مفهوم المواطنة في علاقته بتنوع الثقافة وتجارب الحياة

المواطنة لغة واصطلاحاً:

1- المواطنة لغةً:
هي مصدرٌ للفعل وَاطَنَ. وهو فعلٌ يقتضي المشاركة؛ إذ نقول: واطنَ القومَ، أي: عاش معهم في وطن واحد.
ونقول أيضاً: واطنَهُ على الأمر، أي: أضمر فعلَهُ معه، ووافقَهُ عليه.
ويُفهم من ذلك أنّ المواطنةَ تدلّ لغةً على أمرين: أوّلهما المعايشة والإقامة في مكان جغرافيّ محدّد، وثانيهما التوافق على الفعل ظاهراً وباطناً.
ويعني هذا أنّ للمواطنة وجود تاريخي قديم، لا يرتبط بطور محدّد من تاريخ الإنسان، سوى الإقامة المشتركة لجماعة ما في مكان محدد، وما ينتج عنها من أمور سلوكية وفكرية وعاطفية تُعبّر عن عيشهم المشترك، وعن خصوصيتهم المعيشية. 
أمّا المواطنة اصطلاحاً فهي انتماءٌ إلى الوطن/الدولة، ورابطةٌ بين أفراد المجتمع، تحكمُهُم منظومةٌ من القيم الثقافية والقوانين التي تنظّمُ العلاقة فيما بينهم، وتحدّدُ لهم مجالات الحقوق والواجبات على أساسٍ من المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والعملِ الحرّ والمستمرّ من أجل تحقيق الإنصاف والعدل والأمن في المجتمع.

2- ثمّة توجهان رئيسيان للمشاركة في الشأن الوطني بصفته حقاً وواجباً:
- الأوّل له صفة ممارسة المواطنة على نحو فردي، وفيه يحظّر الاعتراف بهوية أيّة جماعة مستقلة في المجال الوطني العام؛ فأيّة جماعة، لها هوية ما، يَحظى كلٌّ منها بالمواطنة التامة، على نحو فردي، لا جماعي، ويؤسّس على ذلك أنّ نيل كلّ فردٍ من الجماعة حقوقَ المواطنة يؤديّ إلى نيل هذه الجماعة مجتمعة حقوقها كاملة.
وهذا التوجّه نحو ممارسة المواطنة على نحو فرديّ تمثّله تاريخيّاً فرنسا خاصة، حيث توجد ثقافة مواطنة فرنسية، سائدة واستيعابية لكلّ المنتمين إلى فرنسا، وهي لا تقرّ لأيّة ثقافة غيرها بالتعبير عن ذاتها خارج نطاق التعبير الفردي.
- أمّا التوجه الثاني فله صفة ممارسة المواطنة على نحو جماعي، حيث يُسمح للجماعات بالممارسات الديمقراطية الجماعية التي يؤكدون بها ذاتهم سياسياً للدفاع عن هوياتهم الخاصة، وتمثل هذا التوجّه على نحو بارز الولاياتُ المتحدة الأمريكية خاصة، لكون مفهوم المواطنة عندها يقرّ بتعدد الثقافات، إذ بهذا المفهوم تُواجه تحدّيات تعدّد الأعراق، ومنهم السود، والهنود الحمر، والناطقون بالإسبانية والعربية، إضافة إلى الجماعات الدينية الإسلامية واليهودية، والحركات النسوية وغير ذلك من الألوان العنصرية واللغوية والدينية والاجتماعية.
ويؤسس على ذلك الاعتراف بحقّ الهويات الخاصة بالوجود في الفضاء الأمريكي العام، على ألا يخلّ بسيادة الأكثرية، ووحدة الدولة؛ فالتمتّع بكامل حقوق المواطنة يجب أن يكون دائماً في سياق الولاء التام للدولة التي تُمارس فيها تلك الحقوق.
وبناءً على ذلك يجب الإقرار بأنّ موضوع المواطنة ليس من الأمور المسلم بها، إذ لكلّ وَطَنٍ ثقافتُه التي ينتجها تاريخه الخاص، وما بين النموذجين: المواطنة الفردية والجماعية تنوّعٌ كثير، وتجاذبٌ جدلي فاعل، غير أنّ من المهمّ الإشارة إلى أنّ ممارسة المواطنة على نحو جماعي تتعايش مع ممارستها على نحو فردي، وهو ما نراه بارزاً في المجتمعات العربية. 

3- وتنوّع مفهوم المواطنة مؤسس على تنوّع الثقافة وتجارب الحياة.
فالثقافة الوطنية هي التي تنتج مفهومها للمواطنة، وهذا يعني أنّها ليست انتماءً جغرافياً، يقبل التجزئة، أو التقسيم إلى قطع فسيفسائية وفق الحاجات والأهواء والمتطلبات لأيّة جماعة من الجماعات المكوّنة للنسيج الاجتماعي الوطني، لكنها انتماء إلى هوية تكونت تاريخياً على أرض محددة، هي الوطن المنتمَى إليه، ولها خصوصية ذلك التكوين التاريخي، غير أنّ هذه الخصوصية قابلة للتطوير بالحذف والإضافة، وفق مستويات الوعي الوطني، وطبيعة التحديات، وخيارات المواجهة، التي تحفظ وحدة الوطن وكرامة المواطن، وتمضي به نحو حياة أفضل.
إنّ وعي مفهوم المواطنة على نحو صائب، ومؤسس على وعي تاريخي، متصل بالواقع المعيش ومستشرف للمستقبل هو من الأمور المهمّة جدّاً لتحقيق المواطنة على نحو فردي وجماعي معاً، شريطة ألا يؤدّي ذلك إلى تهديد الوحدة القانونية للوطن.
ولعلّ من أهمّ التحديات التي تواجه مفهوم المواطنة عربياً تكمن في إشكالية علاقتها بالمجتمع المدني من ناحية، وبمنظومات الولاء والانتماء من ناحية ثانية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال