إن عملية التربية في مرحلة المراهقة ليست خاصة بالقيم بل هي مشتركة بين الأبوين و الشارع والإدارة إلى جانب المدرس ولهذا المطلوب هو أن تكون العملية مبنية على التنسيق بين كل هؤلاء حتى لا تقع تهميشها لأنها مهمة صعبة في مرحلة دقيقة حيث أن المراهق لم يعد ذلك الطفل الذي يقبل ويقلد بسهولة ولهذا فتأطير المراهق يجب أن يكون مبني على أسس علمية موضوعية تهدف إلى بناء جيل المستقبل الذي تنتظره البلاد يقول علماء النفس في هذا المجال " أن المهمة التربوية في سن المراهقة تتمثل في تكوين سلوك حياتي يصبح أكثر استقلالا و أكبر قيمة للمجتمع"
لهذا علينا كمربين أن نجابه ظواهر عديدة لانعدام الاستقرار الانفعالي في هذه المرحلة من الحياة غاضين النظر عن تأخير الطور في التسارع والتأثيرات التي تقلب التعايش , وهنا تمكن الأهمية العظمى لشخصية المربي وعلاقته الطيبة مع كل تلميذ في تكوين الوعي والنضج لديه.
ما هو المطلوب من المربي:
للمربي دورا كبير في تحديد وجهة التلميذ فهو أقرب إليه من الأب ومن العائلة لذا يجب عليه أن يجعل منه شخصا متوازنا مع نفسه ومع غيره يوجهه نحو الاستقلال التربوي فيجعل التلميذ يدرك بنفسه قيمة مجازاته عن طريق التقدير المحايد ويصحح له الأفكار الخاطئة بعد اكتشافها و أن يوجهه نحو تثقيف الذات وهذا يكون بتحريضه علىالفاعلية والنشاط مثل المطالعة , والرحلات, والحوار السليم وغير ذلك.كذلك يوجهه إلى طريقة التعامل الصحيح والتكيف السليم مع محيطه وبيئته يقول بوفيه " أن الحياة لا يمكن تعريفها إذا أهملنا قدرة الكائن الحي على تلبية دواعي البيئة لأن الحياة تنطوي على التلبية ورد الفعل وهذا هو النشاط والحركية والفاعلية".
إن توجيه المراهق لا يكون بأسلوب عمودي بل بأسلوب أفقي مع مراعاة الأسس العمودية المجردة فإصلاح الخطأ لا يكون بالخطأ بل بالصواب .إذا التعامل مع ثورة لا يكون بالثورة يعني إذا كان المراهق متحديا فلا نجابهه بالتحدي بل حكمة المربي في امتصاص ثورته وتحديه فمثلا إذا ظهر لنا تلميذ غير منضبط وله عقدة نفسية مثل عدم الوقوف في الصف أمام الفصل فلا نصب كل غضبنا نحوه ولا نعنفه بل نفهم أن ذلك هو محاولة منه لإبراز الذات أمام الغير ,إذا دور المربي هو كيفية تهميش العملية بكل لباقة مع ابتسامة ثم الحوار معه في فرصة ثانية لإقناعه بأن الوقوف في الصف ما هو إلا طريقة معروفة في كل العالم الهدف منها هو انضباط واحترام النفس والغير ,كذلك ربما البعض من المراهقين يشمئزون من الوقوف لتحية العلم صباحا فيتظاهرون بالتأخير , وهنا مهمة المربي ليست مجابهة بالعقاب أو تأويل العملية إلى أهداف أخرى بل كذلك جمع هؤلاء التلاميذ ومحاورتهم مبرزين قيمة العلم باعتباره رمز الوطن والوطن هو حاضنا وهو حياتنا ومستقبلنا وثقافتنا, لكن إذا ظهر لنا البعض ممن لا يهضمون هذا النوّع من الحوار والتعامل ووصلوا في تعنتهم ورفضهم للانضباط القانوني واستنفذنا معهم كل الطرق التربوية فلا يعني أننا نقف حائرين بل نلتجئ آنذاك للزجر والعقاب دون تشفي ودون اعتبار أننا نحكم على مجرم بل كذلك عقابه مع الحوار معه وإقناعه بالعقوبة ولماذا استحقها مع الأمل في عدم الرجوع إليها , أما عن المتناقضات الموجودة في أساليب الحياة بين الأجيال فحتى وإن وجدت وشعر بها المراهق فإن مهمتنا إزاء هذه الظاهرة تبقي بارزة ويجب أن تكون كذلك وعلينا ومن خلال حكمتنا أن لا نترك له فرصة للإحساس بأي فراغ وبأي ثغرة بين جيل وآخر وذلك بمحاولة التعامل اللين معه والإقناع بان الأجيال وتعاقبها ما هي إلا علاقة جدلية اجتماعية طبيعية الهدف منها مواصلة أعمار الكون بأكثر ما يمكن من الأشخاص وليس للتناحر وما التغيير الذي يقع بين الأجيال في نمط الحياة ماهو إلا عملية تطوّر عادية نتيجة للتحوّلات التكنولوجية والعلمية ونبين له أن كل ذلك زائل ومتغيّر لكن الأخلاق والضمير والحب والتفاني والتعاطف بين البشر هو وحده الباقي.
وفي الختام يمكن القول بأن المراهق حتى وإن أصبح غير قابل للتلقين والأخذ بآراء الغير فإن تقربنا منه وإعطائه الثقة في النفس مع محاولة أبعاده وتجريده كليا من الكراهية والغيرة والتمركز حول الذات والحقد كل هذا يساعده على أن يكون شخصا متوازنا ولو نسبيا يجب أن يعي بأنه يعيش بوسط آمن لا نترك الفرصة في التفكير بأن الكل في كفة وهو وحده في كفة ثانية مستهدفة للأخطاء والحساب , بل يجب أن نشعره بأنه منا وإلينا أي هو نحن و نحن هو وفي كلمة واحدة التعامل مع المراهق في الظروف التي يعيشها لا تكون أبدا بالقوة بل كما قلنا الحوار والصداقة أي علينا كمربين أن نتفهم جيدا الوضع المعقد والصعب الذي يعيشه المراهق.
التسميات
مراهقة