أنظمة تصنيف الأورام الخبيثة ومدى تماثل الخلايا السرطانية مع الخلايا الطبيعية والكـمّ السرطاني الموجود بالجسم ومواضع تركزه ورقعة انتشاره

 يتم تصنيف الأورام من خلال استخلاص جانبين من المعلومات حولها، يتركز الجانب الأول في مدى تماثل الخلايا السرطانية مع الخلايا الطبيعية، ويسمى بتصنيف درجة الورم (Grading)، و يتمثل الجانب الثاني في مدى الكـمّ السرطاني الموجود بالجسم ومواضع تركزه ورقعة انتشاره، ويسمى بالتصنيف المرحلي للأورام (staging).
و تُعد أنظمة تصنيف الأورام من الأركان المهمة في تخطيط المعالجات، حيث تعطي فكرة واضحة عن نمط السلوك الحيوي المتوقع للخلايا السرطانية، وتقدير مدى استجابتها للمعالجات وموازنة العائد العلاجي بين الخطط العلاجية، الأمر الذي يضمن ترتيب الخطة العلاجية الفعالة وبأفضل مردود علاجي ممكن، ومن هنا يستخدم الأطباء تعبير التكهن بالمردود العلاجي المتوقع (prognosis)، أي التكهن بمدى استجابة الورم للمعالجات واستشراف الدلائل حول السلوك الممكن للسرطان وفرص الشفاء لدى المريض، لتلخيص معطيات تصنيف الورم.
ويعتمد تقدير الحالة على عدة عوامل، أهمها بطبيعة الحال نوع السرطان وتصنيفه المرحلي ودرجته، إضافة إلى عمر المريض وحالته الصحية العامة وفاعلية المعالجات.
وبهذا الصدد من المفيد أن نتوقف قليلا عند هذا التعبير، أي التكهن بالمردود العلاجي المتوقع، حيث يلزم أن نفصل بين المعنى الذي يقصده الأطباء، والمعنى الذي يفهمه المرضى أو الأهالي، أي بمعنى آخر الفصل بين مغزى التكهن والتقدير عند الطرفين، وما يستخلصه كليهما من معطيات حول المردود المتوقع، فحين يناقش الأطباء معطيات التكهن العلاجي عند المريض، فهم يحاولون تصور ما الذي يمكن أن يحدث من تطورات خلال المعالجة وبالتالي ترتيب الخطة العلاجية الملائمة والشاملة والتحسب للاحتمالات منذ البداية، ويصفون عادة معطيات التكهن بأنها مواتية أو واعدة (Favorable prognosis)، حيث من المتوقع أن يستجيب الورم للعلاجات بشكل جيد جدا، أو غير مواتية أو غير واعدة (unfavorable prognosis)، حين يرون أن الورم من النوع الذي تصعب السيطرة عليه.
ويتم التصرف بترتيب الخطة العلاجية بناءا على هذه المعطيات، والواقع أن الأمر يتعدى مجرد التكهن بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو تصور مبني على أساس متين من المعطيات الواضحة المستخلصة من مختلف الفحوصـات و التحاليل، وعلى ذلك يمكننا القول أن الأمر بالنسبة إليهم هو عمل حرفي خالص، يضع في الحسبان الأوجه التي يمكن للسرطان سلوكها و ردود فعله المحتملة تجاه المعالجات، ومعطيات محددة يتم استخدامها لوضع خطة لمواجهته، فمثلا حين يكون الورم من الدرجة العليا ومنتقل إلى مواضع أخرى غير موضع نشوئه الأصلي، يلزم إتباع خطة علاجية قياسية ومكثفة تتكون من عدة علاجات قدمت معدلات شفاء قياسية عند الحالات المشابهة.
وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن نفس التطورات ستظهر بالضبط عند المريض موضوع المعالجة، فلا يوجد مريضان بالسرطان يتماثلان في كل شيء و إن كان التشخيص واحدا.
بينما عند المرضى و أهاليهم فالتكهن بالمردود العلاجي المتوقع هو مؤشر على مدى خطورة المرض، ويندرج ضمن مؤشرات أخرى، مثل الإحصائيات الطبية حول معدلات الشفاء، بغرض تكوين فكرة عن فرص الشفاء الممكنة واستقراء مستقبل المريض، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك على طريقة تعاملهم مع الوضع ككل.
ولعلنا نوضح الفكرة أكثر لو تمثلنا الأمر كرحلة بحرية، فنحن بالتأكيد سنبحر وحسب حالة الطقس ومعلوماتنا حول البحر، سنستخدم محركا واحدا بالسفينة أو محركين أو قد نضيف أشرعة فـوق ذلك، وسنتحسب لكل التطورات الممكنة وسنراقب كل شيء طوال الوقت، ولكن هل سنصل بالتأكيد إلى وجهتنا كما وصل غيرنا من قبل، الأطباء لا يستخدمون مؤشرات المرض ومعطيات التكهن للإجابة عن هذا السؤال، وإنما للتخطيط لرحلة الإبحار بكل الإمكانيات المتوفرة وبأقصى درجة من الاستعداد، بينما عند الأهالي فالتكهن هو جزء من عدة معطيات تسعى لإيجاد إجابة محددة، وسنتحدث في فقرة معدلات الشفاء حول هذه المسألة بتوسع أكثر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال