رئيس الوزراء المقبل في العراق.. التفاوض بين الاطراف وبناء تحالفات ممكنة دون اعتبارات طائفية أو مذهبية

الرجاء من رئيس الوزراء العراقي المقبل ان ينهض؟
لو افترضنا جدلاً امكان توجيه هذا السؤال الى عشرة من الزعماء السياسيين العراقيين بعد جمعهم في غرفة واحدة، فلن يثير الاستغراب أن يهبوا جميعا واقفين دفعة واحدة!
فحتى اللحظة تتناول الألسن أسماء عشرة مرشحين على الاقل لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة التي ستنبثق من انتخابات السابع من آذار (مارس) الماضي.
بين هؤلاء رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة، الذي حلت قائمته «دولة القانون» في المركز الثاني، واثنان سبقاه الى المنصب هما اياد علاوي، زعيم حركة الوفاق، الذي جاءت قائمته «العراقية» أولاً، وابراهيم الجعفري، زعيم حركة الاصلاح المنتمية الى قائمة «الائتلاف الوطني» التي حلت ثالثة. الى ذلك هناك جعفر الصدر (دولة القانون) ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ووزير المال باقر الزبيدي، والأخيران من «المجلس الاسلامي الاعلى» المنتمي الى قائمة «الائتلاف الوطني»، اضافة الى وزير النفط حسين الشهرستاني (دولة القانون). كذلك يتحدث التيار الصدري الذي شكل كتلة باسم «الاحرار» خاضت الانتخابات ضمن «الائتلاف الوطني»، عن مرشح آخر من قيادييه هو قصي السهيل. وهناك اسماء اخرى ايضا منها نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي (العراقية) الذي برز بفضل ديناميكيته خلال الحملة الانتخاتبية وبعدها، حين كلفته قائمته برئاسة لجنتها المشكلة للتفاوض نيابة عنها مع بقية القوائم في شأن التحالفات الممكنة وتشكيل الحكومة الجديدة.
طبعاً هناك تمنيات ونصائح واقتراحات كثيرة في شأن اختيار رئيس الوزراء الجديد. فكل يدلي بدلوه. السفير الاميركي السابق في العراق زلماي خليل زاد رأى في مقال نشرته قبل ايام صحيفة اميركية، ضرورة التفاهم بين قائمتي «العراقية» و«دولة القانون» على حل «وسط» يتلخص في ان يتنـــاوب زعيمـــا القائمتين، علاوي والمالكي، على رئاســة الوزراء لمدة سنتين لكل منهما. خليل زاد كان اكثر من مجرد مراقب لعملية اختيار رئيس وزراء او وزراء خلال فترة خدمته في بغداد. اما الآن فبات السياسيون العراقيون يعتبرون كلامه مجرد رأي آخر لمراقب سياسي. هكذا سارعوا الى رفض اقتراحه «المخالف» للدستور العراقي الذي كان لخليل زاد دور في اخراجه.
الى ذلك قدم التيار الصدري بأمر من زعيمه مقتدى الصدر «حلاً» مبتكراً تمثل في اجراء «استفتاء» شعبي بين انصاره. لكنه أصر على انه يمثل رأي «الجماهير» لاختيار واحد من بين مرشحين عدة لرئاسة الوزراء. «الاستفتاء» أسفر عن حصول الجعفري على اعلى الاصوات. وعلى رغم ان «التيار» اكد انه سيلتزم النتيجة ايا كانت، فإنه اعلن لاحقا انه «منفتح» على اي خيار آخر. أما «أمّ الحلول» فقدمتها عضو التيار الصدري مها الدوري التي لم تحصل فقط على اعلى الاصـــوات بـــين المرشحات اللواتي فاز معظمهن بفضل الكوتا المخصصة للنساء فحســـب، بل حــصلت على اصوات اعلى بكثير من الاصوات التي حصل عليها كثير من المرشحين.
الدوري دعت الى اختيار رئيس الوزراء بـ«القرعة» مشيرة الى ان كل المشاكل في الاسلام قبل 14 قرناً كانت تحل بالقرعة. ولعلها نسيت انه سيتعين عليها ان تؤدي قريبا القسم بالدستور الذي ينص على ان العراق «دولة اتحادية» نظام الحكم فيها «جمهوري نيابي (برلماني) ديموقراطي»، وليس جمهورية اسلامية كما قد تتمنى.
في اي حال، الطريق مازال طويلا قبل تشكيل حكومة جديدة. فالمحكمة الاتحادية العليا لم تصادق بعد على نتائج التصويت كي تصبح نهائية وملزمة للجميع. لكن حتى بعد ان تفعل ذلك، سيمر مزيد من الوقت قبل ان يتضح من هي «الكتلة النيابية الاكثر عدداً» كي يكلفها رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة. وهذه في حد ذاتهـــا مشكلة في ضوء الجدل الدائر بين الكتـــل علـــى تفسير هذه العبارة التي ينص عليها الدستور: هل هي الكتلة الحاصلة على اكبر عدد من المقاعد نتيجة للتصويت، أم انها تلك التي يجوز ان تتشكل من قائمتين او اكثر بعد المصادقة النهائية على النتائج لتكون اكبر كتلة نيابية. المحكمة اختارت التفسير الثاني، الامر الذي ترفضه «العراقية» وغيرها بذرائع مختلـــفة.
يُشار الى ان المشرعين العراقيين ومن شاركهم من غير العراقيين اعتمدوا في حينها صياغات غامضة لمواد عدة في الدستور تجعلها قابلة لتفسيرها بطريقة او اخرى.
وللتذكير، إن الدستور العراقي يحدد مدة 15 يوما بعد المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة العليا يدعو خلالها رئيس الجمهورية الحالي البرلمان الى الانعقاد وتخصص جلسته الاولى لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه. بعد ذلك ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية بغالبية ثلثي الاعضاء، وفي حال عدم حصول اي مرشح على هذه النسبة يتم التنافس بين الحاصلين الاثنين على اعلى الاصوات، ويُعلن رئيساً من يحصل على غالبية الاصوات في الاقتراع الثاني.
الدستور يحدد 15 يوما اخرى بعد انتخاب رئيس الجمهورية قبل ان يكلف مرشح الكتلة النيابية الاكبر عددا لتشكيل حكومة جديدة، ويكون امامه شهر واحد للقيام بذلك. بعبارة اخرى، حتى الخطوة الاولى لم تُقطع بعد في الطريق نحو تشكيل حكومة جديدة.
في غضون ذلك تتواصل زيارات الزعماء السياسيين الى العواصم الاقليمية للتأثير في مواقفها من التفاهمات الممكنة المقبلة. إذ ينبغي النظر الى مواقف دول اقليمية لها في العراق نفوذ ومصالح، بعضها مشروع وبعضها الآخر ليس كذلك، باعتبارها عاملاً ترى القيادات العراقية ضرورة أخذه في الاعتبار في خياراتها للاتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة. وهذا الى جانب العامل الاساسي المتمثل في الاستحقاقات الانتخابية ومصالح الكتل المشاركة في العملية السياسية.
يبقى ان كل ما يُقال ويرشح ويُسرّب في شأن رئيس الوزراء المقبل هو من باب التمنيات والتكهنات. فالشيء الوحيد الأكيد هو ان التفاوض بين الاطراف في هذه المرحلة على تحالفات ممكنة يتحرك في خط متواز مع التفاوض والاتفاق على شخص رئيس الحكومة. وواضح ان المعطيات المتوفرة حتى اللحظة تجعل صعباً ان يحزر أحد اسم رئيس الوزراء المقبل.
كامران قره داغي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال