البيتُ نعمةٌ.. مميزات البيت المسلم ومحتوياته. يُنزه عنه البيت المسلم وما يرفع عنه من تلك الأوزار والقبائح

البيت نعمة عظيمة، امتن الله جل وعلا بها على عباده فقال جل وعلا: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (80) سورة النحل.
جَعَلَ اللهُ لِلنَّاسِ بُيُوتَهُمْ سَكَناً لَهُمْ يَأْوُونَ إِلَيْهَا ، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا ، وَيَنْتَفِعُونَ مِنْهَا.
وَجَعَلَ لَهُمْ مِمَّا عَلَى جُلُودِ الأَنْعَامِ مِنْ أَشْعَارٍ وَأَصْوَافٍ وَأَوْبَارٍ (أَوْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ جُلُودِهَا) بُيُوتاً يَسْتَخْفُونَ حَمْلَهَا فِي أَسْفَارِهِمْ وَفِي إِقَامَتِهِمْ، كَمَا جَعَلَ النَّاسَ يَتَخِّذُونَ مِنْ أَصْوَافِ الأَغْنَامِ وَأَوْبَارِ الجِمَالِ، وَأَشْعَارِ المَاعِزِ أَثَاثاً لِبُيُوتِهِمْ (مِنْ فُرُشٍ وَبُسُطٍ)، وَثِيَاباً يَلْبَسُونَهَا، وَمَالاً لِلتِّجَارَةِ، وَمَتَاعاً يَتَمَتَّعُونَ بِهِ إِلَى أَنْ تَحِينَ آجَالُهُمْ، (إِلَى حِينٍ).
فذكر ربنا تبارك وتعالى نوعين من البيوت: البيوت القائمة المستقرة ، والبيوت المتنقلة ، وكلُّها نعمة عظمى.
تأمل حال من لا يملك بيتا، تأمل حال من شرد عن بيته، أو لم يجد له سكنا يسكن فيه، إنه معرَّض لشدة الحر والبرد، وللرياح والأمطار، واللصوص، ولكل ما يخطر على البال مما يمكن أن يؤذي الإنسان.
ثم انظر إلى ما أنعم الله به عليك من بيوت حديثة مزودة بكل وسائل الراحة، إنارة وتكييف، وماء حار وماء بارد، وفرش جميلة ومجالس وثيرة، أليس كل ذلك نعمة؟ إن الله جل وعلا لما امتن بها عليك، فإنه سبحانه يأمرك أن تكون من الشاكرين.
يجب عليك أن تعلم ما مواصفات البيت المسلم؟ وبماذا يتميز بيت الأسرة المسلمة؟!!
هل يتميز البيت المسلم بألوانه أو بأشكاله، أو بجدرانه أو بزخارفه؟!!
هذه كلها يا أخي الكريم يشترك فيها المسلم والكافر، ويشترك فيها البر والفاجر، ويشترك فيها كل الناس من شتى بقاع الأرض. فبماذا إذاً يتميز بيت المؤمن العابد للرحمن؟!
إن بيت المسلم يتميز بأمرين:
أولاً: بسكَّانه.
ثانياً: بمحتوياته.
يتميز بسكانه، السكانُ المؤمنون، العباد الصالحون .ويتميز بمحتوياته التي كلها تخدم دينه، وهي كلها وسيلة لطاعة ربه.
ودعني معك نستعرض شيئا من تفصيل ذلك:
أما محتويات البيت المسلم فيمكن الحديث عنها بنقطتين:
الأولى: ما يكون في البيت المسلم، وما يجمل فيه ويحلَّى به.
الثانية: ما يُنزه عنه البيت المسلم وما يرفع عنه من تلك الأوزار والقبائح.
فأما الأمور التي ينبغي أن يحلَّى بها البيت المسلم وتكون فيه:
أن البيت المسلم بيت للطاعة، أنه بيت معمور بذكر الله جل وعلا، معمور بالصلاة، ومعمور بالقرآن ، فعن عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -ص- قَالَ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.»[1]..
أرأيت هذا التشبيه ؟ البيت الذي يُذكر الله فيه ، ويُسبح فيه بحمده، كأنه إنسان حيٌّ، روحه تخفق بين جوانحه.
وأما البيت الذي لا يُذكر الله فيه، البيت الخاوي من ذكر الرحمن فهو البيت الذي امتلأ بالشياطين، فهو كالإنسان الميت ، كالجثة الهامدة التي لا حراك بها، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -ص- قَالَ «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».[2].
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ص- اتَّخَذَ حُجْرَةً - قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - مِنْ حَصِيرٍ فِى رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِىَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» [3].    
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ص- قَالَ «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»[4].
فالمقابر خاوية، لا يقرأ فيها القرآن، ولا يُصلَّى فيها لله جلَّ وعلا، ولا يقرأ فيها القرآن[5]، وبيوت المسلمين هي بيوت للأحياء، إذًا هي بيوت تعمرُ بتلاوة القرآن، والشياطين لا تجتمع مع القرآن في بيت واحد؛ بل إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة فهي أي سورة البقرة سنام القرآن قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -ص- يَقُولُ :« اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ.[6].
إذًا يا أخي الكريم، البيت المسلم يتميز بالصلاة فيه، يتميز بالذكر فيه، يتميز بتلاوة القرآن فيه.
وأما البيت الذي لا يوجد فيه ذلك ،البيت الذي هُجر فيه القرآن، ولا يُصلَّى فيه، ولا يُذكر فيه الرب سبحانه وتعالى، فإنه حريٌّ أن تعشش فيه الشياطين وتفرخ فيه وتكثر فيه.
[1] - صحيح مسلم(1859)
[2] - صحيح مسلم (1856 )
[3] - صحيح البخارى (731)
[4] - صحيح مسلم (1860)
[5] - هناك خلاف حول قراءة القرآن على المقابر، والراجح جوازه.
[6] - صحيح مسلم (1910) - البطلة: السحرة - الصواف: جمع صافة وهى الباسطة أجنحتها فى الهواء -الغيايتان: مثنى غياية وهى السحابة -الفرقان: الجماعتان.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال