أوباما واستمرار التهويد في القدس الشرقية والضفة الغربية.. لجنة متابعة مبادرة السلام العربية واستئناف المفاوضات المباشرة

في ذروة تصاعد وتيرة عمليات الاستيطان والتهويد في القدس الشرقية والضفة الغربية وبعد أيام من إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لـ "يوم الأرض الخالد"، فاجأت إسرائيل الفلسطينيين والعرب في 11 إبريل / نيسان بأخطر قرار من نوعه والمقصود هنا إبعاد آلاف الفلسطينيين من وطنهم المغتصب وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التسلل.

وما يضاعف من حجم الكارثة أن هذا القرار صدر منذ أكتوبر الماضي وكانت تعلم به السلطة الفلسطينية إلا أنها  لم تتخذ موقفا حاسما تجاهه وركزت فقط على التعامل مع خدعة إدارة أوباما حول المفاوضات غير المباشرة والتي أقرتها فيما بعد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية.

ورغم أن القمة العربية الأخيرة أقرت عددا من الخطوات لعقاب إسرائيل دوليا على سياساتها الاستيطانية ، إلا أن هذا التحرك يبدو أنه جاء متأخرا جدا بالنظر إلى أن قرار إبعاد آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية اعتبره كثيرون بأنه بمثابة المرحلة الأخيرة من المخطط العنصري الهادف لإعلان إسرائيل "دولة يهودية"، بل وإنه قد يكون بداية النهاية لأي وجود فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل الخط الأخضر في حال لم يكن هناك تحركا جديا لإجهاضه.

كارثة التسلل 
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشفت يوم الأحد الموافق 11 إبريل/نيسان عما أسمته بـ"الأمر العسكري" الجديد والذي سيدخل حيز التنفيذ خلال أيام ويمكن جيش الاحتلال من إبعاد الآلاف من المواطنين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التسلل إلى الضفة الغربية.

وجاء في الصحيفة أن وزارة الحرب الإسرائيلية كانت أصدرت منذ أكتوبر 2009 أمرا عسكريا تستطيع بموجبه ترحيل آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وهي بصدد تنفيذه ابتداء من 13 إبريل / نيسان.

وأضافت "وفقا لهذا الأمر العسكري، يمكن ترحيل من ينطبق عليه وصف المتسلل من الضفة الغربية إلى القطاع"، موضحة أن صفة "المتسلل" تنطبق على الكثير من الفلسطينيين الذين انتقلوا للعيش من غزة إلى الضفة الغربية بحثا عن فرص عمل في سنوات "الانتعاش الاقتصادي" التي أعقبت اتفاقية أوسلو، كما تشمل الفلسطينيين المولودين في قطاع غزة أو ولد أطفالهم في القطاع ومقيمين في الضفة وكذلك الفلسطينيين الذين فقدوا لأسباب مختلفة "حقوق الإقامة في الضفة، بالإضافة إلى أن الأمر العسكري العنصري يشمل أجنبيات تزوجن من فلسطينيين.

وانتهت الصحيفة إلى القول إن القرار يتسم بالغموض ويسمح للجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات قضائية ضد من يعتبر متسللا وإذا أدين قد تفرض عليه عقوبة السجن الفعلي لمدة أقصاها 7 سنوات.

ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد، فالقرار المشبوه السابق لن يقتصر فقط على زوجات أو أزواج مواطنين من الضفة الغربية سواء كانوا من سكان غزة أو مواطني دولة أجنبية وإنما سينطبق تعبير "متسللين" أيضا على فلسطينيين من سكان مدينة القدس المحتلة وكذلك فلسطينيين من أراضي 48.

بل إن الأمر الذي يثير المرارة والسخرية في آن واحد هو أن القرار يحول الفلسطيني صاحب الأرض إلى متسلل والمستوطن الغاصب إلى شرعي، أو بمعنى آخر، فإن وصف "متسلل" ينطبق على فلسطينيين ولدوا في الضفة الغربية ولا ينطبق على المستوطنين الذي يقيمون في مستوطنات يعتبرها المجتمع والقانون الدولي غير شرعية.

وتبقى الكارثة الحقيقية وهي أن القرار سوف يعاقب كل من يعتبره خطرا على الاحتلال في الضفة بالطرد والإبعاد، بل وقد يطال السلطة الفلسطينية ذاتها في نهاية المطاف، وهكذا فإن إسرائيل التي تسابق الزمن لتوجيه الصفعة تلو الأخرى للوجود الفلسطيني في وطنه وأرضه تهدف من خلال تعبير "متسلل" إلى إخلاء الضفة الغربية من مواطنيها من خلال ترحيلهم إلى غزة وبالتالي إعلان إسرائيل دولة يهودية على أراضي 48 والقدس الشرقية والضفة الغربية بل والحديث فيما بعد عن "الوطن البديل في الأردن" لتصفية القضية الفلسطينية تماما.

ولعل ما يدعم ما سبق هو أن إسرائيل اتبعت في الشهور الأخيرة طرقا أخرى لسرقة الأرض الفلسطينية داخل الخط الأخضر من خلال عدد من القوانين الجائرة منها قانون "شارع عابر إسرائيل" لتهويد النقب والمثلث والجليل وقانون "أملاك الغائبين" الذي سيطرت من خلاله على أملاك اللاجئين والنازحين الفلسطينيين.

هذا بالإضافة إلى أنه نشطت في المدن العربية داخل الخط الأخضر حركات يمينية متطرفة تحرض ضد العرب وترفع شعار تهويد تلك المدن في تكريس لسياسة "الترانسفير" التي قامت بها العصابات الصهيونية في سنة 1948 وما بعدها لطرد المواطنين العرب من بيوتهم ومدنهم وقراهم.

وأمام ما سبق ، فإن الأمر العسكري الإسرائيلي لا يعتبر فقط الأكثر عنصرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وإنما هو سياسة تطهير عرقي مقننة وتحظى سرا بدعم القوة العظمى في العالم، فمخطيء من يعتقد أن تصاعد وتيرة الاعتداءات على المسجد الأقصى وعمليات الاستيطان في القدس الشرقية بشكل غير مسبوق بل وقيام إسرائيل أيضا بعملية قرصنة للتراث الفلسطيني بالإعلان عن ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح في الضفة الغربية لقائمة التراث اليهودي، هي أمور تمت دون موافقة واشنطن.

الصفقة السرية
بل إن إقرار مشروع قانون الرعاية الصحية في مجلس النواب الأمريكي في مارس/آذار الماضي ما كان ليحدث لولا التنازلات الكبيرة التي قدمها أوباما  لإسرائيل وخاصة فيما يتعلق بالصمت تجاه تسارع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ففي 18 مارس / آذار وقبل أربعة أيام من إقرار مشروع القانون، خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتصريحات مستفزة للفلسطينيين والعرب عندما نفى وجود أزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل رغم تعمد حكومة نتنياهو إهانة نائبه جو بايدن بالإعلان عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية خلال زيارته للمنطقة في منتصف مارس.

وأضاف أوباما في حديث لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية "الإعلان الذي تزامن مع زيارة جو بايدن إلى المنطقة وإن كان لا يساعد في عملية السلام، إلا أن إسرائيل من أقرب الحلفاء لواشنطن وهناك علاقة خاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لن تتلاشى، أمن إسرائيل شيء مقدس للغاية، الأصدقاء يختلفون في بعض الأحيان".

ولم يقف تقديم التنازلات عند ما سبق، حيث كشف أوباما أيضا أن الولايات المتحدة ستسعى إلى فرض "عقوبات مؤثرة" لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مؤكدا أن منع إيران من حيازة سلاح نووي هو أحد أهم أولويات إدارته وأنه حقق نجاحا في إقناع المجتمع الدولي بعزل إيران.

وقبل ساعات من إقرار مشروع قانون الرعاية الصحية وتحديدا في 21 مارس، وجه نتنياهو إهانة جديدة إلى الإدارة الأمريكية عندما استقبل المبعوث الأمريكي جورج ميتشل بالإعلان أن الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية المحتلة هو مثل البناء في تل أبيب وهو سيستمر كما كان خلال الأعوام الاثنين والأربعين الماضية.

تصريحات كلينتون
وبدلا من انتقاد التصريحات السابقة، فوجيء العرب بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وهي تكافيء اللوبي الصهيوني على تمرير مشروع قانون الرعاية الصحية عبر اتهام مسئولين فلسطينيين بالتحريض على "العنف" من خلال ما أسمته عرضهم الخاطئ لافتتاح "كنيس الخراب" في القدس الشرقية المحتلة.

وقالت كلينتون في 22 مارس أمام المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية "ايباك" التي تعتبر أكبر جماعات الضغط السياسي المدافعة عن المصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة: "إن عرضهم الخاطئ والمتعمد للتدشين الجديد لكنيس في الحي اليهودي بمدينة القدس القديمة ودعوتهم للدفاع عن المواقع الإسلامية القريبة منه هو مجرد تحريض بحت على العنف".

وأضافت قائلة: "إن تلك الاستفزازات سيئة ويجب إدانتها لأنها تؤجج التوترات بدون طائل وتعرض إمكانية التوصل إلى سلام حقيقي للخطر".

التصريحات السابقة تؤكد أن أوباما الذي تراجعت شعبيته بقوة في الآونة الأخيرة خدع العرب عبر الحديث المتكرر عن رغبته في استئناف عملية السلام وسرعان ما ظهر وجهه الحقيقي عندما تنكر لموافقة لجنة متابعة مبادرة السلام العربية على اقتراحه بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل وأعطى أيضا الضوء الأخضر للأخيرة وإن كان سرا لمواصلة الاستيطان في القدس الشرقية وتسريع خطى مخطط التهويد ، مقابل مساعدته في تمرير مشروع قانون الرعاية الصحية الذي كان يمثل دعامة أساسية لبرنامجه الانتخابي ويعتبر أكبر نصر سياسي يحققه منذ انتخابه قبل 16 شهرا.

والخلاصة أن أوباما حاول استعادة شعبيته من خلال صفقة سرية أبرمها مع إسرائيل وتنص على التغطية على جرائم الاستيطان والتهويد مقابل تمرير قانون الرعاية الصحية ورفع شعبية الديمقراطيين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي، فهل يعي العرب أبعاد المخطط الكارثي قبل فوات الأوان؟.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال