المقاهي في سوريا.. من الشاي خانة إلى الفرجة البصرية والعروض المسرحية إلى الشاي خانة وتقديم المشروبات الساخنة والباردة

في بدايات القرن الماضي، وربما أبعد قليلاً في الزمن، كان المقهى أو 'الشاي خانة' وفق التسمية التركية، هو مكان تجمع الرجال في المدينة، للتسلية أولاً وتبادل الهموم والآراء ثانيا، مكاناً للتجمّع والحوار.
وفي تلك المقاهي ظهرت الأشكال الأولى للفرجة البصرية، من 'الحكواتي' إلى 'كركوز وعيواظ' ومن ثم استقبلت المقاهي أولى العروض المسرحية الوافدة من مصر وكذلك عروض 'أبو خليل القباني' قبل أن يهرب بها إلى مصر.
كما استقبلت لاحقاً وفي وقت مبكر جداً العروض السينمائية الأولى التي وصلتنا صامتة ثم العروض الناطقة.
فكان المقهى بذلك يمثل المنبر الثقافي لذلك العصر، وقناة الاتصال الأساسية قبل أن تعمر المسارح وتُبنى دور السينما، وقبل اكتشاف التلفاز ودخوله إلى بيوتنا عنوة.
فتراجع الدور الثقافي والفني للمقهى ردحاً من الزمن، إلى أن بدأت بعض المقاهي تستعيد شيئاً من وظائفها المهدورة وفعاليتها الاجتماعية الضائعة، وتحوّلت بعض مقاهي دمشق إلى منتديات للثقافة والفن بالتوازي مع لعبة تقديم المشروبات الساخنة والباردة، كما تكنت أغلب المقاهي بتسمية 'الكافيه' الغربية.
لكن الملفت للانتباه حقاً انتشار هذه الظاهرة في مدينة اللاذقية التي باتت المقاهي الثقافية من أهم معالمها، بل أخذت تتنافس فيما بينها في مجالات الفعل الثقافي والاجتماعي، رغم بعض السلبيات التي يمكن أن تظهر هنا أو هناك.
وربما يكون مشروع 'ناي آرت كافيه' هو الأنضج بين تلك التجارب، حتى غدا يدرّس كحلقة بحث في جامعة 'أكسفورد' البريطانية، تحت عنوان 'علاقة التجاري بالثقافي'، أو مصطلح 'الاستثمار في الثقافة'، خاصة وأنّ هذا المشروع فاز ضمن ثلاثة مشاريع في سورية من أصل مئات المشاريع المقدمة ضمن مسابقة 'مشروع انطلاقة' لدعم المشاريع الشبابية، وفي الناي آرت يتبادل الفنان والمصوّر 'أنس إسماعيل' مع ابنته الإعلامية 'فرح إسماعيل' إدارة هذا المشروع، هو في مستوى الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية، وهي في جانب الإدارة والتخطيط الاقتصادي.
تقول فرح في تقديم مشروعها الذي افتتح بتاريخ 27/5/2008 أنّ فكرته تكمن في جمع العمل التجاري مع العمل الثقافي، بشكل يقوم على فكرة تقريب الثقافة والفن إلى الحياة اليومية العادية، وإخراجها من أبراجها العاجية.
وأوضح لنا السيد 'أنس إسماعيل' من جهته: أنه خلال العامين المنصرمين من عمر المشروع: تمّ إنجاز أكثر من ثلاثين معرضاً تشكيلياً، ومئة وعشرين ساعة عزف موسيقي، إضافة إلى ورشتي عمل للتصوير الضوئي، وقدمنا مؤخراً عرضا مسرحيا ميلودراميا للأخوين 'ملص'، كما أننا الآن بصدد التجهيز للعرض الثاني، وسيكون عرض شارع في زقاق مغلق ضمن مدينة اللاذقية القديمة.
كما يوجد لدينا مكتبة أدبية بثلاث لغات، إضافة إلى العديد من الصحف والمجلات الدورية. والأهم من ذلك ما نقدمه من ندعم لطموحات الشباب، إذ نقيم بين كل ثلاثة معارض لفنانين محترفين، معرضاً لتجربة فنية جديدة ومتميزة في أوّل عرض لها.
وحول انتشار هذه الظاهرة في مدينة اللاذقية يقول:
توجد في مدينة اللاذقية خصوصية تاريخية، إذ صدّرت هذه المنطقة إلى العاصمة وباقي المدن السورية الكثير من المثقفين والفنانين، والمدن الساحلية تتمتع عموماً بالانفتاح الذي يشكل بيئة مناسبة لنمو ظاهرات من هذا النوع، وقد نمت الآن في اللاذقية كحاجة لسد رغبات وجموح قطاعات من جيل الشباب.
فسألناه إن كان ذلك بسبب عجز المؤسسات الرسمية عن استيعاب هذا الجيل، وبسبب من بيروقراطية هذه المؤسسات وهرمها:
فأشار إلى إن هذه المؤسسات الأهلية بين قوسين هي ليست بديلاً عن المؤسسة الرسمية، بل هي تعمل بالتوازي مع هذه المؤسسات لتؤدي دورها في انتعاش ونهضة المجتمع.
أما بالنسبة لمصطلح المقهى الثقافي، فهو يعتبره ما يزال مصطلحاً ملتبساً حتى الآن، لم تظهر ملامحه الحقيقية بعد، ولا يمكن تصنيف جميع المقاهي التي تدعي الثقافة بهذا المعنى المباشر، لأن أغلبها ما يزال مشاريع اقتصادية، بلمسات أو ومضات ثقافية إن صح التعبير.
'من وجهة نظري' يضيف أنس إسماعيل قائلاً: حتى يأخذ المقهى قيمته الثقافية عليه أن يكون منتجاً للثقافة، بمعنى أن يكون لديه منجزاً يتم إعداده وإطلاقه حتى النهاية في هذا المقهى، ولا يكفي أن يجتمع المثقفون أو الفنانون في هذا المكان حتى يصبح مقهى ً ثقافياً.
وأنا اعتقد أن جميع القائمين على هذه المقاهي هم من ذوي النوايا الحسنة والأحلام الجميلة، لكن هذا لا يكفي، لأن مشاريع كهذه تحتاج إلى الخبرة الطويلة، وإلى شبكة علاقات جيدة وإلى امتلاك أدوات ومهارات تحقيق هذا المشروع.
ويتابع: نحن في الـ'ناي أرت كافية' نعنى بالثقافة البصرية والسمعية والمسرحية فقط /تشكيل، موسيقى، مسرح/ كما نعتمد على نوع من تبادل الفعاليات الثقافية بين 'ناي أرت كافية' في اللاذقية، وبين المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، إذ أقمنا معرضين أحدهما للقصص المصورة، والآخر هو 'الحنين خلف الكونتوار'، وسيكون لدينا معرض مشترك جديد للتصوير الضوئي في أوائل أيار/ مايو القادم.
ويُذكر أن السيد أنس إسماعيل هو مسرحي قديم، عاد منذ سنوات للعمل في المسرح، وشارك كضيف شرف في إحدى حلقات الجزء الثاني من مسلسل 'ضيعة ضايعة'.
كما يعمل في مجال التصوير الضوئي، وقد أقام العديد من المعارض وورشات العمل للتصوير الضوئي في 'ناي أرت كافية' وغيرها.
ربما يكون معرض 'على قارعة المسرح' من أهم معارضه التي جمعت لقطات مسرحية أخذت بشكل تجريدي، كما أنه الآن بصدد المشاركة في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق ضمن تظاهرة أيام التصوير الضوئي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال