الديمقراطية وحكم الشعب في أفغانستان.. وقف التنفيذ مع الحرب الأمريكية على الإرهاب

يجسد الهجوم الذي استهدف دورية عسكرية المانية يوم امس، واسفر عن مقتل اربعة جنود، المأزق الغربي المتفاقم في افغانستان، المتمثل في حرب استنزاف تشنها فصائل المقاومة الطالبانية وحلفاؤها الآخرون.
السيدة انجيلا ميركل المستشارة الالمانية قررت ان تكسر تقليداً المانياً متبعاً منذ الحرب العالمية الثانية، وهو عدم ارسال قوات المانية الى الخارج، وتساهم بحوالى خمسة آلاف جندي في اطار مساعيها للتقرب من الادارة الامريكية، والاحلال محل توني بلير كحليف واشنطن الاوثق.
التدخل الالماني جاء في الوقت الخطأ، والمكان الخطأ، فالحرب الامريكية في افغانستان لا يمكن كسبها، مهما بلغ حجم قوات حلف الناتو المشاركة فيها، وسمعة المانيا كدولة شبه محايدة تتعرض لاضرار كبيرة داخل البلاد وخارجها بفعل التورط العسكري في المستنقع الافغاني. فقد ارتكبت القوات الالمانية مجزرة كبيرة العام الماضي، عندما قصفت شاحنة وقود تجمع حولها الجياع الافغان لنهب بعض من حمولتها مما تسبب في كارثة انسانية ضخمة، تمثلت في مقتل العشرات حرقاً، معظمهم من الاطفال والمدنيين العزل.
في عطلة عيد الفصح خسرت القوات الالمانية ثلاثة جنود، ويوم امس اربعة آخرين، رغم ان هذه القوات ترابط في الشمال، وليس في اقليم هلمند المعقل الرئيسي لقوات حركة طالبان.
الامر المؤكد ان السيدة ميركل وحزبها سيدفعان ثمنا سياسيا باهظا من جراء هذه المشاركة المكلفة في أفغانستان، واذا كان عدد الالمان المعارضين لها يزيد على ستين في المئة، فان هذه النسبة مرشحة للارتفاع في الاشهر المقبلة مع تزايد عدد الخسائر في صفوف القوات الامريكية.
الاخبار القادمة للغرب من افغانستان سيئة بل كارثية بالنسبة للرئيس الامريكي باراك أوباما وحلفائه، فالاوضاع العسكرية على الارض تسير من سيئ الى أسوأ، ونظيرتها السياسية ليست أفضل حالا، فالرئيس الافغاني حامد كرزاي بدأ يتمرد على اسياده الغربيين، ويهدد بالانضمام الى حركة طالبان، ويقيم تحالفات سياسية مع اعداء أمريكا والغرب في المنطقة، مثل ايران والصين، وما زيارة السيد احمدي نجاد رئيس الاولى لكابول قبل شهرين، والحفاوة التي حظي بها الا أحد المؤشرات الهامة في هذا الصدد.
ومن المفارقة ان زراعة المخدرات التي وصلت الى مستوياتها الدنيا في اواخر ايام حكم طالبان (180 طنا) تضاعفت عشر مرات على الاقل، وباتت كميات الافيون والهيرويين القادمة من افغانستان تشكل تسعين في المئة من الاستهلاك الغربي للمخدرات.
فعندما يتهم السيد كرزاي امريكا والامم المتحدة، وهما الجهتان اللتان جاءتا به الى السلطة، بتزوير الانتخابات، ويطالب بخروج القوات الاجنبية من بلاده، ويصر على تحالفاته مع لوردات الحرب ومافيا زراعة المخدرات، فان علينا ان نتصور مستقبلا مظلما للتدخل العسكري الامريكي وحلفائه في افغانستان.
الحكومات الغربية تتباهى بأنها تمثل ديمقراطية عريقة تقوم اساسا على حكم الشعب، ولكن الامر المحير ان هذه الديمقراطية وقيمها تتبخر تماما عندما يتعلق الامر بالحروب الامريكية في العالم ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. فاذا كانت اغلبية البريطانيين والامريكيين والالمان تطالب بسحب قوات بلادها من افغانستان، تقليصا للخسائر، وحرصا على ارواح الجنود والسكان معا، فلماذا لا تستمع اليها قياداتها الحاكمة.. واين الديمقراطية وحكم الشعب في هذه الحالة؟ّ!

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال