رغم أن انتخابات 7 مارس / آذار ليست الأولى في العراق منذ بدء الاحتلال إلا أنها تحمل أهمية قصوى بالنظر إلى أن نتائجها ستكون حاسمة في رسم مستقبله بعد الانسحاب الأمريكي وتحديد ما إذا كان سينزلق إلى حرب أهلية أم يعرف طريقه لاستعادة أمجاد حضارة بلاد الرافدين والعودة مجددا وبقوة لحضنه العربي والإسلامي.
وهناك أمر آخر هام في هذا الصدد وهو أن العواطف الدينية والنوازع المذهبية لعبت دورها في انتخابات 2006 على حساب الروح الوطنية والرغبة في بناء دولة عصرية ديمقراطية ولذا فإن الجميع ترقب بشغف انتخابات 7 مارس 2010 على أمل أن تسفر عن انتخاب وجوه جديدة تنبذ الطائفية وتنتصر فقط لما هو وطني عراقي عربي وتتجنب سلبيات البرلمان السابق والتي برزت بوضوح في عدم حضور جميع رؤساء الكتل الكبرى جلساته مطلقا ، هذا بالإضافة إلى أن 130 عضوا من أصل 275 لم يتكلموا لمدة خمس دقائق طيلة السنوات الأربع الماضية وهو الأمر الذي أثر سلبيا على عمل مجلس النواب.
شبح صدام
ومع أن الفرصة كانت سانحة لمعالجة أخطاء التجربة السابقة خاصة مع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي، إلا أن الذعر من شبح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يبدو أنه كان له الكلمة الفصل في انتخابات 2010 عندما تم استبعاد عشرات المرشحين بزعم ارتباطهم بحزب البعث المنحل من بينهم صالح المطلك رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة الحوار الوطني وظافر العاني رئيس كتلة جبهة التوافق البرلمانية السنية .
وكانت هيئة المساءلة والعدالة وهي مفوضية مستقلة تم تشكيلها لتحل محل لجنة اجتثاث البعث أصدرت قرارا أعلنت فيه حظر مشاركة أكثر من خمسمائة مرشح بانتخابات 2010 بحجة الانتماء أو الترويج لحزب البعث المنحل.
وأحدث القرار ردود فعل غاضبة عصفت بالعملية السياسية قبيل الانتخابات وعلى إثر القرار شكل مجلس النواب العراقي لجنة تمييزية من سبعة قضاة للنظر في الطعونات التي قدمها من يشملهم قرار الحظر ، ومن بين أكثر من خمسمائة مرشح ، قدم أكثر من مائة وسبعين مرشحا طلبات تطعن في قرار الحظر.
وسرعان ما أعلنت لجنة التمييز أن عدد طلبات الطعون التي تم رفضها من قبل اللجنة هي مائة وخمسة وأربعين طلبا وتم شمولهم بقانون المساءلة والعدالة ، بينما تم قبول طلبات الطعن لستة وعشرين مرشحا يحق لهم المشاركة بالانتخابات .
وجاء في بيان للجنة أن من بين أبرز الأسماء التي تم رفض طلباتها وشمولها بقرار الحظر صالح المطلك وظافر العاني وذلك بسبب ترويجهما لأفكار حزب "البعث الصدامي" الذي حل بقرار من رئيس الإدارة المدنية الأمريكية السابق في العراق بول بريمر ويحظر الدستور العراقي مشاركته في العملية السياسية وهي اتهامات رفضها بشدة كل من المطلك والعاني وأكدا أن إيران هي من تقف خلفها بهدف إضعاف موقف السنة في العملية الانتخابية ، كما قررت كتلة "العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي تعليق حملتها الانتخابية احتجاجا على استبعاد عدد من مرشحيها لشمولهم بقانون "المساءلة والعدالة" وعلى رأسهم المطلك والعاني وسرعان ما تراجعت عن القرار السابق وأكدت مشاركتها بالانتخابات.
مأزق المالكي
ورغم أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حاول تبرير قرار هيئة المساءلة والعدالة باستبعاد المئات من الترشح لانتخابات 7 مارس بأنهم كانوا يروجون بشكل واضح لأفكار حزب البعث المنحل والمحظور وأكد في الوقت ذاته أن القرار ليس موجها ضد السنة الذين كانوا في المواقع القيادية في هذا الحزب لعقود ، إلا أن أغلب آراء المحللين شككت في مصداقية تصريحاته .
فمعروف أن المالكي كان في وضع حرج للغاية قبل الانتخابات بسبب استمرار التفجيرات الدامية والافتقار إلى التنمية والوظائف وتفشي الفقر والفساد ولذا فإنه أدرك أن التأييد له ربما يكون أقل من المتوقع ، هذا فيما تزايدت التقارير الصحفية حول إجراء واشنطن سرا محادثات مع البعثيين لضمان أمن قواتها عند الانسحاب ، وأمام ما سبق سارع المالكي للعب بورقة المناهضة للبعث للتغطية على فشله وأخطائه ولمنع عودة أنصار صدام للسلطة مجددا عبر الانتخابات ولعل هذا ما ظهر واضحا في تقرير لصحيفة "الاندبندنت" البريطانية.
فقد كشف التقرير أن الحديث عن اختراق البعثيين السابقين لانتخابات 7 مارس يخفي قضايا معقدة أخرى يواجهها العراق ، قائلا :" رغم نفي رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي أن يكون قرار إقصاء البعثيين عن الانتخابات يستهدف السنة وتأكيده أن معظم الممنوعين من الانتخابات هم من الشيعة فإن معظم السياسيين المهمين المدرجة أسماؤهم على القائمة السوداء هم من السنة ".
وجاء في التقرير أيضا " زعم المالكي بأنه يلاحق فقط أعضاء البعث السابقين يوضح مدى هيمنة عملية التطهير على الانتخابات ، فقد اتسعت رقعة الحظر على المرشحين لتشمل ألفا من المسئولين العسكريين والأمنيين في المحافظات إلى جانب الـ500 الذين أعلن عنهم ".
وتابع " اللافتات والشعارات في مختلف أنحاء بغداد والتي كانت شيعية في أغلبها دعت إلى عدم عودة المجرمين البعثيين والانتقام من البعثيين الذين قمعوا الشيعة وليس هناك من اللافتات ما تتحدث عن البطالة والكهرباء والخدمات المختلفة إلا القليل ، حتى إن الصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون تعج بتغطية بما أسمتها مؤامرات حزب البعث المنحل".
وبجانب ما ذكرته "الاندبندنت" ، فإن هناك من يرى أن أصل الضجة حول تطهير البعثيين يكمن في الانقسامات السياسية داخل الأغلبية الشيعية وكذلك الخوف الحقيقي من عودة المؤيدين للرئيس الراحل صدام حسين ، فخوف المالكي من نجاح التحالف الوطني العراقي وهو الائتلاف المؤلف من أحزاب دينية شيعية ومعارضين له في استقطاب الأصوات الشيعية هو الذي دفعه للعب بورقة المناهضة للبعث ، هذا بالإضافة إلى سعيه لإضعاف الائتلاف القومي العلماني الذي يدعى "العراقية" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي والذي نجح هو الآخر في بناء تحالف سياسي كبير يمثل جميع الأطياف والعرقيات في العراق ، ما شكل تهديدا واضحا لفرص نجاح "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي .
وأيا كانت حقيقة للعب بورقة مناهضة حزب البعث ، فإن المثير للانتباه أن استخدامها لم يحسن وضع المالكي بل أضعف شعبيته أكثر وأكثر ولذا لجأ لمناورات أخرى كان من أبرزها قرار إعادة عشرين ألف ضابط من حقبة صدام حسين إلى أعمالهم ، بالإضافة إلى فضيحة شراء أصوات الناخبين .
ففي 28 فبراير ، أعلنت حكومة المالكي فجأة عن إعادة عشرين ألف ضابط من حقبة صدام حسين إلى أعمالهم فيما اعتبر مناورة انتخابية مكشوفة لخداع السنة ومحاولة استقطاب بعض أصواتهم ، هذا بالإضافة إلى سعيه للتقليل من موجة التفجيرات مع اقتراب الانتخابات بالنظر إلى أن تفكيك الجيش السابق عقب سقوط نظام صدام حسين كان من أهم أسباب اندلاع العنف الطائفي .
بنادق مقابل التصويت
وبجانب المناورة السابقة ، فقد لجأ المالكي لشراء أصوات الناخبين ، حيث اتهم المتحدث السابق باسم جهاز المخابرات العراقي سعد الألوسي رئيس الحكومة بتقديم أسلحة وأموال نقدية لزعماء القبائل مقابل أصواتهم .
وكشف الألوسي الذي نقل إلى منصب آخر قبل أسابيع من الانتخابات أنه تم إقرار عقد مع مزود صربي لتقديم ثمانية آلاف مسدس بنهاية 2008 لاستخدامها من قبل المخابرات ، غير أن المالكي رفض العقد في اللحظة الأخيرة وأبرم عقدا خاصا به لتوفير عشرة آلاف مسدس لاستخدامها في حملته الدعائية لانتخابات 2010 .
ورغم نفي المتحدث باسم الحكومة العراقية صحة تصريحات الألوسي وزعمه أنها كانت هدايا منحت للقبائل لمشاركتهم في الحفاظ على الأمن ولا علاقة لها بالحملة الانتخابية ، إلا أن صحيفة "الجارديان" البريطانية نشرت صورا للمالكي وهو يقدم المسدسات لمؤيديه في جنوب العراق.
ويبقى التساؤل الجوهري " هل تضمن المناورات السابقة الفوز للمالكي وما هو السيناريو المتوقع بعد الانتخابات ؟" .
ويبدو أن الإجابة ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض ، فهناك من استبعد نجاح المالكي في الفوز بولاية ثانية لأسباب عزت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعضها إلى صنع يده وبعضها الآخر إلى صنع الآخرين ومن أبرزها الفشل الأمني والفساد .
وفي المقابل ، يرجح آخرون فوز المالكي حتى وإن كان فقد العديد من حلفائه السابقين بالنظر إلى أن قائمة ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها مازالت قوية لأنها تتحكم في الجهاز الحكومي والوظائف .
وترى صحيفة الاندبندنت في هذا الصدد أن الدولة مهمة جدا في عراق اليوم كما كانت في عهد صدام حسين ومازال الاقتصاد معتمد كليا على عائدات النفط التي وصل مجموعها الى 4.4 مليار دولارفي شهر يناير/ كانون الأول الماضي وهذا يعني من وجهة نظرها أن المالكي يتحكم في شبكة ضخمة من الرعاية الحكومية ، حيث أن عمل المعلم المتواضع في العراق يتطلب رسالة توصية من حزب سياسي يشارك في السلطة.
وسواء فاز المالكي أم لا ، فإن الأمر الذي لاخلاف عليه هو أنه ليس هناك إمكانية لفوز تحالف واحد بالأغلبية في انتخابات 7 مارس ، فمعروف أن هناك خمسة ائتلافات رئيسية هي الائتلاف الوطني الشيعي الذي يضم المجلس الإسلامي الأعلى والصدريين وتحالف الكتلة العراقية الذي تعرض بعض أعضائه كصالح المطلك للاجتثاث وجبهة التوافق السنية وائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي والتحالف الكردستاني.
خطر الحرب الأهلية
الكيانات السياسية المتنوعة السابقة تؤكد صعوبة أن تشكل أي كتلة انتخابية أغلبية بمفردها الأمر الذي سيجبر الأحزاب السياسية على التفاوض مع بعضها بعد الانتخابات للوصول إلى صيغة لتوزيع وتقاسم السلطة ويرجح أن ائتلافا من الأكراد والشيعة هو الذي سيحكم العراق، فيما سيتم تهميش العرب السنة وهو الخطر بعينه لأنه يهدد بنشوب حرب أهلية بعد الانسحاب الأمريكي المتوقع في اواخر 2011.
ويبدو أن فصائل المقاومة في العراق وأغلبها سنية تدرك جيدا أبعاد المخطط السابق ، ولذا أكدت رفضها المسبق لانتخابات 7 مارس ، واعتبر الناطق الرسمي باسم الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع) وهي من الفصائل الأربعة المنضوية تحت المجلس السياسي للمقاومة العراقية أن العملية السياسية لا تزال بيد الاحتلال ولا يمكن للمقاومة أن تثق بانتخابات في ظل حكومة المالكي ولكنه مع ذلك رفض استهداف مقار الانتخابات بهجمات مسلحة.
وفي السياق ذاته ، قال عبد الناصر الجنابي نائب رئيس جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني التي يتزعمها عزت الدوري إن المقاومة العراقية لا علاقة لها بالانتخابات وترفض أي عمل سياسي موجود في العراق منذ الاحتلال وحتى الآن لأنه تحت وصاية الاحتلال الأمريكي والاحتلال الإيراني في العراق.
وأضاف " الفصائل المسلحة المجاهدة على يقين من أن الحل في العراق هو المقاومة المسلحة ضد أمريكا ومن جاء معها وهذا الحل قريب بإذن الله".
وتابع الجنابي " إفشال الانتخابات في نظرنا غير وارد لأن استهداف المقرات الانتخابية سيهدر الدم العراقي وبالنسبة لفصائل الجهاد هدر الدم العراقي محرم ونعتبره خطا أحمر لا يمكن تجاوزه ".
وشدد على أن أي مقاوم في العراق لا يقتل إنسانا عراقيا بريئا أما الأمريكان وعملاؤهم الذين أجرموا بحق الشعب العراقي فهم معرضون لنيران المقاومة العراقية.
وعن تهديدات زعيم ما يسمى "دولة العراق الإسلامية" أبو عمر البغدادي بإفشال الانتخابات ، قال الجنابي في تصريحات لقناة الجزيرة :"نحن لدينا موقف واضح وهو أن نيراننا موجهة ضد الأمريكان وعملائهم وضد كل من احتل العراق مع الأمريكان ، أما موقف الآخرين فلا سيطرة لنا على أحد".
والخلاصة أن فصائل المقاومة ترى في انتخابات 7 مارس محاولة جديدة لتكريس الاحتلال سواء الأمريكي العلني أو الإيراني الخفي في العراق وهو ما يرجح أن احلال الأمن والاستقرار مازال حلما بعيد المنال.
التسميات
عراق