مناظرة ساخنة عن تاريخ الأحواز.. إيران شيطان العالم وفرسه ومجوسه وعجمه وتهديده للسلم والامن

في حلقة الاسبوع الماضي من برنامج 'حلقة نقاش' عرضت قناة 'المستقلة' لموضوع الأحواز في ايران فكانت كما قالت 'مناظرة ساخنة عن تاريخ الأحواز'. طرفا المناظرة كانا أكاديمي جزائري يدعى د. زيدان خوليف على احدى الجهات واثنين من زعماء المعارضة الأحوازية في الخارج على الجهة الأخرى.
وكما كل موضوع يخص ايران في المنطقة، تعددت واختلفت المواقف لحد التضاد التام، فايران تمثل لقسم من العرب 'شيطان' العالم وفرسه ومجوسه وعجمه وتهديده للسلم والامن ... وللقسم الآخر هي رمز الشموخ الاسلامي الذي يتحدى الهيمنة الامريكية والصهيونية وفيه الأمل والخلاص والمستقبل الواعد البعيد عن ذل وخنوع الحاضر العربي المهين... الكلمات الاولى للأكاديمي الجزائري كشفت أنه من الفريق الأول الذي ينتصر لايران ظالماً أو مظلوماً ولذلك فقد أبلى بلاءً حسناً في الدفاع عن سمعة ايران التي يحاول الاحواز تلطيخها ولم يدخر في سبيل ذلك جهداً ولا كلمة ولا صراخ ولا شتيمة ....
أول علامات النظام التي حاول الاكاديمي الجزائري تثبيتها منذ بداية الحلقة أن لاشيء اسمه 'الأحواز' بل هم 'الاهواز'. وفيما حاول ضيفا البرنامج الآخرين جاهدين اقناعه بأنهم عرب 'أحواز' ولدوا وعاشوا وسيموتون بهذا الاسم الذي تعجز الالسنة العجمية عن نطقه فتحرفه الى 'أهواز'، أصر الاكاديمي ذي اللسان العربي الفصيح أنهم 'الاهواز' كما يناديهم الايرانيين وأن لا دخل للعربية في هذا الشأن!
لم يكتف الاكاديمي الجزائري بذلك بل ذهب الى ما هو أبعد، فالتاريخ الذي فاخر به الضيفان الآخران على أنه برهان عروبتهم التي تحاول ايران جاهدةً طمسه بكل السبل، يراه هو خيانة وتفريطا في 'الحقوق الايرانية' ومحاولات تصب في صالح مخطط لتفكيك الجمهورية الاسلامية واخضاعها للهيمنة الغربية والامريكية. ومثلاً يفاخر الاحوازيون بأن أميرهم خزعل الكعبي كان ذا ثقل سياسي لا يستهان به وقد استنجد به مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني في العام 1924 لدرء الخطر الصهيوني فكان أن وعده خيراً ولكنه دفع ثمن موقفه العربي الاسلامي هذا لاحقاً عندما تآمرت عليه بريطانيا وأفقدته عرشه وامارته. أما الأكاديمي الجزائري فيرى أن 'الاهواز' كانوا حصان طروادة الذي استخدمته بريطانيا بل انهم كانوا عملاءً لبريطانيا ضد ايران وأنه لا توجد أرض عربية اسمها 'الاحواز' وسكانها يجاهدون في سبيل تحررهم الذاتي والامر أشبه ما يكون بالعرب المغاربة الذين يعيشون بكثافة ملحوظة على الاراضي الفرنسية. هل يحق لهم بعد أن تكاثرت أعدادهم أن يطلبوا التحرر من فرنسا. الجواب لا لأنهم عرب على أرضٍ فرنسية وهكذا هم 'الاهواز' عرب على أرضٍ ايرانية ولا يجوز لهم أن يطلبوا ما ليس من حقهم. هكذا يرى الاكاديمي الجزائري المسائل بكل بساطة.
ولكن ليست الامور على هذا النحو من البساطة لشعب يصل تعداده حسب معلومات الضيفين الاحوازيين الى نحو 10 مليون عربي، يعانون أشكال عدة من الاضطهاد والقمع والتمييز ضدهم لا لسبب الا لأنهم عرب والانكى من كل ذلك أنهم متهمون بالعمالة لصالح العرب ودول الخليج من قبل ايران وها هو أكاديمي يفترض به التعقل والارتهان للحقائق العلمية يتهمهم بالعمالة التاريخية لبريطانيا. وعندما أعيته الحيل والحجج المضادة التي ساقها الضيفان على الطرف الآخر، أخذ يلقي تهم العمالة جزافاً واتهمهما شخصياً بأنهما عميلان وكان من الحماقة بمكان أن كرر بحرقة وعصبية وتعصب اتهاماته اليهما مراراً وتكراراً خلال الحلقة.
اتهامات التخوين والعمالة لهذه الجهة أو تلك باتت من لوازم الجدال والحوار في مجتمعاتنا العربية للأسف (شأنها في ذلك شأن اتهامات التكفير)، ولذلك كان من المستغرب أن يمسك الضيفان لسانهما ولا يردان البذاءة بالبذاءة ويتهمان الاكاديمي الجزائري بالعمالة لأي من الجهات (ايران أو حتى فرنسا)! غير أن المؤسف أن نهج التخوين هذه المرة كان في يد أكاديمي حري به أن يتوخى الصدق والحيادية والنظرة العلمية للأمور خصوصاً وأن في التاريخ ما لا يمكن انكاره من حقائق حول وجودهم كأقلية في ايران تعاني الأمرين ضد التمييز والتهميش. ايران باتت تعشش في عقول فاقدي الأمل في العروبة والمتطلعين للخلاص من ذلها وحتى الاكاديميين الذين نخرت رؤوسهم تصريحات أحمدي نجاد أكثر مما فعل تقليبهم لصفحات الكتب والمرجع!
هنية ولم الشمل
حياة السيدة المتقاعدة 'هنية الاشقر' من غزة باتت رهن ورقة من موظف اسرائيلي يسمونها 'لم شمل'. ان لم تحصل عليها فسوف تفقد البصر وتتفاقم مشاكل آلام الظهر وغيرها من المشاكل الصحية الأخرى التي لا قدر الله قد تكون سبباً في تفريق شملها مع الحياة. هناك 5000 مأساة انسانية أخرى في غزة تندرج تحت عنوان 'لم الشمل' وقد أثارتها 'الجزيرة' في برنامج 'من الناس' الاسبوع الماضي.
شجون الحديث عن 'لم الشمل' لا تنضب وما مأساة السيدة هنية الا قطرة في بحر المآسي، هناك أجيال كتب عليها أن تعيش الخوف من المستقبل وأن تكابد محاولات درء مخاطره بنفسها لسنوات وسنوات. بعضهم وجد الرحمة أخيراً في اجراءات وتنسيق اسرائيلي استغرق أعواماً من العمر والبعض الآخر ما يزال عالقاً في 'نفق الانتظار' والبعض يسعى لاجتياز الأنفاق بعد أن نفذ صبره. غالبية هؤلاء من المضطرين أشد الاضطرار، كالام التي لا تقوى على فراق أطفالها الى أجلٍ غير معلوم، ما يدفعها لأن تزاحم المواشي والثلاجات والبوتوغازات والوقود والسكر والرز والأحذية ... كي تلتقي بأحبتها على الطرف الآخر من النفق. طبعاً بعد أن تدفع المبلغ المطلوب عداً ونقداً والذي يكون متوسطه 5000 دينار أردني (قبل الضرائب)!
من يأبه لهذه المآسي الآن ومن يسعى لحلها؟ الشكر للجزيرة لأنها تذكرت هؤلاء المنكوبين بشقائهم الطويل في برنامج مدته ساعة من الزمن وان كنا نعتقد أن المناسبة كانت من قبيل 'الشيء بالشيء يذكر' والمقصود أن الجزيرة تذكرت الموضوع بعد الزوبعة المشابهة التي سبقته في الضفة الغربية وتهديد اسرائيل لنحو 70 ألف فلسطيني بتشتيت شملهم عن أقربائهم لأنهم ليسوا من حملة هويات الضفة الغربية. نعم فكما أن في الضفة الغربية مآسٍ على الطريق هناك مآسٍ شبيهة منذ زمن في قطاع غزة!
انتخابات..انتخابات ..انتخابات
تنعم بريطانيا منذ نحو شهر بعرس انتخابي بهيج سينتهي بيوم زفاف الخميس القادم عندما يزف رئيس الوزراء الجديد لعشرة داوننغ ستريت. قد لا يكون الامر كذلك في عيون البريطانيين أنفسهم الذين يتمزق بعضهم حيرةً في اتخاذ قراره بالاقتراع لهذا المرشح أو ذاك، فلا يكاد يخلو برنامج انتخابي لأي مرشح من مزايا لا تحتسب لغيره أما المناظرات بين مرشحي الاحزاب الثلاثة الرئيسية فقد زادتهم حيرة على حيرة.
لسنا في معرض الحديث هنا عن البرامج الانتخابية والمرشح الاجدر بالانتخاب ولا ما يتوجب على العرب البريطانيين اختياره ويكفينا حديث العرس الانتخابي نفسه والمناظرات الثلاث التي شهدها هذا العرس. يقال ان التقليد أمريكي يجري العمل به للمرة الأولى في بريطانيا ومع ذلك فقد كان مستوى الحرفية والمهنية والتفاني في تجربة المرة الأولى هذه عالياً الى الحد الذي يأخذ الألباب ويحير العقول. الأمر كذلك سواء بحديث المطلق أو بالمقارنة مع حالنا العربي، فقد كانت هناك انتخابات قريبة مثلاً في السودان والعراق ولكن الأجواء كانت مختلفة تماماً.
ورب قائل بأن لهذين القطرين العربيين ظروفهما الاستثنائية والامل ربما في دولٍ أخبر وأكثر استقراراً ... كمصر مثلاً التي تشيع فيها أنباء الانتخابات الموعودة والتحضير غير الرسمي لها منذ زمن. هل يكتب لنا اذن أن نشهد هذه الانتخابات مع تقليد المناظرات هذا حيث يقف الرئيس مبارك (أو وريثه) والدكتور محمد البرادعي ومرشح ثالث وربما رابع أو عاشر كلهم صف واحد لا يتكلمون الا بما يغري الناخب المصري بانتخاب هذا دون ذاك؟ ليس في المدى المنظور يقول بعضكم ربما ولكن الى أن يحين هذا الحدث عربياً، دعونا نستمتع بمناظرات البريطانيين والأمريكيين ونكحل أعيننا برؤية مرشحيهم خطاباً لود الناخبين كتلاميذ نجباء حفظوا دروسهم جيداً وجاءوا ليبرهنوا على قدراتهم أما مختبريهم: الشعب وصناديق اقتراعه!
هيام حسان
كاتبة من أسرة 'القدس العربي' 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال