العقل والعاطفة.. العقل إذا استقل بالسلطان على الجسد قيد أهواءه

ثم طلبت إليه العرافة ثانية قائلة: هات حدثنا عن العقل و الهوى.
فأجاب قائلاً: كثيرا ما تكون نفوسكم ميداناً تسير فيه عقولكم ومدارككم حربا عواناً على أهوائكم وشهواتكم، وإنني أود أم أكون صانع سلام في نفوسكم، فأحول ما فيكم من تنافر وخصام إلى وحدة و سلام و لكن أنى يكون لي ذلك إذا لم تصيروا أنتم صانعي سلام لنفوسكم ومحبين جميع عناصركم على السواء.
إن العقل و الهوى هما سكان (دفة السفينة) النفس و شراعها وهي سائرة في بحر العالم فإذا انكسر السكان أو تمزق الشراع فإن سفينة النفس لا تستطيع أن تتابع سيرها بل ترغم على ملاطمة الأمواج يمنة ويسرة حتى تقذف بكم إلى مكان أمين تحتفطون به في وسط البحر، لأن العقل إذا استقل بالسلطان على الجسد قيد أهواءه ولكن الاهواء إذا لم يرافقها العقل كانت لهيباً يتأجج ليفني نفسه.
فاجعل نفسك تسمو بعقلك إلى مستوى أهوائك وحينئذ ترى منها ما يطربك و يشرح لك صدرك.
وليكن لك من عقلك دليل وقائد لأهوائك لكي تعيش أهواؤك في كل يوم بعد موتها و تنهض كالعنقاء متسامية فوق رمادها.
وأرغب إليكم أن تعنوا بالعقل والهوى عنايتكم بطيفين عزيزين عليكم فإنكم ولا شك لا تكرمون الواحد أكثر من الثاني لأن الذي يعتني بالواحد ويهمل الآخر يخسر محبة الاثنين و ثقتهما
وإذا جلستم في ظلال الحور الوارفة بين التلال الجميلة تشاطرون الحقول والمروج البعيدة سلامها وسكينتها وصفائها فقولوا حينئذ في أعماق قلوبكم متهيبين خاشعين: إن الله يتحرك في الأهواء.
وما دمتم نسمة من روح الله وورقة في حرجه فأنتم أيضا يجب أن تستريحوا في العقل و تتحركوا في الأهواء.
جبران خليل جبران
أحدث أقدم

نموذج الاتصال