80 ألف مسيحي فضلوا المقابر المغربية ليرقدوا بسلام!

رغم أن مقابر المسيحيين أحسن حالا من مقابر المسلمين، فإنها هي الأخرى مازالت مغيبة من أجندة السلطات الجماعية، وتعاني من نقص في النظافة و الصيانة، اللهم عمليات الصيانة والتبييض التي تشرف عليها الحكومة الفرنسية بمناسبة عيد الأموات في فاتح نونبر.
رغم وجود عدد هائل من قبور المسيحيين بالمغرب بسوق الأربعاء والرباط وطنجة والعرائش، حيث يعود تاريخها إلى حقبة الحماية الفرنسية الإسبانية بالمغرب، مازالت الحكومة الإسبانية لا تقيم أدنى اعتبار لموتاها المدفونين بالمغرب، تاركة قبور الآباء والأجداد تغرق في طي النسيان، مقابل جهود حثيثة للحكومة الفرنسية ظلت في منأى عن هواجس جنسيات الموتى المدفونين، حيث يمكن للزائر معاينة قبور تحمل الصليب بمحاذاة قبور مسلمين مغاربة وسينغاليين وجزائريين قاوموا إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الأولى. وإلى يومنا هذا مازالت فرنسا تخلد ذكراهم بحلول 11 نونبر، وهي مناسبة لصيانة وترميم القبور المتداعية في أجواء تحفها السكينة والمهابة ترحما على أرواح الشهداء بحضور القنصل الفرنسي وشخصيات مغربية رفيعة المستوى.
وتوجد بالمغرب 120 مقبرة للمسيحيين تضم ما بين 50 الى 80 ألف رفات تعود إلى فترة الحماية الفرنسية بالمغرب، ضمنها قبور العسكريين التي تتكفل بصيانتها وزارة قدماء المحاربين الفرنسية. وتخضع مقابر المسيحيين، وكما هو الشأن بالنسبة لمقابر المسلمين، للجماعات المحلية، من حيث الإحداث والتسيير والتسييج وإزالة الأشواك والنباتات البرية بصورة مستمرة، وتعيين أعوان للصيانة والنظافة بالمقابر وحراس مستديمين وتوفير الماء والكهرباء والسكن الوظيفي، والعمل على وقاية المقابر والمحافظة عليها، وحراسة المناطق الوقائية المحيطة بالمقابر، تنفيذا لمقتضيات ظهير 29 أبريل 1938، وكذا تشجير المناطق الوقائية المحيطة بالمقابر، باعتبارها مرفقا جماعيا عموميا، إلى جانب مصالح وزارة الأوقاف التي تلقى على عاتقها مسؤولية تدبير إشكالية استغلال وإعادة استغلال المقابر القديمة باعتبارها أملاكا حبوسية.
ورغم أن مقابر المسيحيين أحسن حالا من مقابر المسلمين، كما يقر بذلك بعض الفرنسيين الذين التقتهم »الوطن الآن«، فإنها هي الأخرى مازالت مغيبة من أجندة السلطات الجماعية، وتعاني من نقص في النظافة و الصيانة، اللهم عمليات الصيانة والتبييض التي تشرف عليها الحكومة الفرنسية بمناسبة عيد الأموات في فاتح نونبر، وكذا بمناسبة حفل arméstice الذي يقام في 11 نونبر، وعمليات الصيانة وإزالة الأعشاب في شهر ماي. كما تتكفل المندوبية السامية لقدماء المقاومين بالمغرب بجهود مماثلة في شهر أكتوبر.
وتفتقر مقابر المسيحيين للأمن وأعوان الحراسة -نموذج المقبرة الأوروبية بالرباط التي تفتقر لحارس- وهو ما جعل العديد من أبواب القباب (أي القبور العائلية التي على هيئة قبة) تتعرض إلى عمليات السطو، ناهيك عن سرقة لوحات القبور ونبش القبور (نبش قبر اليوطي بأكادير). كما أن بعض مقابر المسيحيين تفتقد للكهرباء وللسكن الوظيفي الخاص بالمحافظ (نموذج المقبرة الأوروبية بمكناس، حيث ما فتئ يطالب بلدية مكناس بإخلاء السكن الوظيفي الذي تحتله إحدى المتقاعدات).
يعين محافظ مقابر المسيحيين من طرف رئيس المجلس الجماعي من بين أعوان الجماعة، وتعهد إليه مسؤوليات الإشراف على تصميم المقبرة وسجلات خاصة بدفن الجثث واستخراجها من القبورونقلها، كما يضع جذاذة خاصة بكل شخص متوفى دفن بالمقبرة تحمل نفس الرقم الذي يحمله القبر المدفون فيه، وتتضمن هذه الجذاذة اسم ونسب الشخص المتوفى، عنوانه قيد حايته، تاريخ دفنه، تاريخ استخراج الجثة ونقله خارج المقبرة إذا حصل ذلك. كما يمسك المحافظ رخص الدفن ورخص استخراج الجثث ونقلها المسلمة إليه من طرف مصلحة الحالة المدنية. كما يسهر المحافظ تحت مراقبة رئيس المكتب الجماعي لحفظ الصحة على تنفيذ كل التدابير الخاصة بشرطة المقابر وبالمحافظة عليها وصيانتها.
احترام المدافن
مدافن المسيحيين مع ذلك تحظى برضى الزوار، ومنهم ألبير أورتيكا الذي زار قبور أقربائه بمكناس، والتي تعود إلى 55 سنة، مبديا الكثير من الارتياح والسرور لرؤية قبورهم في حالة جيدة، بينما بعض الزوار المسيحيين بمقبرة المسيحيين بالرباط لم يكادوا يصدقوا ما رأته أعينهم بعد 50 سنة، حسب ما ذكره لـ»الوطن« الآن المعطي محافظ مقبرة المسيحيين بالرباط الذي بلغ من السن عتيا، بل إن من المسيحيين المقيمين بأوروبا أو بالمغرب من أوصوا بدفنهم بمقابر المغرب داخل القبور العائلية (القبو)، وآخرون متقاعدون أوصوا بدفنهم بالمغرب رغم وجود عائلاتهم بأوروبا، وهم يفاضلون بين مقابر آبائهم وأجدادهم بالمغرب على نظيراتها بالجزائر التي تتعرض للتخريب من طرف المتطرفين.
تكاليف الدفن
يستفيد المسيحيون من امتيازات الدفن بالمقابر مقابل أداء مبلغ يقدر بـ 1000 درهم بالنسبة للامتياز المؤبد الخاص بقبر واحد. أما الامتياز المؤقت من 10 إلى 50 سنة، فيقدر بـ 800 درهم، يجدد العقد بعدها مع المصالح البلدية. وحسب إفادة صباح فاضل، رئيس مصلحة الحالة المدنية بمكناس، فإن نسبة قليلة من المسيحيين هي التي تلتزم بتجديد العقد، مما يحرم البلدية من مداخيل مهمة. ويستفيد بعض المسيحيين الذين يتوفرون على قبور عائلية (القبو يضم من 2 إلى 12 مدفنا) مقابل أداء مبلغ 4000 درهم للبلدية التي تخضع المقبرة الأوروبية لنفوذها الترابي. ولا يجوز الدفن في المدافن العائلية إلا في تابوت تحدد مواصفاته بمقتضى قرار لرئيس المجلس البلدي أو القروي. وتحدد المسافة بين مدفن عائلي وآخر في 80 سنتيمتر، كما يخضع أيضا حفر القبور ودفن الأموات بالمقابر لأداء الرسوم التالية: 100 درهم بالنسبة للأطفال الذين يقل سنهم عن سنة، و150 درهم ما بين سنة فما فوق.
أما تكلفة استخراج الجثث، فتختلف حسب القرارات الجبائية المتخذة من طرف المجالس المنتخبة، حيث تصل إلى 1000 درهم بالرباط، بينما لا تتعدى 50 درهما بمناطق أخرى بعد الحصول على إذن مسبق من رئيس المجلس الجماعي. ولا يباشر استخراج الجثث إلا بعد ثلاث سنوات من تاريخ الدفن إذا كان وراء الوفاة أمراض الجمرة والكوليرا والبرص والطاعون والكزاز والآكلة الطفحية. كما أنه لا يباشر إلا بعد سنة من تاريخ الدفن إذا تمت الوفاة بسبب أمراض الحمى الصفراء، داء السل، التهاب السحايا، السيدا.. حسب قرار وزير الصحة العمومية رقم 96,310 الصادر في 23 فبراير .1996 ولا يؤذن بإخراج الجثة من القبر أو نقلها إلا إذا وضعت في تابوت محكم الإغلاق، بالإضافة إلى الحصول على رخصة بدفن الجثة تسلمها السلطة المختصة لمكان الدفن النهائي، وضرورة معاينة عميد الشرطة المختص أو من ينوب عنه عملية إخراج الجثة ووضع خاتمه على التابوت. وتباشر عمليات دفن واستخراج الجثث من طرف شركات خاصة تتعاقد معها البلديات تخضع لنظام خاص بإخراج الجثث يحدد نوع الألبسة وكيفية تنظيفها ونوع التابوت الذي توضع فيه (المرسوم رقم 68,987).
إعداد: هشام ناصر
أحدث أقدم

نموذج الاتصال