الانتخابات في العراق.. تمكين الحكومات المحلية للحكم بصورة أكثر فاعلية بإرساء قواعد جهود لتشجيع مشاركة المواطنين

 تبقى انتخابات السابع من آذار/مارس في العراق موضوع اهتمام حول العالم، حيث يتزاحم كل من رئيس الوزراء السابق إياد العلاوي ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي لإيجاد تحالفات تعطيهم غالبية 163 صوتاً في البرلمان. وقد شوّه العنف، كما خشي الكثيرون، وجه العراق ما بعد الانتخابات بهجمات قاتلة على العراقيين المدنيين والسفارات الأجنبية في بغداد وحولها. إضافة إلى ذلك، يطالب المالكي، الذي حصل على مقعدين أقل من غريمه العلاوي بإعادة عدّ الأصوات مدّعياً وجود تزوير.
قد يكون من الصعب جداً في هذا المضمون رؤية أن هذه الانتخابات كشفت في الواقع عن نضوج العملية السياسية، وخاصة على مستوى الجذور.
وصف آلاف المراقبين المحليين والدوليين التابعين للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات العراقية غير الحكومية انتخابات 2010 بأنها ناجحة وشفّافة وتشكّل نموذجاً محتملاً لدول أخرى في المنطقة. وبالرغم من النشاطات التي قامت بها كيانات سياسية معينة لتشجيع أحزابها قرب مراكز الاقتراع، ومن فقدان عدد من الأسماء من قوائم تسجيل الناخبين، إلا أن الانتخابات اعتُبرت إلى درجة كبيرة حرّة ونزيهة بشكل عام.
وحتى خلال العنف المتواصل الذي ارتكبته القاعدة وغيرها من المجموعات المتشددة، إلا أن مشاركة الناخبين فاقت جميع التصورات، حيث غامر 62% من الناخبين المسجّلين الذين بلغ عددهم 19 مليون بالخروج للتصويت، حسب تقديرات اللجنة العراقية العليا للانتخابات.
وقد قامت قوات الأمن العراقية بتوفير الأمن الانتخابي الذي سمح للناخبين العراقيين، وبعضهم يصوّت للمرة الأولى، بالذهاب لمراكز الاقتراع دون أن يعيقهم منع التجوّل أو غيره من المعوقات الأمنية، مما رفع من مستوى ثقة المواطن في قوات الأمن العراقية. وفي محافظة ذي قار جنوب العراق التي أنتمي إليها على سبيل المثال، خرج حوالي 61% من الناخبين المسجلين، وهي مشاركة قوية مقارنة بما يقل عن 50% خلال الانتخابات الفدرالية وانتخابات المحافظات عام 2005.
وتُظهر النتائج كذلك أن محافظات ذات أعداد كبيرة من السكان السنّة صوّتت أحياناً وبشكل غير متكافئ لصالح مرشحين من الشيعة، والعكس صحيح، الأمر الذي يقترح أن التصويت على خطوط طائفية أو دينية كان أقل في هذه الانتخابات منه في الانتخابات السابقة.
ويشكّل ذلك مؤشراً مشجّعاً ويقترح وجود تغيير في توجهات السكان نحو التصويت، حيث تحصل الأحزاب التي تترشّح على أسس تميل إلى العلمانية على أصوات أكثر مما حصلت عليه في الانتخابات السابقة. ففي محافظة ذي قار ذات الغالبية الشيعية على سبيل المثال، كان حزب "دولة القانون" الذي يقوده المالكي مع تحالف من السياسيين السنّة والمستقلين في المقدمة لفترة ما، وحصل التحالف الشيعي العراقي الوطني وتحالف العلاوي الليبرالي عبر الطوائف العراقية، على عدد لا يستهان به من الأصوات.
ويعود نجاح الانتخابات في محافظات مثل ذي قار جزئياً إلى مجموعات مثل منتدى ذي قار، وهو منظمة مجتمع مدني تنموية قامت بتوفير تواصل وامتداد وتثقيف قبل الانتخابات للناخبين في المنطقة.
وقد قام منتدى ذي قار، بالتعاون مع فريق إعادة إعمار ذي قار الإقليمي، الذي تنظّمه الحكومتان الإيطالية والأمريكية ولكن مركزه في ذي قار، بتوفير أربعين مراقب انتخابي في 75% من مراكز الاقتراع في المحافظة.
وقد ذكر منتدى ذي قار في تقرير له صدر مؤخراً أن اللجنة الانتخابية العليا المستقلة، وهي السلطة الانتخابية الوحيدة في العراق، تصرّفت بأسلوب مهني، حيث لم يحدث سوى عدد قليل من الانتهاكات تعود بالدرجة الأولى لعدم قيام ناخبين بتحديث معلوماتهم المسجّلة.
وقد قامت منظمات غير حكومية مثل منتدى ذي قار بتوفير أماكن لأفراد المجتمع المحلي، وخاصة النساء والناخبين الأقل حظاً، لمناقشة حقوقهم كمواطنين وفهمها بشكل أفضل، من خلال برامج وحملات نشر الوعي موّلتها الأمم المتحدة. وقد قامت الأمم المتحدة والمعهد الديمقراطي الوطني والفرق الأمريكية لإعادة إعمار المحافظات، التي تعمل على تمكين الحكومات المحلية للحكم بصورة أكثر فاعلية، بإرساء قواعد جهود لتشجيع مشاركة المواطنين. وما زالت هناك حاجة للمزيد من الجهد والعمل لغرس ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتستمر ورشات العمل والمؤتمرات والدورات التدريبية في كونها أدوات هامة للوصول إلى المواطنين على مستوى الجذور في العراق، إضافة إلى حملات استقطاب الرأي لإبراز التسامح والعيش المشترك السلمي.
سوف يدفع العنف المتجدّد، الذي يعتقد معظم السكان بأنه من عمل القاعدة بهدف إذكاء نيران العنف الطائفي وإفشال العملية السياسية وحكومة العراق الناشئة، سوف يدفع السياسيين العراقيين نحو التعاون على تشكيل حكومة ترتكز على إجراءات قانونية متّفق عليها.
لقد أثبت الشعب العراقي أنه يرغب بالتغيير، ويتوجب على كل من الحكومة المحلية والمجتمع الدولي أن يصغي إلى هذه الرغبة ويستفيد منها، لتمكين المجتمع المدني من دعم جهود الحكومة في تقوية حكم القانون واستقلالية النظام القضائي في العراق.
* أحمد كاظم فهد هو المدير التنفيذي لمنتدى ذي قار لتنمية المجتمع المدني
أحدث أقدم

نموذج الاتصال