القلب المسكين.. لمسة يد الرجل ليد المرأة الجميلة نوع مخفف من التقبيل ويحرم السفور على النساء إلا العجائز والذميمات

وأما هو فحدثني بهذا الحديث العجيب من لطائف إلهامه وفنه، قال: انصرفت إلى داري وقد عز عليَّ أن يكون هذا منها وأن يكون هذا مني، وهي إن غابت أو حضرت فإنها لي كالشمس للدنيا: لا تظلم الدنيا في ناحية إلا من أنها تضيء في ناحية؛ فظلمتها من عمل نورها؛ وكانت ليلتي فارغة من النوم فبت أتململ، وجعل القلب يدق في جنبي كأنه آلة في ساعة لا قلب إنسان؛ وكان في الدنيا من حولي صمت كصمت الذي سكت بعد خطبة طويلة، وفي أنا صمت آخر كصمت الذي سكت بعد سؤال لا جواب عليه؛ وكان الهواء راكدًا كالسكران الذي انطرح من ثقله السكر بعد أن هذى طويلًا وعربد؛ والوجود كله يبدو كالمختنق؛ لأن معنى الاختناق في قلبي وأفكاري؛ ونظرت نظرة في النجوم فإذا هي تتغور نجمًا بعد نجم، كأن معنى الرحيل انتشر في الأرض والسماء إذ رحلت الحبيبة؛ وكأن كل وجه مضيء يقول لي كلمة: لا تنتظر!
فلما عسعس الليل رميت بنفسي فنمت والعقل يقظان، وصنعت الأحلام ما تصنع، فرأيتها هي في تلك الشفوف التي ظهرت فيها عروسًا؛ وما أعجب كبرياء المرأة المحبوبة! إنها لتبدو لعيني محبها كالعارية وراء ستر رقيق يشف عنها كالضوء، ثم تدل بنفسها أن ترفع هذا الستر، فإن لم يتجرأ هو لم تتجرأ هي؛ وكأنها تقول له: قد رفعته بطريقتي فارفعه أنت بطريقتك..
وكانت مصورة في الحلم تصويرًا آخر؛ فلا ينسكب من جسمها معنى الحسن الذي أتأمله وأعقله، ولكن معنى السكر الذي يترك المرء بلا عقل؛ ولم تكن غلائلها عليها كالثياب على المرأة، ولكنها ظهرت لي كاللون على الوردة الزاهية: تظهر فتنة وتتم فتنة.
أيتها الأحلام، ماذا تبدعين إلا مخلوقات الدم الإنساني، ماذا تبدعين؟
قلت: يا صديقي دع الآن هذه الفلسفة وخذ في قص ما رأيت، ثم ماذا بعد الوردة ولون الوردة؟
قال: إنه القلب المسكين دائمًا، إنه القلب المسكين، لقد ضحكت لي وقالت: ها أنذا قد جئت! وأقبلت ترائيني بوجهها، وتتغزل بعينيها، وتتنهد بصدرها، وألقت يديها في يدي، فأحسست اليدين تتعانقان ولا تتصافحان؛ ثم تركناهما نائمتين إحداهما على الأخرى، وسكتنا هنيهة وقد خيل إلينا أننا إذا تكلمنا استيقظت يدانا!
أما صافحتك امرأة تحبها وتحبك؟ أما أحسست بيدها قد نامت في يدك ولو لحظة؟ أما رأيت بعينيك نعاس يدها وهو ينتقل إلى عينيها فإذا هما فاترتان ذابلتان، وتحت أجفانهما حلم قصير؟
قلت: يا صديقي دع الفلسفة؛ ثم كان ماذا بعد أن نامت يد على يد؟
قال: ثم كانت سخرية من الشيطان أقبح سخرية قط.
قلت: حسبي لكأنك شرحت لي ما بقي..
فضحك طويلًا، وقال: إن الشيطان يسخر الآن منك أيضًا، وكأني به يقول لك: وكان ما كان مما لست أذكره.. أفتدري ما الذي كان وما بقية الخبر؟
لقد كنت مولعًا بامتحان قوتي في الضغط بيدي على أعواد منصوبة من الحديد، أو على أيدي الأقوياء إذا سلمت عليهم1؛ فلما صافحتني لبثت مدة من الزمن ثم شددت على يدها قليلًا قليلًا، فتنبهت في هذه العادة، فمسخت الحلم وانصرف وهمي إلى أقبح صورة وأشنعها وأبعدها مما أنا فيه من الحب ولذات الحب؛ فإذا بإزائي وجه، وجه من؟ وجه مصارع ألماني كنت أعرفه من عشرين سنة وأضغط على يده..
قلت: إنما هذه كبرياؤك أو عفتك تنبهت في تلك الشدة من يدك، ولا يزال أمرك عجيبًا؛ فهل معك أنت ملائكة ومع الناس شياطين؟
قال: والذي هو أعجب أني رأيت في أضغاث أحلامي كأن قلبي المسكين يخاصمني وأخاصمه؛ وقد خرج من أحناء الضلوع كأنه مخلوق من الظل يرى ولا يرى إذ لا شكل له؛ وسبني وسببته، وقلت له وقال لي، وتغالظنا كأننا عدوان؛ فهو يرى أني أنا أمنعه لذاته، وأرى أنه هو يمنعني، وأنه أشفى بي على ما أشفى؛ وقلت له فيما قلت: لا قرار على جنايتك، فاذهب عني ولا تتسم باسمي فإنه لا فلان لك* بعد اليوم؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن لمسة يد الرجل ليد المرأة الجميلة نوع مخفف من التقبيل، فإذا هي تركته يرتفع في الدم انتهى يومًا إلى تقبيل فمه لفمها؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن هذا الضم بين اليدين نوع مخفف من العناق، فإذا هي تركته يشتد في الدم انتهى يومًا إلى ضم الصدر للصدر؛ ولكنك مخذول في الحب، ولكنك مخذول!.
وقال لي فيما قال: وأنت أيها الخائب؟ أما علمت أن أناملها الرخصة هي أناملها، لا أعوادك من الحديد؟ فكيف شددت عليها ويحك تلك الشدة التي أخرجت لك وجه المصارع؟ ولكنك خائب في الحب، ولكنك خائب!
قلت: فهذه قضية بيني وبينك أيها القلب العدو؛ لقد تركتني من الهموم كالشجرة المنخربة قد بليت وصارت فيها التخاريب؛ فلا حياتها بالحياة ولا موتها بالموت، وكم علقتني بفاتنة بعد فاتنة لا عنها إقصار ينتهي ولا فيها مطمع يبتدئ؛ ما أنت فيّ إلا وحش أكبر لذته لطع الدم!
واستدار الحلم فلم ألبث أن رأيتني في محكمة الجنايات، وكأني شكوت قلبي إليها فهو جالس في القفص الحديدي بين المجرمين ينتظر ما ينتظرون من الفصل في أمرهم؛ وقد ارتفع المستشارون الثلاثة إلى منصة الحكم، وجلس النائب العام في مجلسه يتولى إقامة الدعوى وبين يديه أوراقه ينظر فيها، ورأيت منها غلافًا كتب على ظاهره: قضية القلب المسكين.
وتكلم رئيس المحكمة أول من تكلم فقال: ليس في قضية القلب محامٍ، فابغوه من يدافع عنه؛ ثم التفت إليه وقال: من عسى تختار للدفاع عنك؟
قال القلب: أوَهنا موضع للاختيار يا حضرة الرئيس؟ إنه ليس تحت هذه -وأومأ إلى السماء- ولا فوق هذه -وأومأ إلى الأرض- إلا...
فبدر النائب العام وقال: إلا الحبيبة؟ أكذلك؟ غير أنها أستاذة في الرقص لا في القانون!
- القلب: ولكنني لا أختار غيرها محكومًا لي أو محكومًا علي؛ أنا أريد أن أنظر فيها وانظروا أنتم في القضية..
- الرئيس: فليكن؛ فهذه جريمة عواطف إيذن لها أيها الآذن.
فنادى المحضر*: الأستاذة! الأستاذة!
وجاءت مبادرة، ودخلت تمشي مشيتها وقد افتر ثغرها عن النور الذي يسطع في النفس؛ وأومضت بوجهها يمينًا وشمالًا، فصرف الناس جميعًا أبصارهم إليها وقد نظروا إلى فتنة من الفتن؛ وثارت في كل قلب نزعة، وغلبت الحقيقة البشرية فانتقضت طباع الموجودين في قاعة الجلسة، وأبطل قانون جمالها قانون المحكمة، فوقعت الضجة وعلت الأصوات واختلطت؛ وترددت بين جدران المكان صدى في صدى كأن الجدران تتكلم مع المتكلمين.
أصوات أصوات: سبحان الله! سبحان الله! تبارك الله! تبارك الله! آه آه! آه آه! وسمع صوت يقول: اتهموني أنا أيضًا.. فنفرت الكلمات: وأنا، وأنا، وأنا! واختفت المحكمة وانبعث المسرح بدخول فاتنته الراقصة؛ وكان المستشارون والنائب العام في أعين الناس كأنهم صور معلقة على الحائط؛ لا يخشاها أحد أن تنظر إلى ما يصنع!
فصاح الرئيس: هنا المحكمة! هنا المحكمة! سبحان الله.. المحكمة المحكمة!
-النائب العام: هذا بدء لا ترضاه النيابة ولا تقبل أن تنسحب عليه، نعم إن هذا الوجه الجميل أبرع محام في هذه القضية، ونعم إن جسمها.. آه ماذا؟ إنكم تأتون بالشهوة الغالبة القاهرة لتدافع عن المشتهي.. عن المتهم، هذا وضع كوضع العذر إلى جانب الذنب، وكأنكم يا حضرات المستشارين..
فبدرت المحامية تقول في نغمة دلال وفتور: وكأنكم يا حضرات المستشارين قد نسيتم أن النائب العام له قلب أيضًا...
واشتد ذلك على النائب، وتبين الغضب في وجهه؛ فقال: يا حضرة الرئيس..
-الرئيس مبتسمًا: واحدة بواحدة، وأرجو ألا تكون لها ثانية، ومعنى هذا كما هو ظاهر ألا تكون لها ثالثة.. "ضحك".
---------------
* هو الموظف الذي يكون في الجلسة للنداء على الخصوم.
قال صاحب القلب المسكين: وكنت بلا قلب.. فلم ألتفت للجمال، بل راعني ذكاء المحامية ونفاذها وحسن اهتدائها إلى الحجة في أول ضرباتها، وتعجبت من ذلك أشد التعجب، وأيقنت أن النائب العام سيقع في لسانها، لا كما يقع مثله في لسان المحامي القدير، ولكن كما يقع زوج في لسان زوجة معشوقة متدللة تجادله بحجج كثيرة بعضها الكلام.. وقلت في نفسي: يا رحمة الله لا تجعلي من النساء الجميلات الفاتنات محاميات في هذه المحاكم، فلو ألبسوهن لحى مستعارة لكان الصوت الرخيم وحده من تلك الأفواه الجميلة العذبة، نداء قانونيًّا للقبلات..
ونهضت المحامية العجيبة فسلطت عينيها الساحرتين على النائب، ثم قالت تخاطب المحكمة: قبل النظر في هذه القضية قضية الحب والجمال، قضية قلبي المسكين.. أريد أن أتعرف الرأي القانوني في اعتبار الجريمة. أهي شخصية، فتقصر على صاحبها؛ أو خاصة، فتضر غير جانبها، أو عامة، فيتناولها العموم المحدود لمن تجمعهم جامعة الحب؛ أو هي أعم، فيتناولها العموم المطلق للهيئة الاجتماعية؛ ما هي جريمة قلبي؟
-الرئيس: ما رأي النيابة؟
النائب "ضاحكًا": "غزالتها رايقة" كما يقول الراقصات والممثلات.. أرى أنها جريمة آتية من ضرب الخاص في العام.. "ضحك".
المحامية: جواب كجواب القائل: حب أبي بكر؛ كان ذلك الرجل يحب زوجته الجميلة ويخافها، وكانت تقسو عليه قسوة عظيمة وتغلظ له الكلام، وهو يفرق منها ولا يخالفها؛ فرآها يومًا وقد طابت نفسها، فأراد أن ينتهز الفرصة ويشكو قسوتها؛ فقال: يا فلانة قد -والله- أحرق قلبي .. ولم تدعه يتم الكلمة، فحددت نظرها إليه وقطبت وجهها وقالت: أحرق قلبك ماذا؟ فخاف ولم يقدر أن يقول لها سوء أخلاقك. فقال؛ حب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. "ضحك"، ورنت ضحكة المحامية فاضطربت لها القلوب، ووقعت في كل دم، وفي دم النائب أيضًا؛ فانخزل ولم يزد على أن يقول: أحتج من كل قلبي..
الرئيس: لندخل في الموضوع ولتكن المرافعة مطلقة؛ فإن الحدود في جرائم القلب تسدل وترفع كهذه الستائر في مسرح التمثيل. وعشرون ستارة قد تكون كلها لرواية واحدة.
- النائب العام: يا حضرات المستشارين، لا يطول اتهامي؛ فإن هذا القلب هو نفسه تهمة متكلمة.
المحامية: ولكنه قلب.
النائب: وأنا يا سيدتي لم أحرف الكلمة ولم أقل إنه كلب. "ضحك"، وتضرج وجه المحامية وخجلت*.
- الرئيس: الموضوع الموضوع.
- النائب: يا حضرات المستشارين، إن ألم هذه الجريمة إما أن يكون في شخص الجاني أو ماله، أو صفته كأن يكون زوجًا مثلًا، أو صيته الأدبي؛ فإما الشخص فهذا ظاهر، وأما المال فنعم إن القلب المسكين قرار لنفسه ولصاحبه ألا يبتاع أبدًا تذكرة دخول إلى جهنم.. "ضحك".
- المحامية: أستميح النائب عذرًا إذا أنا.. إذا أنا فهمت من هذا التعبير أن حضرته يعرف على الأقل أين تباع هذه "التذاكر".. "ضحك" وتفرج وجه النائب العام وخجل.
- الرئيس: كنت رجوت ألا تكون للأولى ثانية، وقلت: إن معنى هذا كما هو ظاهر ألا يكون لها ثالثة؛ فهل أنا محتاج إلى القول بأن المعنى المنطقي ألا يكون للثالثة رابعة؟
- النائب: يا حضرات المستشارين، وأما الصفة، فهذا القلب المسكين قلب رجل متزوج؛ ولا تغرنكم صوفية هذا القلب، ولا يخدعنكم تألهه وزعمه السمو. إنه على كل حال يعشق راقصة، وهذا اعتداء في ضمنه اعتداء، على الزواج وعلى الشرف؛ وهبوه متصوفًا متألهًا ولم يتصل بالراقصة، فهو على كل حال قد أخذها واتخذها ولكن بأسلوبه الخاص.. وبهذا اقترف الجريمة؛ آه! إن هذه القضية ناقصة؛ وذلك نقص فيها أخشى أن يكون نقصًا في الحكم أيضًا، فأتموه أنتم. يا حضرات المستشارين، إن النقص فيها أنها لا شهود فيها؛ ولكن هذا عمل إلهي لا يظهر إلا يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
---------------
* إذا كان كلبًا فهو يتبع كلبة.. وهذه هي غمزة النائب للمحامية، ولا ينس القراء أن المحكمة في الرؤيا؛ وفي الرؤيا علمنا أن هذا النائب كأكثر شبان العصر في هذه المدنية الفاسدة، لا يتزوجون؛ لأن المدنية جعلتهم بين الفتيان "أنصاف متزوجين" على وزن "أنصاف عذارى" بين الفتيات.. وفي الرؤيا علمنا أنه يخادن راقصة، ويقال ممثلة -بينها وبين صاحب القلب المسكين منافسة ...
-المحامية: هذا تعبير أكبر من قدرة قائله ومن منزلته ووظيفته، هذا تعبير جسور! يا حضرة النائب، من الذي لا يحمل شهودًا في لسانه ويديه ورجليه، بل ألف شاهد على ليلة واحدة.. يجب أن يكون مفهومًا بيننا يا حضرة النائب أن النون والباء في لفظة "نائب" غير النون والباء في لفظة "نبي".
-النائب: يا حضرات المستشارين، لا أرى مما يحرجني في الاتهام أن أصرح لكم أن مما حيرني في هذه الجريمة أن ليس فيها من أوصاف الجرائم إلا ثلم الكرامة، فلا قذف ولا سب ولا هتك عرض ولا فجور، ولا أصغر من ذلك، ولا كأس خمر للراقصة..
-المحامية: لا أرى أمام حضرة النائب كأس ماء، وسيجف حلقه في هذه القضية؛ فلعل المحكمة تأمر لي بكأس.. "ضحك".
-النائب: يا حضرات المستشارين، يعشق راقصة؛ اسم فاعل من رقص يرقص؛ امرأة لا تلبس ثيابًا، بل عريًا في شكل ثياب.. امرأة لا كالنساء، كذبها هو صدق من شفتيها؛ لماذا؟ لأنهما حمراوان رقيقتان عذبتان محبوبتان مطلوبتان..
المحامية: تضحك..
- النائب "بعد أن تتعتع": امرأة لا كالنساء، جعلتها الحرفة امرأة في العمل، ورجلًا في الكسب..
-المحامية: ولكنك لا تدري أي حمل سقطت* المسكينة، وقد يكون في الرذائل رذائل كبعض أصحاب الألقاب: ذات عظمة..
-النائب: يحب راقصة أي يضعها في عقله الباطن ويشتهيها؛ نعم يشتهيها، فمن عقله الباطن، وبتعبير اللغة، من واعيته -تخرج الجريمة أو على الأقل، فكرة الجريمة.
والصيت الأدبي يا حضرات المستشارين؟ هل من كرامة لمن يعشق راقصة؟ لا بل هل من كرامة في الحب؟ ألم يقولوا: إن كرامة الرجل تكون تحت قدمي المرأة المعشوقة كالممسحة الخشنة تمسح فيها نعليها!
الحب؟ ما هو الحب؟ إنه ليس فكرة، بل هو شيطان يتلبس لجسم العاشق؛ ليعمل أعماله بأداة حية، وهذا التركيب الحيواني للإنسان هو الذي يهيئ من الحب مداخل ومخارج للشياطين في جسمه؛ وهل رضي صاحب القلب المسكين بجناية قلبه عليه، وعظيم ما انتهك من أخلاقه السامية؟ هل رضي عشقه راقصة؟ إن لم يرضَ الرضى الصحيح، أو رضي بقدر ما؛ فعلى كليهما يقوم في نفسه مانع؛ والمانع من الرضى هو الموجب للعقوبة.
-المحامية: ولكن قدرا من الرضى ينزل بالجناية فيردها إلى جنحة كما في القانون الإنجليزي، وقد قرر الشراح أنه ما دام الرضى غير مستلب بكله، فالجريمة غير واقعة بكلها.
-النائب: جنحة كل قلب هي جناية من هذا القلب بخصوصه، على طريقة "حسنات الأبرار سيئات المقربين"؛ والعبرة هنا بالواقع لا بالصفة القانونية، وقد قرر الشراح أن الواقع قد يكون أحيانا سببا في تشديد العقوبة، فلا بد من تشديد العقوبة في هذه القضية. لا أطلب الحكم بالمادة 230 عقوبات بل بالمواد من 230 إلى 241 ضربة واحدة.
-المحامية: قد نسيت أن هذا قلب وعقوبته عقوبة لصاحبه البريء.
-النائب: إذن أطلب عقابه بحرمانه الجمال: وهذا أشق عليه من العقاب باثنتي عشرة مادة وبعشرين وثلاثين.
الرئيس: وما هي الطريقة لتنفيذ الحكم بهذا الحرمان؟
النائب: تأمر المحكم بالمراقص كلها فتغلق، وبالمسارح كلها فتقفل، وبالسينما فتبطل إلا ما لا جمال فيه منها ولا غزل ولا حب، ويحرم السفور على النساء إلا العجائز والذميمات، ويمنع نشر صور الجمال في الصحف والكتب، و...
المحامية: قل في كلمة واحدة: يجب إصلاح العالم كله لإصلاح القلب الإنساني!
وجلس النائب، فالتفت الرئيس إلى المحامية وقال لها: وأما هو؟..
مصطفى صادق الرافعي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال