يبدو أنّ موجة الأفلام السينمائية التي تتناول العوالم الخفية في الكون والروحانيات تزداد يوماً بعد يوم، فلا يكاد يمر شهر إلا ونشاهد فيلماً من هذا النوع المحير للعقول، أو الراغب في أن يوصل رسالة ما مفادها أنّ ثمة عالماً أو عوالم أخرى موازية لنا، قد تتصل معنا بطريقة ما، ومنها ما هو جميل يتمنى المرء لو يذهب إليه ويتواصل معه بشكل دائم، ومنها ما هو منفر ومخيف يجعل من الإنسان عدواً له يريد السيطرة عليه أو إبادته..!
شاهدت مؤخرا مثلاً 'أفاتار'، و' ملائكة وشياطين' و' كتاب إيليا'، و' النوع الرابع' وغيرها كثير، لكن هذا الفيلم الأخير صدمني حقاً بالحقائق التي ينطوي عليها، فهو يعتمد على توثيق حقيقي بالصوت والصورة لظواهر دامغة ومحيرة في الآن نفسه، حيث تجري أحداث الفيلم في ولاية ألاسكا الامريكية الثلجية قبل عشر سنوات تقريباً، والمسألة تتعلق بأستاذ جامعي وباحث مرموق يموت بطريقة غامضة بين يدي زوجته التي تواصل بحوثه لمعرفة تلك الأحداث الغريبة التي تجري في إحدى مدن الولاية، حيث يقدم بعض الناس الذين يتم تنويمهم مغناطيسياً على الانتحار وقتل عائلاتهم، وهي تهدف إلى أن تكتشف أيضاً سرّ قتل زوجها أمامها من دون أي تفسير..!
قد يظن بعضكم من هذه المقدمة أنّ الفيلم ينتمي إلى نوعية أفلام الرعب أو الجرائم وفك ألغازها أو ربما من النوع البوليسي، لكنّه مختلف تماماً عن ذلك، فهو يتعلق بدراسة ظواهر غريبة لا تفسير لها عن وجود مخلوقات أخرى لا مرئية تتدخل في حياتنا اليومية، وكما أشرت لكم فإنه يعتمد على لقطات فيلمية توثيقية للأحداث حين وقوعها بما لا يدع مجالاً للشك في أنّ ثمة ما هو خارج نطاق سيطرتنا وفهمنا وعقلنا، ولهذا فقد دفعت الأستاذة الجامعية الباحثة ثمناً باهظاً لمحاولتها التعرف على تلك العوالم وإثباتها للناس، لا بل أنها أحضرت معها أساتذة معروفين وباحثين متخصصين ليشاهدوا جلساتها العلمية، ولكن للأسف ليست هناك إجابات شافية يمكن أن تقنع المجتمع أو رجال الشرطة. والطريف في الأمر أن كاميرات سيارة المراقبة لدورية الأمن صورت ما يشبه الصحن الطائر وهو يختطف ابنة الباحثة، وتم إغلاق الملف دون إجابة..!
يقال إن هناك نحو عشرة ملايين شخص في أنحاء العالم أدلوا بإخباريات لهم عن مشاهدة الأطباق الطائرة، وبعضهم ادعوا أنها اختطفتهم، والتسجيلات محفوظة في الدوائر الأمنية في عدة بلدان، حيث يستعرض الفيلم في نهايته بعضها، فهل يا ترى يمكن أن نكذب كل هذه التسجيلات الموثقة وندعي أن أناسها يهذون ..؟ أم الأولى أن نوفر المجال للبحث عن هذه العوالم الغامضة ومحاولة تفسيرها...!
بالنسبة لنا كعرب لا نكاد نجد من يهتم بمثل هذه الأمور، وغالباً ما يتهم من يبحث فيها بأنه يفكر في الخرافات ويشغل نفسه بالتفاهات والشعوذات، رغم أن لدينا تراثا زاخراً في هذا الاتجاه يبدو جلياً في 'ألف ليلة وليلة'، وأيضاً المدونات الشعبية الشفاهية الحافلة بكلّ ما هو غريب وعجيب، إضافة طبعا إلى ما ورد في القرآن، ومن غير المعقول أن نظل ننظر لهذه المسائل بحيادية أو إنكار، فمن المؤكد أن من يشتغل على الأبحاث الخاصة بالظواهر الخارقة أو المحيرة أو الغامضة في المنطقة العربية سيجد الكثير، وأنا أدعو من هنا إلى أن تقوم الجامعات بدورها، وأن يتخصص بعض الكتاب والباحثين بالتعمق فيها، وفي الحقيقة شهدت مصر خلال الخمسينيات والستينيات بشكل واضح نزعة إلى دراسة هذه الظواهر ونشطت الجمعيات الروحية هناك، واليوم لا تكاد إلا قلة قليلة تناقش هذه المسائل أو تبحث فيها على استحياء..!
من السهولة وصم الإنسان الذي يتحدث بمثل هذه الأمور بأنه رجعي وتفكيره ساذج ويعتمد على الخرافات وحكايات الجدات، ولكن أليس الأجدى للمنكرين اليوم أن يبحثوا بطريقتهم الخاصة ويطلعوا على تلك الجهود الضخمة التي تجري في الغرب مثلاً في هذا الاتجاه بدل التنظير المضلل والتدليس والتورية والإخفاء ودفن الرؤوس في الرمال...!
يحيى القيسي
التسميات
إبداع