الإصلاح التعليمي في المغرب.. أسباب ومعوقات الإصلاحات التعليمية في المغرب. الضغوطات المالية والتقليص من وتيرة التمدرس والتوقف عن تعريب التعليم

ونحن في خضم إصلاح تعليمي جد يد،الذي رغم مرور نصف العشرية المخصصة له، فإن أغلب المشتغلين و المتتبعين في الحقل التعليمي لازالوا يتكلمون عن أزمة التعليم على كل المستويات، بل هناك من يشم رائحة فشل الإصلاح الجديد و هو لم يكتمل بعد (؟).

وعليه، نلاحظ أن تاريخ الإصلاح في المغرب هو تاريخ إصلاحات بامتياز! ما يكاد يظهر إصلاح حتى يعلن فشله ليظهر إصلاح آخر وما يثير الانتباه هو عدد الإ صلا حات المتتالية والفترات الزمنية "القياسية" التي تفصل بين إصلاح آخر!فهل المجتمع المغربي بهذه الدينامية الكبيرة والسريعة؟!

أم أن الأمر يتعلق، فقط،بخصوصيات بنيوية ووظيفية (ذات طابع سياسي وإيديولوجي أساسا) وقد تكون ستاتيكية (؟) هي التي تجعل تاريخ التعليم في المغرب هو تاريخ فشل وإصلاحات؟!

في هذه المقالة سنحاول تقد يم مقاربة تاريخية لتشخيص أهم الأسباب و المعوقات التي تقف وراء فشل إصلاح/ إصلاحات التعليم في المغرب(وقد تقف مستقبلا)؛ وذلك من أجل تكريس الوعي بضرورة تجاوزها، و لاستشراف منظومة تعليمية أكثر نضجا وجودة وفعالية،ولبلورة سياسة تعليمية حقيقية و مواطنة.

إذن، لماذا يفشل إصلاح التعليم في المغرب؟
في البدا سنحاول عرض موقفي كلا من ذ.المكي المروني* و د.محمد الدريج**،لاعتقادنا بانهما لا مسا أهم أسباب ومعوقات الإصلاحات التعليمية في المغرب:

يقدم لنا المكي المروني أسباب و معوقات الإصلاح التعليمي بالمغرب من سنة 1956 إلى 1964 كما يلي:

- إصلاح 56 - 63:
ويذكر من أسباب فشله: تدني مستوى التعليم ذلك لأنه (الإصلاح) طرح لا على اقتناع من قبل المسؤولين، بل كان يتم تحت ضغط الرأي العام، الذي طالب بتخليص النظام التعليمي من الهيمنة الأجنبية وتكييفه مع واقع وحاجيات الوطن الخاصة به...

- إصلاح 64 - 72:
ويرجع المروني معوقاته إلى الضغوطات المالية و التقليص من وتيرة التمدرس، والتوقف عن تعريب التعليم، وبحت مسوغ لإيقافه...

- إصلاح 73 - 83:
ومن أسباب فشله: تراجع نمو التعليم بسبب العوامل الاقتصادية الضاغطة؛تراجع المر دودية الداخلية للتعليم من حيث التمويل و التاطير و التجهيز؛شلل شبه تام من طرف المسؤولين على مستوى الفعل والإنجاز، رغم الشعور الواضح بضرورة الإصلاح الجذري للنظام التعليمي.

- إصلاح 83 - 94:
حيث عرف عدة مشاكل ترتبط بالتمدرس و الفعالية الداخلية، ولغات التعلم، وملاءمة التكوين لحاجيات التشغيل. وبصفة عامة، يحدد المروني العوامل التي كانت تلعب دور المعوق لعمليات إصلاح التعليم في الطلب الإ جتماعي القوي الذي لم تستطع وسائل الدولة مسايرته، وفي العامل الاقتصادي، وكذا السياسي الذي يحتد كلما طرحت قضايا التعريب و التوحيد، و في الإرث التاريخي للهياكل والبنيات الموروثة عن عهد الحماية، والتي أفرزت ظاهرة الازدواجية اللغوية و الثقافية، بالإضافة إلى الجهاز الإداري المحكوم بالعلاقات العمودية.

أماالدكتورمحمد الدريج فإنه يحدد أسباب فشل إصلاح التعليم (إصلاح85) في:

1- الخلل في توازن العرض والطلب إشكالية التمويل، ضعف النموذج لدى "المخططين" ولدى من تعاقب على مسؤولية القرار وعلى مسؤولية تنفيذه.

2- تأرجح النظام التعليمي بين نموذجين (وربما أكثر): النموذج الوطني والنموذج الموروث عن الحماية هذا التارجح الذي يتحول إلى ثنائية ممزقة وإلى صراع بين ضد بين يكتسي في الغالب لبوس التناقض بين الثرات والحداثة أو بين الأصالة والمعاصرة.

3- غياب النظرية الشمولية نتيجة غياب النموذج وغياب النظرية وتأرجح الاختيارات وتردد القرارات...
4- ضعف السند العلمي للإصلاح وتغيب البحث التربوي...

وعلاوة على الأسباب والمعوقات الواردة عند كل من المكي المروني و محمد الدريج يمكننا أن نضيف وندقق:

1- هيمنة السياسي والإيديولوجي على البيداغوجي التعليمي وذلك على حساب المعرفي العلمي والموضوعي

2- لا ديمقراطية التعليم على مستوى الا ختيارات البيداغوجية والتنظيمية والتدبيرية والعلائقية، الطبيعة المتخلفة والمعوقة للمحيط السوسيو-ثقافي للمدرسة.

3- تردي الأوضاع الا جتماعية و الا قتصادية لأغلب رجال ونساء التعليم و المتعلمين على السواء (حيث التعليم العمومي هو تعليم الفقراء بامتياز).

4- عدم إخضاع التعليم "للعقلنة المستقبلية" (التخطيط و التوجيه والاستشراف على المدى المتوسط و البعيد).

5- عدم ربط التخطيط التعليمي بالمخططات المجتمعية الأخرى حسب منظور شامل و نسقي في خدمة مشروع مجتمعي كلي و متكامل عوض المنظور ألتجزيئي و ألقطاعاتي للمجتمع.

6- عدم الاهتمام بما فيه الكفاية بالأبعاد التكوينية و التأطيرية واستمراريتها ومسايرتها للمستجدات العلمية والتكنولوجية الجديدة (كما يقع في الإصلاح الجديد المعتمد على بيداغوجيا الكفايات حيث أغلب المدرسين و المؤطرين لم يتمثلوا جيدا المنهاج التعليمي الجديد).

7- عدم الأخذ بعين الإعتبار وبكيفية علمية البعد الزمني للعملية التعليمية - التعلمية:
- الغلاف الزمني للمواد المدرسة.
- عدد ساعات عمل المدرسين المرهقة، خصوصا في الابتدائي.
- علاقة زمان التعلم بالزمن السيكولوجي والإجتماعي والإيكولوجي لدى المتعلم.

8- تكريس بيداغوجيا الكم والذاكرة خصوصا في التقييم والإمتحانات وذلك على حساب بيداغوجيا الكيف والإبداع و الذكاء والكفاءة

9- رغم اعتماد بيداغوجيا الكفايات حيث الخطاب التربوي في واد و الواقع في واد آخر.
10- عدم ترابط المنهاج الدراسي ساء في نفس المستوى أو في المستويات اللاحقة.

11- عدم إخضاع الإصلاح للدراسات التجريبية الأولية وتقييمه قبل العمل على تعميمه على كل التراب الوطني.

12- عدم الحسم النهائي في مسألة الاختيار اللغوي للتعليم في المغرب وذلك حسب الخصوصيات الثقافية و التواصلية الوطنية (لازالت هيمنة اللغات الأجنبية وخصوصا في المستويات العليا حيث تلعب اللغة دورا حاسما في مستقبل المتعلم و البلد على السواء).

13- تردي وتراجع صورة التعليم في المجتمع من حيث قيمته ووظيفته الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية (بطالة، ارتفاع الأمية الأبجدية والوظيفية، تردي الأوضاع الاجتماعية لأغلب المشتغلين بالتعليم...).

14- عدم عدم وجود إرادة سياسية حقيقية وكاملة وجريئة لدى الدولة وخصوصا على المستوى المالي،حيث نلاحظ عدم الوفاء بـ5% كزيادة سنوية في ميزانية التعليم (كما ورد في الدعامة 19من الميثاق الوطني للتربية و التكوين) حسب معلوماتنا.

15- التقليص من المناصب المالية، المغادرة الطوعية... في حين أن قطاع التعليم يعرف خصصا كبيرا في الاعتمادات المالية و الموارد البشرية والتجهيز... نظرا للارتفاع عدد المتمدرسين النظاميين وغير النظاميين ورفع تحدي التعميم والجودة...(؟!).

وفي الأخير يحق لنا أن نتساءل: هل الإصلاح التعليمي الجديد، المبلور في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، يمكن له أن يتجاوز كل الأسباب و المعوقات التي تعتمل في الجسد التعليمي تاريخيا بالإضافة إلى تحديات الحاضر والمستقبل الأكثر تعقيدا؟.

رغم الطابع الشبه إيجابي للميثاق كنص، إلا أنه لازال هناك الكثير من الإشكاليات العالقة ومن الأوراش والتحديات في انتظارنا على جبل الواقع، وعند نزولنا إلى الصحاري و الوديان الوعرة لما هو ميداني وتطبيقي عملي.الكثير ينتظرنا ليس فقط على مستوى المنظومة التعليمية، بل أيضا على مستوى باقي المنظومات والمؤسسات المجتمعية الأخرى (السياسية والاقتصادية والثقافية و المجالية...) ذلك أن التعليم جزء لا يتجزء من هذا الكل المجتمعي، يتفاعل معه بنيويا ووظيفيا،سلبا وإيجابا.

فلا إصلاح ولا تقدم للمنظومة التعليمية دون أن يشمل هذا الإصلاح، كذلك، باقي المنظومات المجتمعية الأخرى وفق مبادئ الديمقراطية الشاملة والمواطنة الحقة (قمة وقاعدة) وليس ديمقراطية و مواطنة الشعارات الديماغوجية التي لا تصلح سوى للإستهتاك السياسي الرخيص....
*محمد الصدوقي/المغرب
أحدث أقدم

نموذج الاتصال