أثر الإيمان بالقضاء والقدر في النفوس.. لتحدي المصاعب وتخطي العراقيل وتحمل الشدائد واجتياز المكاره

عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَُرَ،سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ نَبِيِّ اللهِ (ص) إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى، قَالَ يَزِيدُ: لاَ نَرَى، عَلَيْهِ أَثَرَ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى نَبِيِّ اللهِ (ص)، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِِسْلامِ، مَا الإِِسْلامُ؟ فَقَالَ الإِِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.

قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِِيمَانِ. قَالَ: الإِِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِِحْسَانِ، مَا الإِِحْسَانُ؟ قَالَ يَزِيدُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ.

قَالَ: فَلَبِثَ مَلِيًّا، قَالَ يَزِيدُ: ثَلاثًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ (ص): يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.[1]

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: لاَ يُؤْمِنُ الْمَرْءُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.[2]

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ (ص) يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (ص): يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَات: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ..[3]

الإيمان بالقدر هو: "التصديق واليقين القاطع بأنَّ كل شيء من خير أو شر، أو حركة أو سكوت،... إنما يقع على علم من الله تعالى ومشيئته وقدرته، وأنه تعالى الفعّال لما يريد لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلاّ عن تدبيره"[4]

ويخاطب المربي الطفل قائلاً: "وأنت يا ولدي كما يمتحنك معلموك في المدرسة لمعرفة اجتهادك في الدروس، ومقدار التفاوت بينك وبين غيرك من زملائك الطلاب، كذلك - سبحانه وتعالى - يمتحن عباده ويختبرهم، ويمتحن بعضهم بالملك والسلطان والغنى والصحة، وآخرين بالفقر والمرض والنكبات"[5]

"فعلينا كمربين أن نفهم أطفالنا مسألة القضاء والقدر على قدر ما يبلغه عقولهم.         
إننا نجلس إلى جانب أطفالنا وبكل بساطة وروية فنقول لهم: إن الإنسان في الدنيا معرض لكل أنواع المصائب والآلام ولعله يفتقر بعد غنى ويمرض بعد صحة... فماذا يصنع؟ ليس له إلا التسليم، والصبر والرضى بقضاء الله تعالى، والأخذ بالأسباب المشروعة... راجياً الثواب والأجر في الآخرة"[6]

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (22) سورة الحديد.

مَا أَصَابَكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مَصَائِبَ فِي آفَاقِ الأَرْضِ كَقَحْطٍ وَجَدْبٍ وَقِلَّةِ رِزْقٍ... وَمَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَسْقَامٍ وَنَكَبَاتٍ.. إِلاَّ وَهُوَ مَسْطُورٌ فِي أَمِّ الكِتَابِ عِنْدَ اللهِ، قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ اللهُ هَذِهِ الخَلِيقَةَ (أَوْ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ اللهُ هَذِهِ النُّفُوسَ)، وَعِلْمُ اللهِ السَّابِقُ بِمَا سَيَقَعُ مِنْ أَحْدَاثٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَإِثْبَاتُهُ فِي كِتَابٍ، هُوَ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَيهِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ.[7]

فعلى الإنسان أن يؤمن بالقضاء والقدر ويأخذ دائماً بالأسباب متوكلاً على الله طالباً منه التوفيق "وتؤكد فلسفة التربية الإسلامية، أنَّ الإيمان بالقضاء وبالقدر ليس مدعاة للتواكل، والعجز والسلبية والهروب من الواقع، بل هو في حقيقته محرك داخلي للإنسان المسلم، ليتحدى المصاعب ويتخطى العراقيل ويتحمل الشدائد ويجتاز المكاره"[8].

ويمكن أن أذكر للطفل نماذج واقعية حدثت مع أناس مثل مرض أصابهم وكيف أن هذا المرض في المستقبل كانت النتيجة الحتمية له خير لصاحبه.

أثر الإيمان بالقضاء والقدر في نفوس أولادنا:

1- عندما يعلم الطفل أن إيمان المؤمن يتجدد كلما مرت به المحن والشدائد، فهو يعلم ابتداء كثمرة لإيمانه الصادق؛ أن لله -سبحانه وتعالى- في كل صرف من الصروف إرادة، وأن الله لا يريد به إلا خيراً فهو على موعد في هذه الحياة مع أقدار الله، فإنَّ نفسه لا تضيق ولا تجزع إنما يواجه الشدائد بنفس راضية بقضاء الله وقدره "[9]

قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (51) سورة التوبة.

قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلاَءِ الذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُ المُسْلِمِينَ مِنَ المَصَائِبِ، وَتَسُوؤُهُم النِّعْمَةُ الَّتِي تُصْيبُ المُسْلِمِينَ: نَحْنُ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَمَا قَدّرَهُ لَنَا سَيَأْتِينَا، وَلَيْسَ لَهُ مَانِعٌ وَلاَ دَافِعٌ. وَنَحْنُ مُتَوَكّلُونَ عَلَى اللهِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فَلاَ نَيْأسُ عِنْدَ الشِّدَّةِ، وَلاَ نَبْطَرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ .[10]

2- "كذلك عندما يعلم أطفالنا: أن مجريات الأمور بيد الله سبحانه، وبأنه سبحانه يفعل ما يشاء ويختار، لأنه له مطلق التصرف في ملكه فإنَّ ذلك يؤدي إلى زيادة ارتباطه بخالقه وتوجهه إليه، ومن ثمَّ تعلق آماله ودعاءه ورجاءه به.

3- تحقيق التوازن والاطمئنان القلبي داخل الإنسان"[11]
عندما يشعر المؤمن أن كل ما يحصل له من خير أو شر هو خير له ولا يوجد به أي شر فهذا يشعره بالاطمئنان والاستقرار النفسي الداخلي.

"إنْ غُرس الإيمان بالقضاء والقدر في قلب الطفل وعقله، فإنه سوف يواجه مشاكله وأتعابه وهمومه بصدر رحب بقضاء الله وقدره ومن ثم يسلِّم أمره إلى الله ويعيش بعد ذلك مطمئن القلب هادئ البال"[12].

4- "من آمن بقدر الله سبحانه لا يجزع ولا يفزع ولا يسخط عند المصائب ونزول النوائب بل يستسلم لقدر الله ويحتسب عند الله الثواب ويذكر عند الصدمة الأولى قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) [البقرة:155 - 157]}.

 يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِأَنَّهُ سَيَبْلُوهُمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ بِقَليلٍ (بِشَيءٍ) مِنْ الخَوْفِ والجُوعِ، وَبِذَهَابِ بَعْضِ المَالِ، وَبِمَوتِ بَعْضِ الأَصْحَابِ وَالأَقَارِبِ وَالأَحْبَابِ، وَبِنَقْصِ غِلاَلِ المَزَارِعِ... فَمَنْ صَبَرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَحُكْمِهِ أَثَابَهُ، وَمَنْ قَنَطَ وَلَجَّ أَحَلَّ بِهِ عِقَابَهُ.

 أمَّا الصَّابِرُونَ الذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِالبُشْرَى فَهُمُ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللهِ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَةٌ صَبَرُوا، وَتَمَسَّكُوا بِقَولِهِمْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ، أَيْ إِنَّهُم عَبيدُ اللهِ وَمُلْكُهُ، وَإِنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ.

 يُثنِي اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّابِرِينَ، وَيُخْبِرُ بَأَنَّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَ أَثَرَهَا فِي بَرْدِ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ المُصِيبَةِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ المُهْتَدُونَ إِلى طَريقِ الخَيْرِ، وَإِلى الحَقِّ والصَّوابِ، وَأَنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِقَضَاءِ اللهِ فَلَمْ يَسْتَحْوِذِ الجَزَعُ عَلَيهِمْ .[13]

[1]- مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 185)(367) وصحيح مسلم- المكنز - (102).
[2]- مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 637) (6703) صحيح.
[3]- مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 753)(2669) وسنن الترمذى- المكنز - (2706) صحيح.
[4]- محمد خير، فاطمة، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ، ص -434 بواسطة د.محمد حافظ الشريد، العقدية الواضحه، ص 68-69.
[5]- سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 236.
[6]- المصدر نفسه، ص242-243.
[7]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4975).
[8]- الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة، ص125-126.
[9]- سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 249.
[10]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1287).
[11]- المصدر السابق( سهام ) ص 249.
[12]- المصدر نفسه ص 250.
[13]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 162)، وانظر التفاصيل في كتابي (الواضح في أركان الإيمان).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال