الإنسان بين مشيئة الخالق وقدرته على التغيير: هل هو صانع مصيره أم مجرد قطعة في رقعة الشطرنج الكونية؟

الإنسان بين الجبر والاختيار: سؤال أزلي

مسألة كون الإنسان مسيرًا أم مخيرًا هي من أقدم الأسئلة التي شغلت الفلاسفة والعلماء والمتصوفة على مر العصور. وهي مسألة تتداخل فيها الفلسفة والدين والعلوم النفسية.

ما هو الجبر؟

الجبر هو الاعتقاد بأن الإنسان لا يملك أي قدرة على التحكم في أفعاله، وأن كل ما يحدث هو مقدر ومكتوب. أي أن الإنسان كأنه دمية تتحرك بفعل قوى خارجية لا دخل له فيها.

ما هو الاختيار؟

الاختيار هو الاعتقاد بأن الإنسان يتمتع بقدرة على اتخاذ القرارات والتحكم في أفعاله. أي أن الإنسان هو صانع مصيره، ويمكنه أن يختار بين الخير والشر.

وجهتا النظر الرئيسيتان:

1. وجهة نظر الجبرية:

تعريف الجبرية: هي المذهب الذي يرى أن الإنسان لا يملك أي قدرة على الاختيار، وأن كل ما يفعله مقدر له من قبل الله.
أدلة الجبريين: يستدل الجبريون بآيات قرآنية مثل "إنا كل شيء خلقناه بقدر" (سورة القمر: 49)، وبرؤية أن الله هو العليم بكل شيء، وبالتالي فكل ما يحدث هو بقدره.
انتقادات الجبرية: يرى منتقدو الجبرية أن هذا المذهب ينفي المسؤولية عن الأفعال، ويجعل الإنسان كآلة لا إرادة لها.

2. وجهة نظر الاختيار:

تعريف الاختيار: هي المذهب الذي يرى أن الإنسان يملك قدرة على الاختيار، وأن الله قد وهبه العقل والإرادة لاتخاذ القرارات.
أدلة المؤمنين بالاختيار: يستدل المؤمنون بالاختيار بآيات قرآنية مثل "فأما من أعطى واتقى"، وبرؤية أن الله قد أمر الإنسان بالعمل الصالح ونهى عن الفساد، مما يدل على وجود اختيار.
انتقادات الاختيار: يرى منتقدو الاختيار أن هذا المذهب قد يؤدي إلى التكبر والغرور، وأن الإنسان قد ينسب لنفسه الفضل فيما يفعله.

الجمع بين الرأيين: التوفيق بين القدر والاختيار

الرأي الوسط: يرى الكثير من العلماء والفقهاء أن الحقيقة تكمن في الجمع بين الرأيين، وأن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت.
التفسير: يفسرون ذلك بأن الله قد قدر كل شيء، ولكن الإنسان له حرية الاختيار ضمن حدود هذا القدر.
الأمثلة: مثل اختيار الإنسان بين العمل الصالح والسيئ، فالله قد قدر أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا، ولكنه ترك له حرية الاختيار بين الطاعات والمعاصي.

أهمية المسألة:

المسؤولية الفردية: فهم هذه المسألة يؤثر بشكل كبير على فهمنا للمسؤولية الفردية، وعلى كيفية تعاملنا مع أنفسنا والآخرين.
العلاقة بالله: يؤثر فهم هذه المسألة على علاقتنا بالله، وعلى كيفية رؤيتنا للعدل الإلهي.
السعادة والطمأنينة: فهم هذه المسألة يساهم في تحقيق السعادة والطمأنينة النفسية، من خلال تقبل القضاء والقدر، والعمل بجد واجتهاد في نفس الوقت.

خاتمة:

في النهاية، مسألة الجبر والاختيار هي مسألة معقدة، ولا يمكن حسمها بشكل قاطع. ولكن من المهم أن نفهم أن الله تعالى هو أعلم بكل شيء، وأن علينا أن نتوكّل عليه، وأن نعمل بجد واجتهاد في حياتنا.