الانتخابات في السودان.. تحديد بنية الدولة السودانية وحدود ترابها الوطني وطبيعة النظام السياسي القائم وآلياته ومصدر شرعيته



تكتسب الانتخابات السودانية، المقرر إجراؤها في الأسبوع الثاني من أبريل 2010، أهمية استثنائية، من حيث الاتساع والشمول، ومن حيث التوقيت المحدد لها، وكذلك من حيث الآثار المترتبة عليها، والآمال المرجوة منها.

تعد هذه الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ الحياة السياسية في السودان ، منذ حصوله علي الاستقلال في الأول من يناير عام 1956 وحتي الآن، إذ تجري في لحظة حرجة وفاصلة فيما يتعلق ببنية الدولة السودانية، وبحدود ترابها الوطني، وبطبيعة النظام السياسي القائم وآلياته ومصدر شرعيته.

كما تأتي قبل بضعة أشهر فقط من استفتاء جنوب السودان علي حق تقرير المصير، والبقاء في الوحدة، أو الانفصال في دولة جديدة.

تأتي هذه الانتخابات طبقا لما قررته اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة في 9 يناير 2005، والتي أدرجت بالكامل في الدستور الوطني الانتقالي للسودان الذي تم إقراره في العام ذاته.

ونصت الاتفاقية علي قيام انتخابات عامة في النصف الثاني من المرحلة الانتقالية، كما نصت المادة (216) من دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 علي أن 'تجري انتخابات عامة علي كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الانتقالية'، أي في موعد أقصاه 9 يوليو 2009. علي أن تكون هذه الانتخابات تحت رقابة دولية، حتي تتمخض عنها حكومة منتخبة، تقود البلاد إلي الاستفتاء علي حق تقرير المصير لجنوب السودان المقرر له أن يتم في9 يناير 2011.

غير أن التحديات المتتالية التي واجهت تطبيق اتفاقية نيفاشا، بالإضافة إلي الخلافات حول جملة القوانين والإجراءات المنظمة للعملية الانتخابية، أدت إلي إرجاء الانتخابات أكثر من مرة، لكي يستقر الأمر في نهاية المطاف، علي أن يتم إجراؤها في الفترة من 11 إلي 18 أبريل 2010.

الأمر الذي يعني أن الحكومة التي سوف تفرزها هذه الانتخابات لن تكون أمامها فرصة كافية، لكي تفعل الكثير إزاء قضية وحدة السودان.

إذ سرعان ما سوف يدهمها الاستفتاء علي حق تقرير المصير، الذي تدل كل المؤشرات علي أنه سيكون لمصلحة الانفصال بنسبة عالية، ومن ثم فسوف يكون هناك وضع دستوري جديد يقتضي بالضرورة إعادة النظر في تكوين المجلس الوطني، وكذلك مجلس الولايات الذي يمثل الغرفة الثانية من البرلمان، طبقا لنيفاشا.

قد يوحي ذلك بأن الانتخابات محدودة الأهمية، إلا أن ذلك غير صحيح. حيث كان من المفترض، طبقا لفكرتها الأصلية في اتفاقية السلام الشامل، أن ترعي عملية التطبيق للاتفاقية، وأن تقوم بتحسين أو خلق الظروف التي تجعل الوحدة جاذبة، وأن تمثل أيضا الخطوة الأساسية في مسار التحول الديمقراطي في السودان.

فإن كانت الانتخابات بحكم تأخرها عن موعدها المضروب قد حادت عن الهدف الأول، أو أنها لن تتمكن من الإسهام بقدر وافر في تحقيقه، فإنها ستكون خطوة في عملية التحول من الاحتكام إلي السلاح لحسم الخلافات أو المنازعات السياسية، إلي الاحتكام لأداة سلمية تقضي بالعودة إلي صاحب الحق الأصيل، وهو المواطن، عبر الانتخابات التي تنظمها مجموعة من القواعد والضوابط المحددة، والمتفق عليها سلفا.

والانتخابات بهذا المعني ليست سوي تتويج للمشروع السياسي الذي أفرزته اتفاقية نيفاشا، والذي يمثل اهمية خاصة بالنسبة للحياة السياسية السودانية، وهو قيام السودان علي أساس مشروع تعاقدي، وعلي التراضي والقبول بالخيارات الشعبية، لاسيما وأن الاتفاقية نفسها تقول بوجوب أن تتم هذه الانتخابات بوجود رقابة دولية.

ومن ثم، من المتوقع أن تفرز هذه الانتخابات حراكا واسعا سوف يهز كل مكونات الحياة السياسية، ولن يخلو من المفاجآت. وبالإضافة إلي ذلك، فإن هذه الانتخابات وما سوف تتمخض عنه من نتائج سوف تلعب دورا رئيسيا في القضايا والتفاعلات المفضية إلي الاستفتاء علي حق تقرير المصير لجنوب السودان، وتلك التي قد تنتج عن اختيار الجنوبيين للانفصال، مثل قضايا الحدود، وتصدير وتكرير النفط، والديون، والأصول المشتركة، وحصص المياه، وأوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب... الخ.

كل هذه القضايا والتحديات وغيرها سوف تحدد طريقة التعامل معها نوعية العلاقة بين الدولتين الشمالية والجنوبية، وهل سوف تكون علاقات تعاونية أم صراعية؟ وهل سوف ينتج عن الانفصال سلام واستقرار، أم أنه سيكون بداية لمرحلة جديدة من الحروب المباشرة أو غير المباشرة؟..


ليست هناك تعليقات