المبادرة كانت تاريخية في معانيها ومدلولاتها القريبة والبعيدة، وقد تمثلت في استقبال الزعيم الليبي فاعليات فلسطينيي الـ48، كي يكسر الحاجز القائم منذ النكبة مع الأرض المحتلة، وهو حاجز قال عنه إنه يفصل بين أبناء الأمة الواحدة. الحاجز انكسر، والبداية واعدة، والاستقبال الليبي تأكيد آخر على النهج الصائب الذي يقود مواقف ليبيا القومية الأصيلة في لحظة بالغة الحرج يعيشها فلسطينيو الداخل المهددون بنكبة جديدة.
جاؤوا من القدس ومن الداخل الفلسطيني الى ارض عمر المختار ليقولوا انهم في حاجة الى التواصل مع الاشقاء، من خلال ثورة الفاتح ورئيس القمة العربية قائد هذه الثورة. وقد عبروا عن هذا التوجه بثقة واضحة عندما ابلغوا العقيد القذافي ان استمرار الحصار على غزة، وتهويد القدس وتفريغها من اهلها، وزرع الحواجز حول مدن وقرى الضفة، كلها مظاهر تؤكد استمرار النكبة, وما تقوم به اسرائيل من استيطان وتهجير وطرد، مستغلة الصمت العربي الرسمي والانقسام الفلسطيني خطير جداً، ومشروع الترانسفير الجديد في حجم نكبة جديدة.
والوفد الذي وصل عبر عن تمنٍّ بالغ الوضوح يقضي بأن تقوم ليبيا، وهي اليوم على رأس القمة العربية، بقيادة عملية كسر الصمت والتواطؤ، وعملية رفع الحصار عن غزة، ووقف تهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها الأقصى. ذلك ان اسرائيل تعربد في المنطقة وتستهتر بالقرارات الدولية، بما فيها الاميركية، وتسعى الى جر الفلسطينيين، مرة اخرى، الى مفاوضات عبثية من دون جدولة ومن دون التزام بالانسحاب من الاراضي المحتلة ووقف مشاريع الاستيطان، والمطلوب في هذه اللحظة بالذات موقف عربي ضاغط وارادة عربية صلبة، لأن قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وانما قضية عربية – اسلامية – انسانية، وهي تعني الأحرار العرب بقدر ما تعني أحرار العالم كله.
المهم أن أعضاء الوفد الزائر قصد ليبيا، تلبية لدعوة الزعيم الليبي، ليقول ان فلسطينيي الداخل وحدويون ديمقراطيون، على درب عبدالناصر وكل الشرفاء العرب، وأن المواطنة العربية حقيقة يفترض العمل بها، وليضيف أيضاً ان عرب 48 يرفضون كل اشكال التطبيع والتذويب، وهم حرصاء على هويتهم الفلسطينية وهويتهم العربية في اصعب الظروف، حرصهم على التواصل العربي – العربي، والمطلوب كسر التواطؤ والحصار واسقاط مشاريع التهويد و»السلام الاقتصادي» والمؤامرات الجديدة التي يتم نسجها تحت غطاء «الدولة الفلسطينية».
ساعة تاريخية
وتحدث الزعيم الليبي فرحب بالوفد الكبير وحيا شجاعته بقدومه الى «بلده ليبيا» مؤكداً ان اللقاء مع الاخوة في الأرض المحتلة ساعة تاريخية. ومما قاله: اننا نتألم كما يتألمون للحاجز الذي يفصل بين ابناء الامة الواحدة والذي حال دون اللقاء بيننا وبينهم منذ عقود.
في كلمته الطويلة توقف القذافي عند النقاط الآتية:
- ان الفلسطينيين ساميون، والعرب ساميون، ومع ذلك تمارس الابادة ضدهم، ومن الضروري إبطال حجة ربط معاداة الاسرائيليين بمعاداة السامية، وهذه مسألة ينبغي أن يعلو صوتنا بها لإسماع العالم كله هذه الحقيقة.
- في مصلحة الاستعمار الاسرائيلي ان لا يسمع صوت عرب 48، وأن لا يكون هناك اي تواصل بينهم وبين العرب خارج فلسطين. ومبادرة استقبال فاعليات 48 في ليبيا كسرت هذا الصمت وكانت شجاعة من الطرفين، كي يبين العرب والفلسطينيون معا للعالم ان اسرائيل ليست كما تدعي دولة ديمقراطية ودولة قانون, وانما دولة همجية عسكرية.
- ان صوت عرب 48 يجب ان يسمع «اعتباراً من هذا اللقاء» في العالم العربي والعالم الاسلامي، وفي العالم كله. ونطالب العرب اولاً بأن يقاطعوا الاسرائيليين الحقيقيين، الاسرائيليين الصهاينة، لا ان يقاطعوا اخوانهم الفلسطينيين.
- ان اليهود يجب ان يعرفوا ان لا احد يحبهم في العالم، وان العرب هم الذين آووهم، وهم الذين حموهم، وانهم ما داموا قد اصبحوا اعداء للعرب ويصنعون الصواريخ النووية لابادة العرب فان هذه نهايتهم. ثم انهم بأطروحاتهم الخاصة باعتماد دولة يهودية نقية، ولغة عبرية نقية، وديانة واحدة، يورطون انفسهم امام مليون ونصف مليون فلسطيني موجودين داخل ما يسمى بـ»اسرائيل»... وحكاية الدولة اليهودية النقية مهزلة وجهل بالمستقبل، والذين ايدوا هذا القرار غرر بهم او انهم جهلة مثلهم.
- انني استغرب، قال القذافي، الطرح القائل بأن فلسطين هي أولاً وآخراً الضفة الغربية وقطاع غزة. وتساءل:
ألم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة في يد العرب منذ العام 48 تركهما اليهود ولم يمسّاهما حيث كانت الضفة الغربية تابعة للاردن، وغزة تابعة مصر، فكيف تصبح الآن فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولماذا اذًا الحروب التي كانت قبل 67؟
واكد: بهذا قد سفهونا, وشطبوا على تاريخنا وتضحياتنا، وقالوا لا يوجد مشكل بيننا وبين الاسرائيليين الا بعد 67، فماذا كنا نعمل اذًا قبل 67، هل كنا نلعب؟ ومن اجل ماذا كان آلاف الضحايا ان لم يكونوا من اجل فلسطين التي اصبحوا يقولون الآن انها التي احتلت في العام 67 وكل ما يدور الآن يدور حول اذا فلسطين احتلت في العام 67 وليس في العام 48؟
واضاف: اذًا لماذا حاربتم عام 48، وعام 56 وعام 67 وماذا نقول للناس الذين استشهدوا؟ هل نقول لهم كنا مخطئين وان اخيرا الضفة الغربية وقطاع غزة، هي فلسطين؟
وشدد القذافي مجددا على ان العرب اذا كانوا ليسوا قادرين ان يحرروا او غير قادرين ان يحاربوا فالافضل لهم ان يصمتوا لان مخجل جدا تغيير الحقائق وان يقولوا ان الابيض اسود والاسود ابيض بسبب انهم مغلوبون على امرهم. ودعا فلسطينيي الـ48 الى وجوب ان يكون صوتهم هو الصوت الاقوى، واكد لهم انه معهم وتحت تصرفهم، لان هذه رسالته ومهمته سواء كان رئيس القمة العربية او غير رئيس القمة العربية، انطلاقا من انه جندي لهذه الامة، لا يريد ان يكون امبراطورا ولا ملكا ولا زعيما، فهذه الاشياء هو رافض لها اصلا.
واضاف انه مستعد لعمل اي شيء يطلبونه منه ومهما كان، كما انه مستعد لأي شيء مطلوب منه لتقديمه للعرب خلال رئاسته للجامعة العربية.
هجمة شرسة
كيف استقبلت اسرائيل الحدث؟
الجواب هو ان الكنيست الاسرائيلي شهد هجمة شرسة على النواب العرب الذين يمثلون فلسطينيي 48، بعدما قرر اليمين الاسرائيلي المطالبة بمحاكمتهم لأنهم قاموا بزيارة ليبيا والتقوا العقيد القذافي بصفه رئيس القمة العربية.
فبناء على طلب من النائب اليميني المتطرف، ميخائيل بن آري، قررت لجنة النظام إجراء بحث الأسبوع المقبل حول سحب الحصانة البرلمانية منهم تمهيدا لمحاكمتهم. وخلال جلسة عادية للكنيست، راح نواب اليمين يقاطعون عضو الكنيست، أحمد الطيبي، رئيس كتلة «القائمة العربية الموحدة»، ومنعوه من إكمال إلقاء كلمته حتى انتهى وقته. فطلب منه رئيس الجلسة أن ينزل عن المنصة، لكنه أصر على حقه في إكمال خطابه. فاستدعى الحرس وأجبروه على النزول عن المنصة بالقوة.
وسجل المراقبون انهم منذ عادوا وهم يتعرضون للهجوم، وقال بن آري، ممثل المستوطنين المتطرفين، والنائب عن حزب اليمين المعارض «الاتحاد القومي»، إن هؤلاء الأشخاص هم «خونة طعنوا إسرائيل في ظهرها وحقروها أمام أعدائها». واعتبر هذه الزيارة بمثابة «فرصة تاريخية لسحب حصانة النواب ومنعهم من التنقل بحرية في إسرائيل وخارجها وفرض إجراءات ضدهم تسحب منهم كل الامتيازات التي يحصل عليها عضو الكنيست، وفرصة أيضا لإزالة البسمة عن محيّا كل منهم». وأضاف بن آري: «الحصانة البرلمانية ليست تصريحا للعمل ضد الدولة والتعاون مع أعدائها أمثال القذافي، الذي يعتبر كبير الإرهابيين في العالم»، وزاد قائلا: «زيارتهم تعتبر استهتارا بالدولة والجمهور والقوانين».
ورد النواب العرب بقرار مقاطعة الجلسة التي ستعقدها لجنة النظام البرلمانية خلال الأسبوع الجاري. وفسر النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، هذا القرار بالقول: «نريد أن نتركهم يتمتعون بهذه الحفلة الجنسية الشائنة، التي تظهر حقيقة أن اليمين الإسرائيلي يضم كثيرا من الفاشيين الذين تلقوا ثقافتهم في السياسة من النازية». وأضاف بركة أن النائب بن آري هذا يعارض كل شيء يقوم به النواب العرب من منطلق عنصري مريض.
وقال النائب الطيبي إن اليمين الإسرائيلي «يعاني من مرض الملاحقة. كل ما يفعله النواب العرب يخيفهم. ولكننا نعمل في إطار نشاطنا السياسي المشروع. وكممثلين للجمهور العربي الفلسطيني في إسرائيل، سنواصل التواصل مع أمتنا العربية. ولن نتأثر بهذه الهجمة العنصرية ضدنا وسنعبرها كما عبرنا سابقاتها».
وقال النائب طلب الصانع من «القائمة العربية الموحدة» (التي تضم ثلاثة أحزاب هي: الحركة الإسلامية، والحزب الديمقراطي العربي، والحركة العربية للتغيير)، وهو أيضا شارك في الوفد، إنه يستغرب من أن يحاول نواب الأحزاب الإسرائيلية - اليهودية انتقاد ومعاقبة النواب العرب على زيارة ليبيا: «فإسرائيل تقيم علاقات سرية وعلنية وتقدم السلاح والخبرات الأمنية لأسوأ الأنظمة الفاشية في العالم، فهل يحق لها الاعتراض على زيارة ليبيا التي لا يعتبرها القانون الإسرائيلي دولة معادية؟!».
وفي معلومات أخرى أن النائب الطيبي قدم شكوى الى الشرطة الاسرائيلية ضد أحد عناصر قوى الأمن في مطار بن غوريون الذي وصفه بـ”عضو الكنيست العنصري”.
وتقول صحيفة “يديعوت احرونوت” الاسرائيلية ان الطيبي وشقيقه المهندس مؤيد البالغ من العمر 40 عاما عادا من الولايات المتحدة وفور نزولهما من الطائرة وحتى قبل وصولها لنقطة فحص جوازات السفر مر الاثنان امام رجل امن كان يراقب القادمين. وفي مرحلة معينة طلب رجل الامن من شقيق احمد الطيبي ان يتوقف جانبا وان يبرز جواز سفره حينها تدخل عضو الكنيست وقال لرجل الامن هل توقف اخي فقط لانه عربي؟
فأجابه رجل الامن بان هذا “عشوائي” فرد عليه الطيبي قائلاً: انا لا احب العشوائية الموجهة للعرب لماذا لم تفحص غير مسافر عربي ان هذه عنصرية.
واضاف الطيبي ان رجل الامن رد عليه بقسوة واسمعه كلاما قاسيا فما كان منه الا ان قدم شكوى الى مدير المطار، واصفا الامر بانه تجاوز لكل الحدود.
ورداً على ما ورد قالت الناطقة بلسان سلطة الطيران المدني الاسرائيلي بانه ولأسباب لا يمكن تفصيلها تمت مطالبة شقيق الطيبي بالتعريف بنفسه، وان يبرز جواز سفره وكان يمكن لتعاون بسيط من قبله ان ينهي القصة خلال ثوان، وسنقوم بفحص الشكوى بشكل دقيق.
عمان - اسعد العزوني
التسميات
فلسطين