السيطرة على أوربا، متابعة للجيوسياسية الأنجلو ـ ساكسونية:
يوضح برززنسكي في كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى (LE GRAND ECHIQUIER) "أن الرهان الرئيس بالنسبة للولايات المتحدة، هو السيطرة على (الأوراسيا)، هذا المجال الرحب، انطلاقاً من أوربا الغربية، حتى الصين، عن طريق آسيا الوسطى. كذلك تعتبر الولايات المتحدة، آسيا الوسطى، والأقطار النفطية والغازية المسلمة، من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق ـ المنطقة الاستراتيجية، الأكثر أهمية في العالم. ويجب على الولايات المتحدة، أن تقوم بكل شيء في النتيجة من أجل أن تبقى القوة المهيمنة الوحيدة على القارة الأوراسية".
الهيمنة الشاملة:
ويوضح مستشار الرئيس الأمريكي السابق، كارتر، أنه من الأمور الجوهرية، أن تتتابع استراتيجية تستهدف توازناً لمجمل قارة الأوراسيا، حيث أهميتها حاسمة، لأن جميع الدول النووية المعلنة ـ ما عدا واحدة ـ تقع فيها. وإذا أخذنا هذه الأمور جملة، فإنها تمتلك جميع أبعاد القوة، لتتجاوز الولايات المتحدة". ويدعو هذا الجيوسياسي الكلاسيكي، برززنسكي، إلى أنه، انطلاقاً من هذا التفوق على هذه القارة الأوراسية، سيؤدي الأمر إلى (الهيمنة الشاملة).
قوة منافسة للولايات المتحدة:
وإذا كان من المؤكد أن الولايات المتحدة، قوة خارجية بالنسبة للأوراسيا، فإنها من هنا تعود، القوة الأولى بل الوحيدة، العالمية الأعظم، بفضل حضورها المباشر، في ثلاث مناطق محيطية من القارة الأوراسية: "موقع يمتد شعاعه في العمل، حتى دول المنطقة القارية الخلفية إلى الواقعة خلف السواحل، (HINTERLAND). مع ذلك، تبقى "الأوراسيا المسرح الوحيد الذي توجد عليه قوة منافسة للولايات المتحدة، يمكنها أن تبرز حسبما هو محتمل" وهنا مفتاح جميع العقائد الجيوسياسية والجيواستراتيجية للولايات المتحدة.
تحييد بناء الوحدة الأوربية:
إجمالياً، يمكن القول، بأن استراتيجية الولايات المتحدة الشاملة على المستوى الكوني يتكون من تعزيز نقاط الانطلاق للولايات المتحدة في أوربا الغربية والوسطى، وإلى مدى ما، في محاولة لتصنيف غير شامل ـ لدرجات مختلفة ـ لاستراتيجية ما، إذا كان ذلك ممكناً. وذلك بإقامة كتلة أوربية ـ أ طلسية موحدة، ثلاثية الهدف، من أجل تحييد بناء الوحدة الأوربية، المنافس القوي الجيواقتصادي للولايات المتحدة. إنها (منطقة مرنة) لكونها أكثر قدرة على التحرك في الجبهة الأوراسية. ولكون آسيا "المنطقة الصعبة" الرئيسة في العالم، والمنافس الجيو ـ اقتصادي، مستقبلاً، فإن السيطرة على الطرق الجديدة للطاقة في آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وِالقوقاز، هي الهدف الثالث، الذي يتضمن استراتيجية ـ إسلامية خاصة، وفصلاً نسبياً للأعضاء الآخرين عن الحضارة الغربية والأوربية، وهناك بصورة رئيسة العنصر السلافي الأرثوذوكسي، المتاخم للمنطقة الإسلامية الأوربية ـ الآسيوية "الأوراسية" وهي المنطقة الأكثر أهمية في العالم".
المحور الجغرافي للتاريخ:
في الحقيقة. إن فكر برززنسكي، يسجل في التقليد الجيوسياسي البريطاني، ويبرز التطور التاريخي ـ السياسي في العالم، نتيجة الخصومات بين "القوى القارية" و"القوى البحرية"، في المياه الدافئة (THALASSOCRA).
وقد قام أبو الجيوسياسية الكلاسيكية، الجغرافي الإنجليزي هالفورد جون ماكندر HALFORD JOHN MACKINDER (1861ـ 1947)، بنشر النظرية العامة في مجال التفرع الثنائي للنزاعات (بر/ بحر)، فقد نشر في الجريدة الجغرافية عام (1904) محاضرة داوية، تحت عنوان: "المحور الجغرافي للتاريخ"، بَيَّن فيها وجود "محور أو قطب عالمي" أو منطقة "محور"، تقع في قلب أوراسيا، وتشتمل على روسيا الحالية، إجمالاً، والصرب، والقوقاز، وجزء من أوربا الشرقية، وهي مقافز غير قابلة للإحاطة من أجل السيطرة على القارة الأوراسية. ويبين العالم الجيوسياسي البريطاني، نظريته حول المنطقة "المحور" التي يسميها قلب الأرض (HEARTLAND)(14)، أن هذا القلب يقع في الأوراسيا، وقد نشر ذلك، في كتابه عام (1919)، تحت عنوان أفكار ديموقراطية وواقعية ـ (DEMOCRATIC IDEAS AND REALITY).
الهلال الهامشي الداخلي:
أما ما سماه "الهلال الهامشي الداخلي"، فهو الهدف الغربي والجنوبي، والشرقي، من قلب الأرض، أو منطقة الاتصال، بين الأرض القارية والبحار: "شبه الجزيرة الإيبرية، إيطاليا، البلقان، اليونان، تركيا، الشرق الأوسط، الخليج العربي/ الفارسي، الباكستان، الهند، أندنوسيا، الجزر الصينية الجنوبية... إلخ. ويقع على أطراف "الهلال الهامشي الداخلي" أرخبيلان أساسيان: هما بريطانيا العظمى واليابان.
أرخبيلات الجزر الخارجية:
وقد عُمِّدا تحت اسم "أرخبيلات الجزر الخارجية" لأنها تبلغ قمتها بالسيطرة على البحار. أخيراً، توجد حول هذه "الكتلة المحور"، وأطرافها البحرية "الجزر الكبيرة": أمريكا، أفريقيا، أندنوسيا، أستراليا. وهي تشكل "الهلال الجزيري الخارجي" مع منطقة توسطية في الوسط، مشكلة من الصحراء. ويخشى ماكندر أن تتوسع منطقة (المحور) (قلب الأرض) نحو الأطراف الخارجية، وبالتالي يتمّ التوصل إلى السيطرة على القارة الأوراسية كلياً، بسبب مدى مصادرها الضخمة، وبفضل تطوير الطرق والسكك الحديدية. ثم تتوسع على الأثر، بغزوها مجمل البحار واليابسة، للكرة الأرضية. "فماذا سيحدث، إذا توحدت القارة الكبرى سياسياً في يوم من الأيام وأصبحت قاعدة لأرمادا لا تقهر؟".
تحالف القوى الجزيرية:
هكذا يتساءل الجغرافي البريطاني. ويعتقد بأنه من المحتم أن تتحالف (القوى الجزيرية) من (الهلال الخارجي)، مع تلك التي في [الهلال الهامشي الداخلي]، لمنع قوة وحيدة، بهدف "السيطرة على الأوراسيا". ومنظمة حلف شمالي الأطلسي، هي ذلك التحالف. هذا ما يوضحه الجنرال غالوا (GALLOIS). وهنا أيضاً هو أساس العقيدة الاستراتيجية للولايات المتحدة نفسها، في منطقة الأوراسيا، خلال الحرب الباردة أيضاً، وكذلك بعد سقوط جدار برلين.
حزام دول أوربا الشرقية:
واعتبر ماكندر أن الأسوأ في التهديدات الممثلة بالاندفاع نحو الشرق تأتي من قبل ألمانيا، غليوم الثاني في المرحلة الأولى، حتى من قبل التحالف القاري الروسي ـ الألماني، حسبما هو محتمل. وهناك، سيناريوهان اثنان قابلان لأن يحدثا الوحدة الجيوسياسية، في القارة الكبرى، يضعان حداً للتفوق الدولي الأنجلو ـ ساكسوني، في عام (1919). إذ يصرح ماكندر، أنه يجب إقامة "حزام من الدول"، دول أوربا الشرقية، قابل لأن يشكل منطقة سد بين ألمانيا وروسيا، من أجل تجنب أن تدعو ألمانيا النازية إلى الوحدة في "منطقة المحور"، باستخدام السلاح.
الطرف الشمالي والداخلي من الأوراسيا:
لكن ماكندر أعاد تحديد مفهوم قلب الأرض منذ عام (1943)، بسبب الاضطراب الإيديولوجي والجيوسياسي، الذي أحدثته الثورة البلشفية: "إنه الطرف الشمالي والداخلي من الأوراسيا". بعبارة أخرى، الاتحاد السوفياتي السابق، أو مجموعة الدول المشكلة من الدول المستقلة حديثاً والحالية، مع بروز باتجاه أوربا الوسطى والشرقية، على نحو خفيف.
أوربا الشرقية مفتاح السيطرة على العالم:
ويظهر الاتحاد السوفياتي الشاب (قوة قارية) في غاية الجودة، بسبب مطالباته العالمية والإمبريالية. فهو أوسع وأرحب من ألمانيا، وأكثر قوة، وأكثر رغبة أيضاً في التقدم والتوسع نحو أوربا الشرقية والبحار الدافئة، من أجل السيطرة على مجمل القارة، وطرد (القوى البحرية) منها، ويلخص ماكندر الرهان، في صيغة مشهورة، بهذه العبارات: "أن من يسيطر على أوربا الشرقية، يتحكم في "قلب الأرض" ومن يسيطر على "قلب الأرض" يتحكم في (جزيرة العالم)، ومن يسيطر على (جزيرة العالم)، (يتحكم في العالم). وقد شكلت أوربا الشرقية، في تلك الحقبة، المناطق الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم: ليس فقط بالنسبة لروسيا، بل بالنسبة إلى أوربا الوسطى والشرقية أيضاً. فهي الجسر، ومفتاح القنطرة في الوحدة المحتملة للقارة الكبرى. ويفهم من ذلك، وعلى نحو أفضل، لماذا بذلت بريطانيا العظمى، ثم الولايات المتحدة، وهما قوتان بحريتان على الدوام، جهوداً جبارة، من أجل حرمان روسيا من عمقها الاستراتيجي، ومن منافذها نحو البحار الدافئة في القوقاز، وفي آسيا الوسطى، وفي البلقان.
المنطقة المحورية:
أما المُنَظّر الأنجلو ـ ساكسوني الكبير الآخر، في مجال نموذج (أرض/ بحر) فهو البروفيسور في العلوم السياسية ـ الأمريكي نيكولاس سبيكمان NICHOLAS SPYKMAN الذي يعرض في كتابه جغرافية السلام THE GEOGRAPHY OF PEACE، الصادر عام (1944)، فكرة (المنطقة المحورية) الحقيقية التي تدور حولها المنافسات بين القوى البحرية والقارية وهي الأرض المحيطية (RIMLAND). ويحدد هذا التصور الكبير الرئيس الثاني، للجيوسياسي الكلاسيكي المنطقة الوسيطة، الواقعة بين (قلب الأرض) و(البحار المشاطئة)، وهذا متوافق مع فكرة سبيكمان، بخصوص الهلال الهامشي الداخلي، لماكندر.
الأرض المؤطرة:
لن يكون للاتحاد السوفياتي عما قريب الوسائل للسيطرة على العالم، ما دام لم ينجح بالاستحواذ على الأرض المحيطية (RIMLAND). حسبما يعتقد سبيكمان، وكذلك الجزر الخارجية على أي حال. وكان نيكولاس سبيكمان أكثر تفاؤلاً من ماكندر، فكان يفكر أنه إذا أظهرت القوة البحرية قدرة على تنظيم ودعم شعوب المنطقة في الأرض المحيطية، في سبيل حجز أو محاصرة الزحف نحو البحار، من قبل قوة قارية رئيسة، أو القيام بغزو العالم من قبل قوة من قلب العالم، فستبقى مثل هذه الأمور نظرية تماماً وصعبة التحقيق.
وهو يعيد تأكيد الفكرة الأساس الخاصة بالمنافسة البرية/ البحرية، بالإعلان عن القاعدة العقائدية والاستراتيجية لمنظمة حلف شمالي الأطلسي، وهي: "من يهيمن على الأرض المحيطية (RIMLAND)، يهيمن على الأوراسيا، ومن يهيمن على الأوراسيا، يضع مصير العالم بين يديه". ويذكر سبيكمان أن نصر الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، قد تحقق على الشواطئ وعلى اليابسة في الأرض المحيطية (RIMLAND) (أو الأرض المؤطرة) حسب نظرية سبيكمان الخاصة بـ (RIMLAND)، متضمنة هنا "القوى القارية، والتي لها، دون شك "نفوذ كبير على إعداد، السياسة الخارجية الأمريكية".
سياسة الاحتواء:
وكانت في الواقع أصل العقيدة الخاصة بالولايات المتحدة والمعروفة بـ (الاحتواء)، التي أعَدّتها واشنطن خلال الحرب الباردة. إن تلاحم المنطقة المؤطرة"، يتضمن الولايات المتحدة وأوربا الغربية، وآسيا البحرية. ومن المفترض أنها تشتمل على الأهداف التوسعية والعائدة إلى منطقة قلب العالم الروسية ـ السوفياتية.
كذلك التطابق بين الثوابت الجيوسياسية ـ مع الإيديولوجيات المتنوعة، في نطاق الحرب الباردة. فقد وجب على روسيا أن تصبح في حالة (احتواء)، ليس فقط من أجل وقف توسع الأيديولوجية الثورية (الهدامة) السوفياتية، الشيوعية، بل بسبب المطالب الخاصة بالهيمنة الروسية. القارية بوجه خاص.
القارة الكبرى:
وحاول الاتحاد السوفياتي من جانبه أن يتوسع في أوربا الوسطى والشرقية، ونحو الجزر الخارجية "آسيا، أمريكا اللاتينية، أفريقيا... إلخ" من أجل "إضعاف المواقع ونقاط الاستناد الخاصة بالقوى البحرية"، لكونها الممثلة للقوى "الرأسمالية والاستعمار". من جهة أخرى، كان الهدف تشكيل سلسلة من المواثيق والأحلاف مع البلدان الواقعة في منطقة البلدان المؤطرة، وهو أصل نظرية منظمة حلف شمالي الأطلسي. ويلاحظ ذلك، في المعاهدة الأطلسية الشمالية. وبهذا يَرد الأحلاف بحذر حول "القارة الكبرى" على قلق سبيكمان، الذي يكون لـه مؤلفان رئيسان نشرا في العامين (1942) و(1944). وهذا ما يستخلصه الجنرال بيير ـ وماري غالوا PIERRE - MARIE GALLOIS.
عقيدة الاحتواء:
وتستعير عقيدة الاحتواء، ليس فقط أعمال ماكندر وسبيكمان المشار إليها، بل أيضاً أعمال البريطاني هومر ليا (HOMER LEA) وفي الوقت نفسه، أعمال الأمريكيين: كولن س. غراي (COLIN S. GRAY)، وجورج كينان GEORGES KENNAN، وجون فوستر دالاس (JOHN FOSTER DULLAES). ويؤيد ليا، المعارضة الأساسية البرية/ البحرية في مؤلفه: (يوم الساكسونيين ـ (THE DAY OF THE SAXONS)، حيث عرض أسس الاستراتيجية البريطانية بشأن نظرية (احتواء) الإمبراطورية الروسية، في المنطقة الممتدة من البوسفور إلى الإندوس (INDUS).
السيطرة على المضائق التركية:
فبالنسبة إلى ليا يجب على الروس، وبأي ثمن، أن لا يستولوا على البوسفور والدردنيل، ولا حتى أن يسيطروا بصورة غير مباشرة عليهما. و قد جرى وضع ذلك بالممارسة الفعلية لهذه النظرية، خلال حرب القرم. وإن ما يسمى اليوم بالغرب "بريطانيا العظمى وفرنسا" فقد كانتا حليفتين لتركيا ضد روسيا. وهكذا، كان رهان النزاع، يدور في البحر الأسود وبحر آزوف، للسيطرة على المضائق التركية. فيعي الغربيون وتركيا، أن أهداف الإمبراطورية القيصرية الأرثوذوكسية كانت "تحرير الأرض المقدسة"، مع خرق المضائق التركية و"استعادة" القسطنطينية.
وكان أن حدث القيام بكل شيء من أجل منع بطرسبورغ من الاستقرار في البحر الأبيض المتوسط وفي البحر الأسود، ولم يكن يطلب تحرير شواطئ هذه المنطقة، إلا فقراء باتجاه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. كذلك ـ عُرِضَ على الروس أن لا يجتازوا القوقاز، أو خط طهران ـ كابول، وذلك حسب سفير الولايات المتحدة، أفريل هاريمان AVERELL HARRIMAN في موسكو، يساوره القلق، عندما تغير الاتحاد السوفياتي عام (1945) ليصبح قوة عسكرية هائلة، حسب رأيه، بل الأقوى حينذاك.
تحييد أوربا:
وفكر كينان في الوسائل لوقف تقدم السوفيات، نحو قلب القارة. واقترح آنذاك (احتواء) الاتحاد السوفياتي، عن طريق إعادة تجمع بعض البلدان في المنطقة المؤطرة (RIMLAND) تحت زعامة الولايات المتحدة، وذلك خلال السنتين (1946ـ 1947)، وبعبارة أخرى، قبل انقلاب براغ في (23 كانون الثاني 1948). وقد أشار إلى وجوب تنوع نقاط الاستناد للولايات المتحدة، بالسير باتجاه قلب الأرض، أي اتباع مفهوم سبيكمان الخاص بالمنطقة المؤطرة. ووجب عليه، إخفاء الضعف أو العجز الأوربي إلى الغرب وفي اليابان، في بعض الحالات ـ وذلك بتحييد أوربا لزمن ما على الأقل ـ إلى الشرق".
السيطرة على الجزيرة العالمية:
ويجب ألاّ ننسى أن ألمانيا، قد حصرت الإمبراطورية الروسية في طرفيها، حتى عام (1947) واليابان في عام (1905). ويجيز النذير الثالث لعقيدة الاحتواء، أن السيطرة على (الجزيرة العالمية) ستؤدي إلى السيادة على باقي العالم، وذلك حسب كولن س. غراي، مؤلف لكتاب حول الجيوسياسية في العصر النووي GEOPOLITIQUE DE L'ÉRE NULEAIRE، وحسب ماكندر. وهما كسبيكمان، يضعان الهدف السوفياتي منطقة النزاع الرئيسة في (المنطقة المؤطرة)، لكون هذه المنطقة ضمن مدى منع قوى البحر ـ أي الولايات المتحدة ـ من العبور إلى القارة الأوراسية وذلك بإقصاء كل موطئ قدم أمريكي في البلدان الساحلية.
سيطرة الغرب على أوراسيا:
ومن المؤكد أن جميع شعوب (المنطقة المؤطرة) لم تحسم أمرها من الناحية الجيوسياسية. لكن، سيؤثر فشل أي من الأمريكيين أو السوفيات، في جزء من (المنطقة المؤطرة)، على أماكن أخرى. فهل كان الأمريكيون يقاتلون وهم في حالة تراجع، بعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، هذا ما يفكر به غراي الذي كتب كتابه العمود السابق (ANTE EX-)، ويرى أن ذلك هو (التقنع) طبقاً لنظرية الدومينو. ويعلق بيير ـ ماري غالوا، بقوله: "لم تكن سياسة الولايات المتحدة الخارجية خرقاء على الدوام. فقد وقعت معاهدة واشنطن، وأنشأت منظمة حلف شمالي الأطلسي، ولازمتها العسكرية، وإرساء (المنطقة المؤطرة) تحت سيطرة الغرب بقوة على أوراسيا.
مواثيق المساعدة المشتركة:
ويعني الدفاع عن كوريا الجنوبية تعزيز وجودها في دولة صديقة، إلى الشرق من أوراسيا. كذلك ـ فإن مساعدة فرنسا في فيتنام ـ بعد الهزيمة السياسية ـ كانت تستهدف المحافظة على وجود حليف في المنطقة المؤطرة في الجنوب ـ الشرقي الآسيوي. كما أن الولايات المتحدة، لا تستطيع الاستغناء عن المحافظة على مواقع وطيدة، عن طريق حلفاء مفروضين، في محيط قلب القارة الأوراسية، باتباع السياسة نفسها أي باستخدام مواثيق المساعدة المشتركة المعقودة بين واشنطن وعواصم عدد من بلدان (المنطقة المؤطرة).
محاصرة إمبراطورية الشر:
وهنا، يتدخل جون فوستر دالاس، المرشد الكبير في عقيدة الاحتواء؛ والواقع، إن هذا الرجل ارتبط اسمه بتعبير (احتواء)، كان ينادي بطرد روسيا السوفياتية إلى مناطق محصورة. ولم يكن ذلك، سوى استعادة لتطبيق نظريات أسلافه، خاصة جورج كينان. وكان الأمر يتعلق، بتطويق الاتحاد السوفياتي، بواسطة المنطقة المؤطرة والجزر الخارجية إلى الجنوب، وإلى الشرق، من قلب الأرض، وذلك بتنفيذ سياسة أحلاف متلاحقة، من بريطانيا العظمى إلى اليابان، من أجل محاصرة (إمبراطورية الشر)، ويتكفل البرد والصقيع بشمالي (منطقة المحور) وذلك حسب رأي هذا السياسي الأمريكي المشهور.
الصين لغز استراتيجي:
ويقدر فوستر دالاس، أنه بتشكيل مثل هذه "المواثيق المساعدة المشتركة"، "منظمة حلف شمالي الأطلسي، ومنظمة معاهدة جنوب ـ شرقي آسيا (OTASE)، والحلف المركزي (CENTO)... إلخ. فإنه يتم الحصول على حزام يحيط بالاتحاد السوفياتي، على طول أهدابه الشاطئية بالكامل. لكن لم يرضَ عن ذلك الشعب الصيني. الشوكة الوحيدة، في تشكيل ذلك التطويق أو الاحتواء، والمشكل على طول المنطقة المؤطرة بالكامل. وهكذا تبقى الصين اليوم اللغز الاستراتيجي الرئيس، الأكثر إرعاباً ـ على مدى ـ من روسيا، بسبب كثافتها وقوتها، في آن واحد، فهي كتيمة ومحورية.
الامتداد نحو المنحدر المحيطي والإسلام الغربي:
فإذا بدلنا النظرية الكلاسيكية الخاصة بالاحتواء، على المسرح الجيوسياسي المعاصر، فيجب على واشنطن، توقع ظهور قوة أوراسية قابلة أن تضع (هيمنتها الشاملة) موضع تساؤل مجدداً. كما يجب الحصول على موقع مهيمن في الأوراسيا بأي ثمن. إن صعود القوة الصينية وآسيا، مما يتوجب حصرها، في المستقبل، مع أنها مستحيلة في الوقت الحاضر.
عندئذٍ، على الولايات المتحدة التخلي عن الهيمنة على مجموع القارة الأوراسية، والتركيز على جزئيها، الغربي والأوسط: "الاتحاد الأوربي، أوربا الوسطى والشرقية، والبلقان، والقوقاز، وآسيا الوسطى". إذن تعتبر واشنطن، أن لها أفضليتين على المدى القصير: الأولى، تخليد تبعية التحالف الأوربي "الغربي" "منطقة مؤكدة" وثانياً، متابعة سياسة إضعاف ـ و عزل روسيا. ومن هنا الرغبة الواضحة التي أعلنتها الولايات المتحدة وهي "وضع حزام" حول روسيا، و(الكتلة الأرثوذوكسية)، وذلك بالامتداد نحو "المنحدر المحيطي، وداخل الإسلام الغربي"، عن طريق المنطقة المؤطرة الجديدة، حيث يبقى الجهاز العسكري ـ الاستراتيجي المشترك، في منظمة حلف شمالي الأطلسي.
توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي:
ومن هنا أيضاً، استمرار الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط المستمرة على بروكسل من أجل أن تنضم تركيا للاتحاد الأوربي. ومن هنا أيضاً، جاء توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي نحو أوربا الوسطى، وخصوصاً تعزيز التعاون بين تركيا والولايات المتحدة "عن طريق الاتفاقيات الاستراتيجية التي تسمح لأنقرة الحصول على التكنولوجيا العسكرية المتطورة من الولايات المتحدة".
ويكشف دانييل بن سعيد (DANIEL BEN SAID)، في كتابه، "حكايات وأساطير عن الحروب الأخلاقية"، يكشف الأهداف الحقيقية لعملية قوات الحلفاء في يوغوسلافيا السابقة، ويظهر كيف وضعت الولايات المتحدة يدها على منطقة استراتيجية هامة في العالم، في آخر الأمر، تحت غطاء "الحماية الدولية" و"حقوق الأقليات"، وكيف أعلنت أن عليها السيطرة عليها من أجل منع كل احتمال لعودة روسيا وإلى أوربا والبحر الأبيض المتوسط.
مواجهة هيمنة الولايات المتحدة:
ويتطابق هدف الولايات المتحدة، مع الجيوسياسية الأنجلو ـ ساكسونية، منذ القرن التاسع عشر، طبقاً لرأي بن سعيد، والتي تتكون من تعزيز استمرار الجيواستراتيجية بين "جسرها الأوربي"، وذلك الذي شرعت بإقامته في القوقاز، وفي آسيا الوسطى، في مواجهة الخصم الجيوسياسي التقليدي نفسه: روسيا، لا أكثر ولا أقل.
ويتعلق الأمر بصورة إجمالية، كما نظر جون فوستر دالاس، "لدفع أو طرد" روسيا والعالم الأرثوذوكسي، من ما يُعدّ "معايير غربية السمة"، وقد ارتأى أن التعلق بالطراز السياسي والجيوسياسي في الولايات المتحدة، غير كافٍ، وأنها (مهددة) للقيم، ومصالح الولايات المتحدة، كما أنها حيوية بالنسبة لواشنطن، لمنع بناء دفاع أوربي مستقل حقاً، وقاري، يمر عبر تحالف الخمسة عشر الأعضاء في الاتحاد الأوربي، لمواجهة هيمنة الولايات المتحدة، والاندفاعة التركية ـ الإسلامية في الجنوب، والتي ستعمل على ظهور وانبثاق شبح "الاستقلال الذاتي" في الأوراسيا حول قلب القارة.
حضور روسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي:
وفي روسيا، هلع وذعر حقيقيان، حتى في حال بقي الاحتمال ضعيفاً في نظر "الاستراتيجيين في الولايات المتحدة". ويوضح برززنسكي الأوامر الثلاثة الجيواستراتيجية للولايات المتحدة، باستخدام مصطلحات فظة، خاصة فيما يتعلق بإمبراطوريات الماضي، وتتلخص في: تجنب تواطؤ الأتباع، للإضرار بالولايات المتحدة، والمحافظة على حالة الاعتماد الذي يبرر أمنها، وزرع الانقياد والطاعة لدى المواطنين في محمياتها، ومنع "البرابرة" حسب وصفه من تشكيل تحالفات هجومية.
في الواقع، لم يغير انهيار الاتحاد السوفياتي من الثوابت الجيوسياسية الأساسية، خصوصاً في البلقان، حيث أضحت روسيا حاضرة بعد سقوط جدار برلين، أكثر مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة، وكون التشكيل العسكري الدفاعي ليوغوسلافيا السابقة، قد تحول ضد الاتحاد السوفياتي في السابق، إلى درجة أن تشوش بصورة خطيرة في عهد تيتو.
أيضاً، فقد استهدفت هجمات منظمة حلف شمالي الأطلسي، على يوغوسلافيا السابقة، تحدياً أو معارضة (لعودة) روسيا إلى هذه المنطقة، بصورة رئيسة، والتي كانت في طريقها إلى استئناف نزعتها (الإمبريالية)، باسم حماية الأمم السلافية والأرثوذوكسية، الأخوات.
التحالف الكبير:
أليست الولايات المتحدة في طريقها لإقامة سياسة (احتواء) جديدة، لهذه العودة (الإمبريالية) لروسيا، ومن أجل الاعتماد على عدد معين من الحلفاء لحصر روسيا في بعض المناطق؟ هكذا يتساءل الجيوسياسي فرانسوا ثويال FRANÇOIS THUAL. والسؤال يستحق أن يطرح، لأن واشنطن تعتمد، على التشكيل العام لمنظمة حلف شمالي الأطلسي من بين الأمور الأخرى، ضمن ثلاث دوائر من التحالف الكبير، لمقاومة الروس في البلقان، وفي القوقاز، وفي الشرق الأوسط، وفي آسيا وتتضمن الدائرة الأولى: ألمانيا، اليابان، تركيا. وتضم الثانية: دولاً شرق أوسطية، من مصر، والعربية السعودية، والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والباكستان، أما الثالثة: فهي في أفريقيا، من نيجيريا وجنوب أفريقيا، وبلدان الغرب الأفريقي [أوغاندا، كينيا، أثيوبيا].
القضاء على الهيمنة الروسية:
ويؤكد الجيوسياسي، والزعيم الشيوعي الروسي، غينادي زيوغانوف ـ GEUNNADI ZIOUGA NOUV، في بحثه المعنون (روسيا بعد عام 2000)، رؤية جيوسياسية لدولة جديدة، في مجال الصراع الروسي ـ الأمريكي، من أجل السيطرة على قلب الأرض، إذ يقول: "سيقرر المخرج من هذا الصراع، نوع العالم، في هذا المجال، ويجب على الغرب (القضاء على الهيمنة الروسية)، بصورة إجبارية، بجميع الوسائل خاصة في النواة الأوراسية".
الاحتواء بعيدا عن الايديولوجيا:
أيضاً، هل ستستخدم الولايات المتحدة، استراتيجية احتواء جديدة، خالية من كل أيديولوجية تستهدف التقليل من نفوذ موسكو على مجموعة الدول المستقلة، حتى الحد الأدنى وإبعادها عن البحار ولا سيما الأسود وقزوين؟ وطبقاً لرأي هنري كيسنجر: "إن تفوق قوة وحيدة، على أحد الفلكين الأوراسيين الكبيرين ـ أوربا وآسيا ـ يستمر في تقديم تحديد جيد للحظر الاستراتيجي الذي ترغب فيه الولايات المتحدة، مع حرب باردة دونها. وسيكون لكتلة من هذا النوع تأثير كبير، على القدرة لتجاوزه، على المستوى الاقتصادي، والعسكري في آخر الأمر، في الواقع. وهذا خطر يجب تفاديه، حتى إذا لم تعلن القوة المهيمنة، عن النوايا السيئة، (...) وهل يجب أيضاً تشجيع روسيا لكي تركز جهودها على أراضيها الوطنية: على منطقة تمتد من بطرسبورغ إلى فلاديفوستك، وليس هنالك من معاناة أمام رهان الاحتواء".
صعود الروح القومية الروسية:
ولم يستبعد استراتيجيو الولايات المتحدة "الأخطار التي يمكن أن تشع أمام الاستراتيجيين الأوربيين، في حال صعود الروح القومية الروسية من جديد، أو بذل جهود لضم الجمهوريات المستقلة حديثاً ثانية إلى روسيا، مثل أكرانيا، وبيلاروسيا، وحتى الجمهوريات الأخرى" هذا ما جاء في تقرير لوزارة الدفاع في الولايات المتحدة عام (1992) ويؤكد هذا التقرير أيضاً، أن الأسلحة النووية في الولايات المتحدة ستستمر لتكون موجهة إلى الأهداف السياسية والآلة الحربية الروسية، "لأن روسيا ستبقى القوة الوحيدة في العالم القادرة على تدمير الولايات المتحدة".
وتعرض هذه الوثيقة، على الأمم التي كانت تابعة سابقاً إلى حلف وارسو، وبكل بساطة، أن تعيد تنظيم نفسها ضد روسيا. وعلى الولايات المتحدة، مواجهة "نشر معدات بهدف إجراءات أمن قومية مشابهة لتلك التي جرى تبنيها بحجة الدفاع عن العربية السعودية والكويت ودول الخليج الأخرى، أن تنشرها في أوربا الوسطى والشرقية".
تنوع مصادر التزود بالطاقة:
ويبدو أن ذلك قد تم الإعلان عنه في الوقت الحاضر، بشأن أوربا الوسطى والبلقان، وفي أوراسيا، إذا ما افترض أن ذلك ما يهدف إليه توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي الجاري حالياً، وتوسيع جهازها الملحق باسم الشراكة من أجل السلام. وتستغل وزارة الدفاع الأمريكية، في الواقع، التراجع في الدور الروسي الدولي، من أجل غزوها لمجالات نفوذ موسكو السابقة شيئاً فشيئاً، "حتى قربها القريب"، لا سيما الاستراتيجيات التي تشكلها المناطق التي توجد فيها الاحتياطات الهدروكاربونية القابلة لأن تقلل من اعتماد الولايات المتحدة وكذلك الغرب على مصادر الطاقة في بلدان الخليج العربي، خلال مدة ما، ذلك أن تنوع مصادر التزود بالطاقة قد أصبح أحد الأفضليات للولايات المتحدة، وسيكون من الخطأ الكشف عن بعض المبادئ الخاصة بالولايات المتحدة، مهما تكن الأسباب من وراء مثل تلك التحليلات لأن هؤلاء المخططين هم المسؤولون في الولايات المتحدة، أمثال برززنسكي، وأحد المسؤولين من ذوي النفوذ، والمستشار السابق للأمن القومي، الذي كتب: "يجب توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي، لأن هذا سيزيل خطر كل عودة للتهديد الروسي تجاه أوربا الشرقية (...) إنه إذن من المهم، العمل بحيث لا تبرز أية قوة قارية، على الحدود الإقليمية لروسيا، وبطريقة تمكّن هذه القوة أن تتوصل إلى تقديم المساعدة لدول أخرى، من دول الاتحاد السوفياتي السابق لكي تترسخ، وتطور قدراتها على التحرر من كل وصاية لموسكو".
الحزام الأخضر:
وتأخذ استراتيجية الولايات المتحدة الخاصة بالاحتواء ضد الإمبراطورية الروسية، باستخدام "الحزام الأخضر" على أن لا يكون إسلامياً. وتأخذ هذه الاستراتيجية مكانها اليوم، وهي تستهدف منع الإمبراطورية الروسية، كما في السابق، من الحصول على ممر إلى البحار الدافئة: "قزوين، البحر الأبيض المتوسط، الأدرياتيكي"، وإلى المضائق. ثم حرمان موسكو من ممتلكاتها الإسلامية القديمة، في آسيا الوسطى والقوقاز، أو طريق النفط "طريق الحرير الجديد".
خفض القدرات الروسية:
وتشكل هذه الاستراتيجية حجر عثرة أساسية أمام القوى العظمى: "في الواقع، يتعلق الأمر بتطويق جديد تماماً، مشابه لذلك التطويق الذي جرى في خمسينيات القرن العشرين، حين كانت الولايات المتحدة، تطوق التوسع الشيوعي السوفياتي والصيني ـ هذا ما كتبه فرانسوا تويال ـ على خلاف حال اليوم، الذي تخلو فيه استراتيجية الولايات المتحدة، من كل إيديولوجية. وسيكون الجهاز الجيوسياسي لها هو خفض القدرات الروسية، حتى الحد الأدنى الممكن، وفي طرد روسيا نحو الشمال. فبالنسبة إلى واشنطن، بقدر ما تكون روسيا بعيدة عن البحار الدافئة "المحيط الهندي، والخليج العربي/ الفارسي سيكون ذلك أفضل".
انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي:
ويوضح الجنرال غالوا، أن عملية توسيع الاتحاد الأوربي، حتى فنلندا وتركيا، تسمح في الواقع، للولايات المتحدة، ولتابعيها الأوربيين في منظمة حلف شمالي الأطلسي: بتطويق روسيا جيوسياسياً في الشمال وفي الجنوب. إن بحر البلطيق وبحر الشمال وبحر البارنت (BARNETS) هي في الواقع بحار رئيسة بالنسبة إلى موسكو، مع أنها تحت سيطرة الولايات المتحدة وألمانيا. أما ما يتعلق بتركيا، فإنها ستنضم عما قريب، إلى الاتحاد الأوربي: "فهي تشكل حجر الزاوية في الهلال الهامشي الداخلي"، وتسمح بالتسلل نحو الصين، ونحو الجمهوريات النفطية الإسلامية، في آسيا الوسطى. إذن ، سيصبح الاتحاد الأوربي بعد الآن، على بعد بضعة كيلومترات من بطرسبورغ.
معاكسة عمليات التطويق:
وتحاول روسيا من جانبها الاعتماد على صربيا وأرمينيا واليونان وإيران والهند. وتحاول روسيا أيضاً، عبثاً، إقامة سياسة (معاكسة لعمليات التطويق) الجارية، بحيث أن الضعف المالي، والوضع العام، من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، ليست من الأمور التي تسهل المهجة الاستراتيجية الروسية في محاولاتها تزويد روسيا باستراتيجية دفاعية جديدة وإمبريالية، في آن واحد، في الأوراسيا. وفي وقت معين، حَلِمَت ألمانيا أن تتفاهم سراً مع روسيا في عهد كول (KOHL) من أجل أن تتقاسما أوربا الوسطى والشرقية "بالقسطاس" وفي إعداد طرق مواصلات ألمانية ـ روسية، داخل القارتين. وتخشى في الولايات المتحدة، على الدوام، من تحالف ألماني ـ روسي، من هذا القبيل، قابل لأن يسيطر على مجمل أوربا، عن طريق جعل وجود الولايات المتحدة غير مفيد. وكتب هنري كيسنجر: "إذا حققتا في توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي نحو الشرق، فإن ذلك يمكن أن يؤدي، إما إلى صدامات، أو إلى خطر إقامة اتفاقيات سرية بين ألمانيا وروسيا".
تحالفٌ ألماني روسي للسيطرة على قلب أوروبا:
كما طالب البروفيسور في الولايات المتحدة أوجين روستو(EUGENE ROSTOW)، في تصريح لـه في نيسان (1995) روته الوكالة الرسمية الأمريكية (U.S. INFOR)، استناداً إلى تقليد دبلوماسي للرئيس ترومان، طالب بتدخل أعظم من واشنطن في البلقان من أجل مواجهة (تهديد جديد) وقد أتبعه بكلام مغلف بحجاب كثيف: "إذ صرح ـ أي ـ روستو، وهو يطرح بعداً آخر مهماً جداً، بين فيه أنه: "توجد مصالح للولايات المتحدة في البلقان، إذ يسمح النظام غير المستقر لدى الدول الضعيفة في هذا الجزء من العالم الخالي من الممرات، يسمح بتحالف جديد معادٍ، يستهدف الهيمنة على مجمل أوربا (...) والاحتمال الأكثر، دون شك، أن يكون هناك تحالفٌ ألمانيٌ ـ روسيٌ، من أجل السيطرة على قلب أوربا"(28).
موسى الزعبي
التسميات
نظام عالمي جديد