ر ؤلاوأخيراً تم كسر أحد محرمات السياسة الأميركية وخرج المارد من القمقم على رغم بعض المحاولات لإجباره على العودة إليه. يبدو أن زعماء أميركا العسكريين عانوا بما فيه الكفاية، وقرروا أن يتحدثوا عما يسببه تشدد إسرائيل من عوائق تجاه مصلحة الولايات المتحدة الوطنية.
نطق الجنرال الأميركي المشهور شعبياً في أميركا ديفيد بتريوس أخيراً بالكلمات التي كان يقولها كثيرون خلف الأبواب المغلقة لعقود من الزمان. إن الموقف الأخير لهذا الجنرال يضع التأييد الأميركي الأعمى لإسرائيل في تناقض مباشر مع أقدس مؤسسة لأميركا وهي المؤسسة العسكرية.
ولكي نكون منصفين، فإن التلميح في هذا الشأن بدأ بالتسرب من واشنطن منذ بعض الوقت. فقد أدلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بتصريحاتهما الأولى في هذا الاتجاه عندما قالا علناً إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة مصلحة قومية للولايات المتحدة. وكرر الرئيس باراك أوباما هذا التصريح في خطاباته العديدة، بما في ذلك خطابه التاريخي في جامعة القاهرة. ولكن ولسبب ما، فإن مثل هذه التصريحات، على رغم أهميتها، لم يتردد صداها في الولايات المتحدة أو بين الإسرائيليين. حاول بعض القوى الفلسطينية وتلك المؤيدة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة أن تبني عليها، ولكن معظم هذا الجهد لم يثمر في مجال السياسة أو الإعلام الأميركي.
ولكن عندما يقول ذلك قائد القوات العسكرية الأميركية وهو المسؤول عن حياة مئات الآلاف من الأميركيين، فإن الناس يتوقفون ويستمعون. من الصعب على القوات الموالية لإسرائيل، سواء كانت قادمة من الأوساط اليهودية الأميركية أو الأصولية المسيحية الأميركية، أن تجادل مع جنرال ذي شعبية مثل بتريوس.
ومن المفارقات، فإن الكثير من هذه القوى اليمينية تمدح الجيش وتدفع بتريوس نفسه لخوض انتخابات الرئاسة.
منذ أن تم الإفراج عن هذا المارد من القمقم، أصبح من الصعب أن نرى كيف سيكون بالإمكان تجاهله. وفي حين أن القوى الموالية لإسرائيل تحرص على عدم تحدي تصريح بتريوس على نحو علني، فإن الكثير من الجهود وراء الكواليس حاولت أن تعكس ذلك. أحد هذه الجهود تولاها المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (JINSA)، كما ورد في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية اليومية. نجحت المنظمة في جعل 50 من الجنرالات الأميركيين السابقين يوقعون على رسالة دعم لإسرائيل. ومن المفارقات أيضاً، كما ذكر عمير أورين في تقريره، أن الرسالة التي تثني على القيم المشتركة بين أميركا وإسرائيل لم تذكر العبارات الآتية: «الفلسطينيون والقدس والبناء والأراضي».
يعكس كاتب المقال ضعف هذه المحاولة مشيراً إلى أن «الضباط المتقاعدين الموقّعين يزورون إسرائيل في جولات مجانية من نفس المعهد مع زوجاتهم» في مؤشر لعدم جدية أو استقلالية مواقفهم.
إن جهوداً مثل تلك لن تتمكن على الأرجح من إقناع كبار ضباط الجيش مثل بتريوس في التراجع عن مواقفهم فوراً، إلا أن تلك الضغوط تحصل على اهتمام مسؤولي وزارة الدفاع. وفي غياب جهد من الجانب الآخر، فإنه قد يؤدي إلى أن يكون الجنرالات أكثر حذراً حول جعل قصدهم معروفاً في المستقبل.
قد يكون أهم رد فعل للمعارضين لبتريوس من الجانب العربي سياسياً وفي معظمه على المستوى الحكومي. لقد أصبح رؤساء الدول العربية ووزراء الخارجية أكثر تعبيراً واتحاداً في طلبهم المستمر لتكون جهود الولايات المتحدة حيادية في الصراع في الشرق الأوسط. وشملت مقابلة الملك عبدالله الثاني أخيراً مع صحيفة «وول ستريت جورنال» المحافظة بعض أقسى التصريحات التي أدلى بها رئيس دولة عربية في ما يخص إسرائيل وسياساتها وإجراءاتها في فلسطين خصوصاً في مدينة القدس. وذكر العاهل الأردني أن القدس هي بمثابة قنبلة موقوتة يجب نزع فتيلها وأن علاقة الأردن وإسرائيل قد وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
وفي حين أن الدعم العربي مهم، لكن يجب أن يدعم بجهود أخرى مختلفة. ويجب أن يُمدح أوباما وإدارته وكذلك ضباط الجيش علناً في مختلف المنتديات على صمودهم ومطالبهم لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين.
وميدانياً يجب أن تستمر الأنشطة في فلسطين فقط من خلال الاحتجاجات الشعبية غير العنيفة، لا شيء يمكن أن يساعد إسرائيل أكثر من ذريعة الحاجة إلى الاستجابة لفعل عنيف من قبل الفلسطينيين أو العرب، سواء في غزة أو القدس أو جنوب لبنان.
أدلى بتريوس بتصريح شجاع يمكن أن يلعب دوراً رئيساً في إضعاف اللوبي المؤيد لإسرائيل والسماح لبداية نهج أكثر توازناً للولايات المتحدة في الصراع في الشرق الأوسط. وفي حين أن الفلسطينيين والعرب مرتاحون لمثل هذه التصريحات إلا انه من الضرورة دعم هذه المواقف علناً كما يجب في الوقت نفسه تجنب أية تصريحات أو إجراءات من شأنها إحراج هؤلاء المسؤولين العسكريين والسياسيين الأميركيين الجريئين.
التسميات
أمريكا