يصارع سكان الكهوف أقصى جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، قسوة الحياة بصمود أسطوري وباهظ الثمن.
في السفوح الشرقية لبلدة يطا المطلة على صحراء النقب تنتشر مستوطنات عشوائية، يسكنها مستوطنون بأنياب عنصرية، وتتمدد باتجاه الخرب والقرى الفلسطينية النائية المتناثرة على التلال، محاولة ابتلاعها.
يضع المستوطنون اليهود أيديهم على أراضي المواطنين بالقوة، وينفذون حملات عربدة مسعورة ضدهم، من قتل وتدمير، ويحولون حياتهم إلى جحيم في محاولة منهم لترهيبهم وإخراجهم من أرضهم، بحيث يبدو المشهد مروعا ومرعبا، أكثر مما يتصوره احد!!
ويقول خبير الخرائط والاستيطان، عضو اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي في محافظة الخليل عبد الهادي حنتش، إن بلدة يطا محاصرة من جميع الجهات بالمستوطنات الإسرائيلية، والبؤر الاستيطانية الجديدة، ويحيط بها أكثر من عشر مستوطنات.
وتقابل كل خربة مستعمرة استيطانية تحيط بها إحاطة الأسوار بالمعصم، فمستوطنة 'كرمئيل' بالقرب من خربة أم الخير، تليها بؤرة إلى الشمال وأخرى إلى الجنوب، وتتبعها مزرعة أبقار للمستوطنين تتوسط بين مستوطنتي ' كرمئيل' و'ماعون'.
مستوطنة 'ماعون' مقابلها خربة توانى، يتبعها 'حافات ماعون'، وبؤرة أخرى موجودة في تل التواني بين الأشجار، إضافة إلى مستوطنة 'سوسيا' (حصان الله) تقابلها سوسيا القديمة وخربة توينين، ويتبعها عدة بؤر استيطانية، سوسيا شرق، سوسيا شمال، وبؤرة تحت الإنشاء من الجهة الغربية.
وتحيط بخربة سوسيا بؤرة أخرى تطل على خرب يطا الشرقية، تدعى هذه البؤرة 'ماجن دافيد' (نجمة داود)، وبؤرة 'حافات يائير' التي تطل على خربة بير العد، وإلى الجنوب من سوسيا مستوطنة 'متسادوت يهودا' تحيط بها خربة منيزل ويفصلهما الجدار عن بعضهما، وخربة هريبت النبي مقابلة لنفس المستوطنة التي تحيط بها عدة بؤر استيطانية، وإلى غربها يوجد بؤرة زراعية، وأخرى تدعى 'نوف نيشر' (منقار النسر)، إضافة إلى مستوطنة 'افيجايل' التي تقع بين خربة تواني ومستوطنة 'سوسيا'.
'إن جميع المستوطنين في الضفة الغربية عبارة عن مجموعات إرهابية بكل ما تعني الكلمة من معنى، ولكن المستوطنين في محافظة الخليل أشد إرهابا وعنصرية من باقي المستوطنين، وذلك نتيجة التعصب الديني، والتطرف السياسي، إضافة إلى أن معظم المستوطنين أصحاب سوابق جنائية من الدول التي أتوا منها' هذا ما يؤكده حنتش.
ويشير حنتش إلى أنه في تاريخ 16/11/1998 داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة الشرقية من المدينة (بير العد، جنبا ، جنابا، الركيز، التومين، المركز، الحلاوة، وصارورة)، ونقلت المواطنين ومواشيهم عبر شاحنات عسكرية بالقوة، وألقت بهم قرب خربة البركة في يطا، المقدر عددهم (83 عائلة)، ما أدى إلى نفوق العشرات من الأغنام نتيجة الإرهاب الإسرائيلي، قبل أن تقوم لجنة الدفاع عن الأراضي بإيواء العائلات في مواقع مختلفة، واحضرت عددا من الخيام لهم، ولجأ العديد منهم إلى كهوف قريبة من المنطقة وعند أقربائهم.
وخربة جنبا وهي واحدة من عشرات الخرب والقرى الفقيرة، كانت قد تعرضت لهجوم جيش الاحتلال في العامين 1952 و1958، وتم قتل عدد من مواطنيها، وتدمير بعض من منازلها، ما يعني أن المنطقة مستهدفة منذ زمن بعيد.
وتمكنت 'لجنة الدفاع عن الأراضي' في حرب المجابهة التي تخوضها ضد الجيش والمستوطنين منذ سنوات طويلة من إرجاع بعض العائلات المشردة إلى مناطقها بطرق سرية.. وفي العام2000 استطاعت اللجنة وبمساعدة مؤسسات حقوق الإنسان، استصدار قرار بإعادة السكان إلى مناطقهم. وبينما تدعي سلطات الاحتلال أن سكان هذه القرى والخرب عبارة عن بدو رحل لا يملكون الأرض، يؤكد المواطنون بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأراضي هي أراضيهم وورثوها عن آبائهم وأجدادهم.. وهي أكثر من ذلك ارض فلسطينية خالصة بموجب وثائق ملكية أساسية (طابو) وليست أملاك دولة كما تدعي دولة الاحتلال إلاسرائيلي التي تعمد على استخدامها كمناطق تدريب عسكرية.
وفي الحرب الإسرائيلية الدائرة والممتدة إلى السفوح شرق يطا، يدفع المواطنون كل يوم ثمنا باهظا من حياتهم، حيث يطلق جنود الاحتلال النار باتجاه المناطق السكنية، في ساحة تدريب مفتوحة، تطال منامات الأطفال، وحظائر الماشية، والممتلكات البسيطة في الكهوف والعرش التي يتشبث المزارعون في البقاء على أراضيهم البالغة نحو ثلاثة آلاف دونما، والدفاع عنها مهما كلف ذلك من ثمن.
ولفت حنتش إلى قرار المحكمة الإسرائيلية في عام 1996، حيث اصدر 16 أمرا عسكريا في يوم واحد تقضي بمصادرة 200 ألف دونم جنوب يطا والسموع.
ويشير المواطن زياد محمد يونس مخامرة، والذي يسكن خربة بير العد، إلى معاناة أهلي المنطقة من اعتداءات المستوطنين وإجراءات الاحتلال المقيدة لحرية رعاة الأغنام في استخدام أراضيهم لرعي مواشيهم، وكذلك استخدام الآبار لسقيها، فارضين عليهم السكن في الكهوف دون الخيام أو بيوت الصفيح.
وقال إن المحكمة العسكرية حددت لهم الأماكن المسوح لهم باستخدامها، ووضعت لهم علامات بالألوان على الأرض، لا تزيد عن 200 دونم، في حين يملك الأهالي أكثر من ألفي دونم للرعي والزراعة.
ويتعمد المستوطنون رعي أغنامهم في أراضي المواطنين المزروعة ويقومون بتخريبها، حيث قام المزارعون برفع شكوى على المستوطنين للإدارة العسكرية الإسرائيلية، التي استدعت المواطنين للتحقيق معهم في مستوطنة كريات أربع.
ويؤكد المحامي موسى مخامرة رئيس اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي وأحد سكان يطا، الذي كان قد أصيب على أيدي المستوطنين، أن الجيش يقوم على الدوام بترحيل المواطنين الذين يخوضون معارك قانونية إلى جانب معاركهم اليومية من اجل البقاء على أراضيهم وفي مساكنهم التي ترعرعوا فيها.
وقال مخامرة: فوجئنا قبل شهرين بتسليمنا 17 إخطارا بهدم الخيام التي تؤوي العشرات من المواطنين، وهدم بيوت الصفيح بذريعة قرارات عسكرية تسمح لهم بالإقامة في الكهوف تحت الأرض ولا تجيز لهم السكن في خيام زودتهم بها مؤسسات حقوقية.
وأشار إلى المساعدات الأخرى المقدمة لهم على شكل أعلاف لمواشيهم، وتزويدهم بصهاريج المياه، بالإضافة إلى تزويد المواطنين بكاميرات لتوثيق اعتداءات المستوطنين عليهم وعلى مزروعاتهم ومواشيهم، وإغلاق الطرق لمنعهم من التواصل مع التجمعات السكانية في المنطقة.
وأكد المواطن موسى جبريل ربعي، من منطقة بير العد، أن المستوطنين قاموا بالاعتداء عليه بالضرب وعلى أغنامه وأمروه بالخروج من المنطقة، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال حتى هذه اللحظة تحاول الضغط على السكان لإجبارهم على الرحيل وبناء المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات القائمة على حساب أراضي المواطنين.
وقال متحديا كل القرارات الإسرائيلية: لن نخرج من أرضنا التي رويت بدماء وعرق أجدادنا، وسنبقى مرابطين محافظين على هذه الأرض المستهدفة من قبل السلطات الإسرائيلية، التي تسعى لتوطين يهود العالم فيها.
ودعا المواطن أحمد محمد سلامة (60 عاما) السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات المعنية إلى العمل على شق طرق زراعية لتسهيل وصول السكان إلى تجمعاتهم، وضرورة توفير عيادة طبية وذلك لبعد المراكز الطبية عن المنطقة، ودعم الثروة الحيوانية كونها مصدر رزقهم الوحيد في مجال العلف والماء والعلاجات البيطرية، بالإضافة إلى حفر آبار تجميع مياه لحل مشكلة نقص المياه في المناطق وذلك بعد منع الاحتلال للمواطنين من الوصول إلى عدة آبار في المنطقة.
وأوضح رئيس بلدية يطا زهران أبو قبطية، أن سكان السفوح الشرقية هم جزء أصيل من مدينة يطا وهم مُلّاك أراضي في هذه المناطق، مثمنا تحديهم الاحتلال بالسكن بالكهوف والحفاظ على أرضهم من خلال مواجهتهم بطش المستوطنين وظلم جيش الاحتلال، معتبرا أن وطنيتهم وقناعاتهم المطلقة تفرض عليهم الصمود وتحدي المخططات الاستيطانية الصهيونية.
وأشار إلى أن البلدية تحاول دعم صمود سكان خرب يطا عن طريق مشاريع البنية التحتية، والمدارس ورياض الأطفال.
وأكد أبو قبطية تعاون البلدية مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية التي تطلع على معاناة المواطنين، واصفا دورها بالمتميز على صعيد تقديم المساعدة للمواطنين ودعم صمودهم، حيث يقدمون لهم الإرشاد القانوني والحقوقي والمساعدات الحياتية.
أمل حرب
التسميات
فلسطين