علاقة المدرسة بالسلطة.. استخدام المدرسة وتوظيفها كسلطة من أجل التحكم السياسي في المجتمع بشكل عام

من بين السمات البارزة للمجتمعات المعاصرة: تبوء المؤسسات و المنظومات المجتمعية المختلفة (غير الأسرة) المكانة الريادية والحيوية في تشكيل وهندسة وتوجيه المجتمع، وتحديد نوع ونمط الفرد/ الإنسان/ المواطن الذي يشكل النواة الأولية في تكون وبنية المجتمع وديناميته العامة.

و"المنظومات (خصوصا المنظومة المدرسية) التي ينتجها المختصون (أو الحاكمون) بفضل/ ومن أجل احتكارهم للإنتاج الإيديولوجي المشروع، بما هي أدوات سيطرة تعطي للعالم بنيته لأنها تنتظم في بنيات، فإنها تعيد إنتاج بنيات الطبقات الاجتماعية في صور لا يؤبه لها، وعن طريق التوافق بين مجمل الإنتاج الإيديولوجي ومجال الطبقات الاجتماعية."

 والمدرسة، كمنظومة إيديو-معرفية، تبقى أخطر مؤسسة مجتمعية، لما لها من ادوار تأسيسية في تكوين وتنشئة الفرد/ المتعلم (منذ طفولته الأولى) ودمجه داخل البنية المجتمعية ليحتل موقعا معينا في تراتبيتها وليقوم بأدوار معينة كذلك فيها.

لذا، يبدو بديهيا أن تكون المدرسة كإحدى الأمكنة والجبهات المفضلة للصراع المجتمعي، من أجل تحقيق المشاريع والمنافع المستهدفة من بل القوى المجتمعية المتصارعة، ذات الأيديولوجيات والقيم والمواقع المختلفة؛ أي أن هذه القوى تحاول باستمرار استخدام المدرسة وتوظيفها كسلطة من أجل التحكم السياسي في المجتمع بشكل عام، حيث ليست المدرسة كمؤسسة اجتماعية، فقط، مجرد وسيط (محايد) لنشر المعرفة و القيم... أو مكان يتم فيه الاتصال بين المعرفة والطلاب، بل هي فوق كل ذلك تعبير عن الايدولوجيا السائدة، وأحد الأدوات الهمة لنشرها والتبشير بها.

والإيديولوجيات غالبا ما تعبر عن حاجات ومصالح فئات من الفئات الاجتماعية (طبقة، جماعة إثنية، نظام سياسي...).
وحسب منطق منظومة الصراع السياسي (التقليدي) تبقى الايدولوجيا السائدة هي إيديولوجية السلطة المسيطرة أو المتحكمة؛ حيث تحتكر كل الأجهزة الإيديولوجية، ومنها المدرسة.

لذا، فالصراع السياسي المجتمعي يكون بواسطة الأجهزة الإيديولوجية، ومن أجل تملكها والتحكم فيها من طرف مختلف السلط المجتمعية.

في مقاربتنا هذه، لعلاقة المدرسة بالسلط المجتمعية في المغرب، سنحاول الإجابة التحليلية والنقدية عن الأسئلة التالية:
- ماهي السلط المتصارعة داخ المنظومة لسوسيو- ثقافية و السياسية؟
- كيف يتجلى الصراع المجتمعي بين مختلف السلط داخل المدرسة؟
- هل يجن إبعاد المدرسة عن الصراع الإيديو-سياسي، وجعله فقط مؤسسة للمعرفة العلمية ونشر قيمها الموضوعية والمحايدة د ون تحيز أو تمييز نخبوي طبقي أو إثني قيمي...؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، ومن المنهجية، سنتحرى مقاربة سوسيو-سياسية، تعتمد، أساسا، على التحليل و التأمل والاستنتاج والتركيبي، كمحاولة لرصد العلاقة بين المدرسة كآلة تحكم "إيديو-معرفية" وكمكان سياسي"ومختلف السلط المجتمعية.

والمقاربة السياسية التي نستعملها، هنا، هي تلك التي تعتمد على مفهوم السلطة أساسا، حيث إن السياسي يمكن تحديده من خلال مقاربتين:         
- الأولى تحدد السياسي بالاستناد إلى الدولة بمفهومها الضيق.                      
- والثانية تحدد السياسي بالاستناد إلى السلطة، حيث إن هذا التحديد يسمح بشكل عام بإدخال ظواهر السلطة المختلفة في الحق السياسي، إذ تبدو هذه الظواهر وكأنها مستقلة عن الدولة بمعناها الضيق.

ونستعمل، أيضا مفهوم السلطة بالمعنى الذي يحدده ميشيل فوكو، حيث السلطة هي "... مجموع المؤسسات والأجهزة التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة. [وهي].. تعني... علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال التي تعمل فيه تلك القوى، مكونة لتنظيم العلاقات".

إذن، لنرى ماهية القوى اوالسلط التي تدخل حلبة الصراع المجتمعي من اجل فرض أو ترسيخ سلطتها، وماهية علاقتها بالاختيارات الكبرى للسياسة التعليمية /المدرسة( وخصوصا في الميثاق الوطني للتربية و التكوين الأخير).
        
يمكننا، تجاوزا، وبشكل تركيبي إن نشخص القوى/ السلط المجتمعية التي تدخل لعبة الصراع من أجل أو عبر السلطة في ست قوى أساسية: قوى سياسية (بالمعنى الضيق)، وقوى إتنو-ثقافية، وقوى قيمة ـ أخلاقية، وقوى تقنو ـ اقتصادوية، وقوى أجنبية، وقوى معرفية ـ علمية.

ماهي تجليات كل قوة / سلطة على حدة؟ وماهي علاقتها التفاعلية والتحكمية بالمنظومة المدرسية؟.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال