن نظـرت وإن هي أعرضت -- وقع السهـــام ونزعهن أليم
وحين تبخل العين على المحبوب، فإنها لا تدري أي ذنب ارتكبت، لهذا يلجأ الحبيب إلى الحبيبة علّها تنقذه مم هو فيه من عذاب، قال أبو جعفر الأندلسي:
لو كنت تعلم ما عيناك قد صنعا -- لما بخلت على المشتاق بالأمـل
لكن بخلت فلم تعلم بمـا صنعت -- في مهجتي لحظات الأعين النُّجُلِ
وإذا صرعت العين قلب الحبيب، فيشكو الحبيب منها، لكن العين تتبرأ من ذنبها وتلقى باللوم على القلب، فيعود القلب ويلقى اللوم على العين، يقول الصولي:
إذا لمـــت عـــيني اللتــين أضـرتا -- بجسمي يوما قالتا لي لُمِ القلبا
فإن لُمت قلبي قال: عيناك قادت -- إليك البلايا ثم تجعل لي الذنبا؟
و العين هي الملامة في كل الأحوال، فهي باب القلب، جالبة الأسى له، قال أبو تمام:
لأعذبن جفون عيني إنمـــا -- بجفون عيني جُــل ما أتعذب
وتكاد كلمة جرير هي الشعار في عالم ضحايا العيون، فهو يقول معترفا بضعفه أمام نظراتهن:
إن العـــيون التي في طرفها حــور-- قتــلننا ثم لم يحيـــين قتلانــا
يصـــرعن ذا اللُّب حتى لا حراك به -- وهن أضعف خلق الله أركـانا
والعين فيها الداء وفيها الدواء للحبيب، فإقبالها دواء وإعراضها داء، يقول الشافعي:
مـــرض الحبيــب فعُدتـه -- فمرضت من حَــذَرِي عليه
وأتــى الحبيب يعُــودنـي -- فبــرئت من نـــظــري إليه
أحدث أقدم

نموذج الاتصال