أفغانستان.. استقلال تنقصه السيادة والقدرة على حماية أمن المواطنين المهددة بالطائرات دون طيارن

تشن الطائرات الأمريكية غارات جوية بمعدل أسبوعي تقريبا واحيانا يومي على المناطق الجنوبية من أفغانستان وخاصة في مناطق قندهار وهلمند حيث تسيطر حركة طالبان بشكل أو بآخر، وفي كل مرة تقع تلك الغارات يذهب ضحيتها عدد من الفقراء الأفغان الذين لا حول لهم ولا قوة ولا علاقة لهم لا بطالبان ولا بالحكومة الأفغانية ولا بالشيخ أسامة ولا الملا عمر وبعد كل غارة او اثنتـــين يمــــوت فيها عدد من الأبرياء يظهر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ويقول أن تلك الغارات خاطئة وغير مناسبة وقد يضيف أحيانا انه سيطلب من الأمريكيين وقف تلك الغارات.
ذات المشهد يتكرر في باكستان المجاورة حيث تحلق الطائرات الأمريكية ، التي يقودها الطيارون وتلك التي تقودها أجهزة الكمبيوتر، وتقصف مناطق القبائل الباكستانية، خاصة في وزيرستان، التي لم تخضع يوما لأي سلطة مركزية سواء أكانت في أسلام أباد بعد الاستقلال أو في لندن أيام الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما... ما أن تغير تلك الطائرات حتى يسقط الضحايا من المدنيين ويفلت من تقول أمريكا أنها تلاحقهم من أفراد طالبان بشقيها الأفغاني والباكستاني ويضيف متحدث أمريكي القول بان الغارات تمت لأن الاستخبارات تلقت معلومات تفيد بأن بن لادن (مدعو للغداء لدى عائلة عبدالله محسود شيخ الإسلام مثلا) وعليه تقررت الغارة لكي تصيب الرجل وتقتله قبل أن يغسل يديه ويرحل عن مكان (العزومة).
وبنفس وتيرة الصوت والكلمات تقريبا، يظهر الرئيس الباكستاني أو وزير الدفاع ويقول أن تلك الغارات تعتبر انتهاكا لسيادة بلده وأنها غير قانونية وأن حكومته لم تأذن بها وأن على أمريكا إيقافها وأحيانا يضيف لتصريحاته كلمة 'فورا'. وفي بعض المرات تقول الحكومة على لسان وزير أعلامها انها لا تعرف شيئا عن هوية الطائرات التي شنت الغارة وأنها 'ربما أمريكية'.
كل من الرئيسين، الأفغاني والباكستاني، زار الولايات المتحدة الأمريكية وألتقيا بمسؤوليها من الرئيس الى أخر السلم من مستثمرين محتملين وخبراء أمنيين ورؤساء أجهزة المخابرات وكلا من كابول الأفغانية وأسلام أباد الباكستانية كانتا من المحطات الرئيسية في زيارات مبعوثين أمريكيين ، الجديد منهم والقديم ، وكلهم جاءوا وتكلموا حول موضوع واحد وحيد، ألا وهو القصف الجوي على البلدين في ملاحقات أمريكا المحمومة لمن تصفهم بالإرهابيين، وكيف أن استمرار هذا القصف سيصيب 'الإرهابيين' ويجتثهم كما أجتث قرارات بول بريمر البعث في العراق.
بعد كل غارة جوية يشاهد الأمريكيون إنجازات قواتهم الجوية وتقول لهم الـ(سي أن. أن.) وفوكس نيوز ان الغارات استهدفت 'صيدا ثمينا' الا انه نجا في آخر لحظة وتستضيف القناتين التلفزيونيتين عددا من الخبراء والمحليين ليحللوا الغارة وأهدافها، وأحيانا يظهر متحدث رسمي من البنتاغون ويشدد على أهمية الغارات ويجدد العزم على استمرارها. في نفس الوقت يشاهد الباكستانيون في بيشاور جثث أهلهم وذويهم من أطفال ونساء وعجائز فيما ينتشل الأفغان في هلمند وقندهار ومرجة ينتشلون من تحت بقايا الجدران الطينية والزرائب جثث البشر والبقر والخراف والدجاج ممن قضوا في احدى تلك الغارات الناجحة.
الدولتان، الباكستان وأفغانستان، مستقلتين وكلاهما عضوة في الأمم المتحدة و'دستة' من المنظمات الإقليمية والدولية وكلاهما يرأسهما رئيس جاءت به صناديق الإقتراع المستورد منها والمحلي وكل من ـ الدولتين ورئيسيهما ـ يمارسان مهامها من مقرات رسمية تحمل أسماء من قبيل مقر الحكومة والقصر الرئاسي ولهما وزارت تفوق الأربعين منها وزارات للدفاع وللخارجية وللأمن وللعدل وللاقتصاد.
وفوق هذا الاستقلال فأن البلدين تعتبرهما أمريكا من الدول الديمقراطية إذ أنهما تحكمهما حكومتان 'ديمقراطيتان منتخبتان' واحدة فاز فيها كرزاي ولا احد يعرف كيف ولماذا والثانية فاز فيها رجل على جثة زوجته بعد أن قتلها مجهولون ـ لا يزالون مجهولين بالرغم من ان الزوج رئيس البلد وأن التحقيقات لم تتوقف وللأمم المتحدة لجنة تحقيق تماما كما تحقق مثيلة لها في قتل الراحل الحريري.
بن لادن بدوره رجل لا يحكم إلا نفسه ولا حدود دولية آمنة له وليس له عاصمة ولا مقر رسمي، ولا أركان حرب ولا غرف عمليات، ولا وزارة ، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الدكتور الظواهري وزيرا للأعلام، ولا يستقبل الشيخ أي مبعوثين دوليين ولا محليين ولا يظهر في الصحافة الا فيما ندر، وأغلب الظن أنه لا يملك من متاع الدنيا الا جلبابه وهو يلبي دعوات الولائم متى رأى ذلك مناسبا ويأكل ويغسل يديه وهو يعرف أن طائرة ما في مكان ما من سماء الله الواسعة في طريقها إلى مكان يعتقد من أرسلها أنه موجود فيه وأنها ستقتل بعد قليل عدد من البشر والحيوانات وتدمر البيوت على رؤوس ساكنيها، ومع هذا فان الرجل يتمهل في الأكل وأحيانا يتناول بعض الحلوى الحلال قبل أن ينفض عباءته ويتوكل على الله متجها الى حيث لا تقصف الطائرات أو أنها تقصف فتٌخطئ ولا ينسى الشيخ موعد الوليمة القادمة ان تمت دعوته ،الرجل حر ومستقل تماما كما أفغانستان والباكستان.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال