دور نظرية تعادل الأسباب في تحديد العلاقة السببية في الجرائم: دراسة تطبيقية على أحكام القضاء العراقي

العلاقة السببية في الجرائم:

مقدمة:

تُعدّ العلاقة السببية بين الفعل الإجرامي والنتيجة ضرورية لإثبات مسؤولية الجاني عن الجريمة. ويثير موضوع العلاقة السببية صعوبات خاصة عندما تتداخل مع فعل الجاني أسباب أخرى تساهم في إحداث النتيجة.

1. نظرية السببية الكافية (السبب الملائم):

تُقرّ هذه النظرية بأن سلوك الجاني يُعدّ سببًا للنتيجة إذا كان صالحًا لإحداثها في ظلّ الظروف العادية. بمعنى آخر، تُميّز هذه النظرية بين العوامل المختلفة وتُقرّ بمسؤولية الجاني فقط إذا كان سلوكه هو العامل المألوف الذي أدّى إلى النتيجة.

ملاحظات على نظرية السببية الكافية:

  • واجهت هذه النظرية انتقادات لتركيزها على صفات السلوك دون التعمّق في الرابطة بينه وبين النتيجة.
  • كما أنّها تُقصي بعض العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة.
  • وتُضيّق من نطاق المسؤولية الجزائية ممّا قد يُؤدّي إلى إفلات بعض الجناة من العقاب.

2. نظرية السببية المباشرة (السبب الأقوى):

تُركّز هذه النظرية على العامل الأقوى في إحداث النتيجة، وتُهمل العوامل الأخرى.

ملاحظات على نظرية السببية المباشرة:

  • تُؤدّي هذه النظرية إلى إخلالٍ بموازين العدالة ممّا قد يُؤدّي إلى إفلات بعض الجناة من العقاب.
  • كما أنّ التمييز بين الأسباب المختلفة أمرٌ صعبٌ من الناحية العملية.
  • وتُهمل هذه النظرية دور العوامل الأخرى في إحداث النتيجة.

3. نظرية تعادل الأسباب:

تُقرّ هذه النظرية بأنّ جميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة تُعدّ متساوية في المسؤولية.

ملاحظات على نظرية تعادل الأسباب:

  • تُؤدّي هذه النظرية إلى اتّساع نطاق المسؤولية الجزائية بشكلٍ كبير.
  • كما أنّها تُساوي بين الفاعل والشريك ممّا قد يُؤدّي إلى نتائج غير منطقية.
  • وتُهمل هذه النظرية دور العوامل الخارجية التي قد تُؤثّر على سير الأحداث.

معيار العلاقة السببية في قانون العقوبات العراقي:

المادة 29 من قانون العقوبات العراقي:

تُقرّر هذه المادة مسؤولية الجاني عن النتيجة الإجرامية إذا كان سلوكه قد ساهم في إحداثها، حتى لو تداخل مع سلوكه أسباب أخرى سابقة أو معاصرة.

استثناء:

لا يُسأل الجاني عن النتيجة إذا كان سببٌ أجنبي كافٍ بحدّ ذاته لإحداثها وكان مستقلًا بفعالية سببية خاصة.

مقارنة مع قوانين عالمية:

  • قانون العقوبات المصري: يُقرّر مسؤولية الجاني عن النتيجة الإجرامية إذا ثبت أنّ لولا فعله ما حدثت النتيجة، وكان في وسعه أن يتوقعها.
  • قانون العقوبات الفرنسي: يربط القضاء الفرنسي بين العلاقة السببية والركن المعنوي من خلال معيار "استطاعة التوقع".

خاتمة:

تُعدّ العلاقة السببية مفهومًا معقدًا في القانون الجنائي، وتختلف النظريات في تحديد معيارها. ويُقرّر قانون العقوبات العراقي مسؤولية الجاني عن النتيجة إذا كان سلوكه قد ساهم في إحداثها، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الاستثناءات.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال