قوة الفكر.. التيار الدقيق لقوى الفكر أو لاهتزازاته التي تنبعث من النفس البشرية

ليست القوة بمغناطيس كامن في الجسم - إنما هو تيار دقيق للفكر - الأفكار أشياء محسوسة ، تأثيرها على نفوسنا وعلى غيرنا - كل تغيير في العمل يتطلب تغييرا في الظاهر- الأفكار تتخذ أشكالا وقت الفعل - الفكر اعظم قوة في الوجود - أقدر وأريد ولا أقدر - بالتعليم العلمي وليس بالتدليل النظري - القوة الجذابة للفكر.
يتخيل أغلب الناس أن المغنطيسية الحيوانية تيار ينبعث من الجسم فيجذب إليه كل ما يجده حول دائرته الممغنطة.
فهذا التعريف ولو أنه على إطلاقه غير صحيح ألا أنه يتضمن بذور الحقيقة.
يوجد حقيقة تيار جاذب ينبعث من الإنسان ولكنه ليس قوة مغنطيسية إذا فرض أن لمعنى المغنطيسية علاقة بينه وبين المغنطيس الحديدي أو الكهرباء.
مما لا ريب فيه أن المغنطيس الإنساني بالنظر إلى نتائجه له بعض الشبه بالمغنطيس المعدني وبالكهرباء ولكن لا توجد أية علاقة أو رابطة بينه وبينهما بالنسبة للمصدر أو للماهية.
يراد المغنطيسية الإنسانية ذلك التيار الدقيق لقوى الفكر أو لاهتزازاته التي تنبعث من النفس البشرية.
فكل فكر ولدته النفس بمثابة قوة تتفاوت درجتها بين القلة والكثرة تبعا للدافع الذي يظهر وقت نشأته.
فعندما نفكر ينبعث منا تيار أثيري أشبه بأشعة الضوء فينفذ إلى أنفس غيرنا من الأشخاص ويؤثر فيهم حتى ولو كانوا بعيدين عنا بمراحل.
التفكير القوي كشعاع مندفع نافذ.

ما الذي يحدثه بعد ذلك؟
يتغلب الفكر بقوته الدافعة على تلك المقاومة الطبيعية التي تحاولها بعض النفوس عند تصادمها بالتأثيرات الخارجية.
أما الفكر الضعيف فلا يستطيع الولوج إلى داخل حصن النفس ما لم يكن هذا الحصن مجردا من وسائل الدفاع.
والأفكار التي يتكرر إنفاذها على التوالي نحو غرض واحد تؤدي غالبا إلى إدراك هذا الغرض الذي لم يستطع فكر واحد بمفرده على الوصول إليه ولو كان أقوى من كل فكر على انفراد.
وهذا تطبيق القوانين الطبيعية على العالم النفسي وهو ظاهرة من ذلك المثل الشهير (إن في الاتحاد قوة) وليس أصدق من هذا المثل في حالتنا هذه.
إن أفكار الآخرين تؤثر علينا تأثيرا أعظم مما نتصوره.
فليست آراء الغير أو آماله التي رأيتها بل أفكاره.
 وقد أصاب أحد المؤلفين الذين عالجوا هذا الموضوع بقوله (أن الأفكار أشياء محسوسة).
أجل الأفكار أشياء قوية بذاتها فان لم نعترف بهذه الحقيقة نكون متروكين تحت رحمة قوة عظمى نجهل ماهيتها ويشك في وجودها جمهور كبير من بيئتنا.
أما إذا عرفنا ماهية تلك القوة والقوانين التي تهيمن عليها ففي إمكاننا حينئذ أن نتخذها عونا لنا ونستخدمها في أغراضنا ونخضعا لارادتنا.
كل فكر يخطر ببالنا ضعيفا كان أو قويا صالحا أو طالحا أدبيا أو غير أدبي – كل فكر يدفع تموجاته السريعة الاهتزاز فتؤثر على كل من يعاشرنا أو يقترب منا ضمن دائرة اهتزازات أفكارنا.
ولكي نتصور تلك الاهتزازات يكفي أن نلاحظ ما يحدث عندما نرمي حجرا في الماء فنرى دوائر كلما ابتعدت عن المركز كبرت وانتشرت.
ولكن عندما تنطلق فكرة بقوة متوجهة نحو غرض ما فمما لا شك فيه أن تأثير هذا القوة يكون شديدا في نقطة الهدف.
ولا تأثر أفكارنا على الآخرين فقط  بل يتناول تأثيرها ذواتنا أيضا وهذا التأثير لا يكون عرضيا بل يبقى أثره فينا وينطبق على هذا الموضوع قول التوراة (قل لي بماذا تفكر أقل لك من أنت).
لا وجود للجسم ولا نمو له لا بوجود النفس.
في استطاعتك التظاهر بالاشمئزاز والضجر وتعرف من نفسك ذلك ولكنك لا تدري ان تكرار صدور ذلك منك لا يؤثر فقط على خلقك بل وأيضا على مظهرك الخارجي وهذا أمر واقعي لا جدال فيه ولا يقبل النكران ويمكنك أن تتحققه إذا تأملت حولك.
ألم تشاهد كل يوم ان خلق الإنسان وهندامه الظاهري يدلان على مهنته؟ فبأي شيء تعلل ذلك؟ أليس بالفكر دون غيره.
إذا حدث إنك غيرت مهنتك بأخرى خلقك ومظهرك الخارجي يعتريهما تغير محسوس مماثل لمجرى أفكارك التي تغيرت بطبيعة الحال مع وظيفتك الجديدة.
وليس هذا بموجب للاستغراب أو الدهشة لأن وظيفتك الجديدة تطلبت أفكارا جديدة (والأفكار أتخذت شكلا ثابتا في أعمالك).
يجوز أن هذا الأمر لم يلفت نظرك وهو ليس بالوحيد الذي أنبهك إليه بل كل ما يحيطـك يجب أن ينال نصيبا من التفاتك وتأملك فيقوم لديك بالدليل المقنع على صحة ما ذكرته لك.
الإنسان المملوء بالأفكار الثابتة العزم . يظهر الحزم دائما في الحياة .ومن يتشبع بالأفكار المشجعة يظهر شجاعا.
الإنسان الذي يفكر: (أريد وأقدر) ينجح بينما الإنسان الضعيف الرأي يفشل.
إنك تعلم هذه الحقيقة ولكنك تسألني عن علة هذا التباين فأجاوبك أن الفكر علة ذلك.
وهذا شيء طبيعي. فالعمل هو النتيجة المنطقية للفكر.
ولكن لم ذلك يا ترى – لأنه لا توجد نتيجة أخرى ممكنة.
العمل نتيجة الفكر الطبيعية. فكر دائما بقوة . والعمل يتمم الباقي.
الفكر أعظم قوة في الوجود. فان لم تكن عرفت ذلك من قبل فانك ستعرفه قبل أن تتمم قراءة هذا الكتاب.
انك ستقول ولا ريب. أن الفكرة ليست حديثة فأنا أعرف من زمن أنه ليس من السهل أن ينجح ذو العقل المتردد بل يلزمه التصميم على العمل إذا كان ضروريا لا مندوحة له عـنه.
حسنا قلت . ولكن لماذا لا تعمل بهذا العلم ولماذا لم تجعل هذه الحقيقة تتسرب إلى نفسك وتتغلغل في شرايين جسمك.
سأقول لك سبب ذلك:
عندما طرأ على فكرك أمر قلت (لا أقدر) بدلا من أن تقول (أقدر).
أما أنا فسأجعلك تستعيض كلمة (لا أقدر) بأقدر ثم تعقبها بكلمة (أريد) وتفكر فيها بعزم وحزم.
وبذلك سأجعل إنسانا آخر بعكس ما أنت عليه الآن.
يحتمل أنك انتظرت مني أن ألقي على مسامعك خطابا عن أشياء خيالية وأملت أن تتعلم مني طريقة لا خطأ فيها تبث فيك جرعة من المغنطيس تكفى لإشعال مصباح بمجرد لمسه بطرف أناملك. أو لتجتذب نحوك أيا كان كما يجذب المغنطيس الحديد.
هذا ما لا أريده. إنما أريد تعليمك كيف توقـظ في نفسك قوة لا تذكر بجانبها قوة المغنطيس.- قوة تجعلك رجلا قوة تجعلك أن تشعر بشخصيتك وبآنيتك.
أريد وأقدر أن أطلعك على هذه القوة التي تصيرك رجلا ذا صفات ظاهرة. رجلا يؤثر على الآخرين فهي قوة تجعلك أن تنجح في كل أعمالك.
سأعلمك كيف تنمي فيك ما تدعوه بالمغنطيسية الحيوانية بشرط أن تعود نفسك على ذلك بطريقة جدية لأنها تستحق اهتمامك. وعندما تشعر بنمو هذه القوة الجديدة فيك ويدب دبيبها في نفسك لن ترغب فيما بعد في استبدالها بمال العالم جميعه.
لقـد بدأت تحس عزيمتـك أليس كذلك – هذا طبيعي لاريب فيه. لأنه لم يسبق لي أن أتكلم خمس دقائق أمام تلاميذي عن تلك الكلمات السحرية (أريد وأقدر. وأفعل) الا وتنشرح الصدور – وتشتد التنعشات. والطلبة سواء كانوا ذكورا أو أناثا ينظرون إليَّ نظرة الرجال و النساء بمعنى الكلمة.
ذلك لأن  (الفكر تجسم في العقل) انظر الى المركز الذي يدور حوله كل شيء.
ها قد بذرت البذور وبدأت تنبت.
قبل أن أختم هذا الدرس أريد أن ألفت نظرك الى خاصة مهمة للتفكير . وأريد بها قوة التفكير الجاذبة.
فآمل أن تعيرني كل انتباهك لعظم أهمية تلك القوة.
ولا ازعم ان أقص عليك المسألة من وجهة نظري أو اصطلاحي بل أذكر لك ما هو حاصل ببضعة كلمات:
تفعل الأفكار فعلا جاذبيا مستمرا على الأفكار التي تشاكلها. فالأفكار الطيبة تجتذب الطيبة. والشريرة تميل إلى الرديئة (كالطيور على أشكالها تقع)  فجميع  الأفكار من ضعف ووهن أو قوة وحزم. أو تصديق أو ريبة كلها لهذا القانون.
أفكارك أنت تجتذب إليها أفكار الغير المماثلة لها وبذلك يزداد عدد أفكارك المتماثلة.
ألعلك فهمت الآن ما أعني.
إنك إذا فكرت بالخوف فجميع الأفكار المشابهة لها تصدر ممن يلوذ بك تنجذب إليها.
وكلما تعمقت في التفكير فيها كلما تراكم عليك الخوف واشتد بك الفزع.
فكر (( لا أخاف شيئا )) تر قوى الأفكار الشجاعة التي من حولك تتوارد عليك وتعاونك.
جرب ذلك وأبعد عنك كل خوف. واعتبر بما جره هو والقلق من الرزايا والمحن وسوء المصير. أكثر من سائر عيوب الإنسانية.
الخوف والبغض هما الفكران المهمان اللذان تتولد منهما جميع الأفكار المحطمة الدنيئة – وسأشرح لك ذلك في الدرس التالي – ولكني أناشدك أن تنتزع من فكرك هذه النقيصة أي الخوف والبغض. بددهما ولا شهما لأنهما يتلفان ما يجاورانه ويتولد عنهما نقائص جمة كالقلق - والارتياب - وسوء الطوية واحتقار الذات - والغيرة - والحسد - والنميمة - وسائر الأمراض الوهمية.
إنني لا القي عليك عظة دينية ولكني أعلم أن هذه الأفكار الرديئة تقف حجر عثرة في سبيل تقدمك وانك لو فكرت فيها مليا لأدركت صدق قولي.
افتح النوافذ على رحبها ودع أشعة شمس الأفكار الجيدة الحسنة تدخل فتطرد مكروبات الشك واليأس والعثرات التي يمكن أن تجد لها مرعى خصيبا في فؤاد غير فؤادك.
لو كنت أعز صديق لي ولو كان هذا الدرس آخر ما يمكن أن ألقيه على مسامعك في هذا العالم لصرحت في أذنك بكل قواي:
لا تكن خائفا ولا مبغضا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال