الأزمة الكروية بين مصر والجزائر وحروبها الإعلامية الطاحنة.. زيارة مبارك وعودة الحد الادنى من التضامن العربي على اسس الموقف الوطني الصحيح

إقدام الرئيس المصري حسني مبارك على زيارة الجزائر لتعزية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بوفاة شقيقه خطوة ذكية من حيث توقيتها والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها، على صعيد ازالة التوتر الذي اصاب العلاقات بين البلدين اثناء الازمة الكروية، وما شابها من حروب اعلامية طاحنة، ومؤسفة، في الوقت نفسه.

هذه المبادرة التي جاءت من قبل الرئيس مبارك، وهو الأكبر سناً، ستعجل في طي صفحة الخلافات بين البلدين، وربما بدء صفحة جديدة تقوم على اساس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وايقاف كل الممارسات الانتقامية او الثأرية التي اتخذت في ساعة الغضب والانفعال اثناء الازمة الكروية.

وربما يفيد التذكير بأن الرئيس الجزائري بوتفليقة طار الى القاهرة في صحبة الزعيم الليبي معمر القذافي، لمواساة الرئيس المصري وتعزيته في وفاة حفيده، والتأكيد في الوقت نفسه على عدم دعم الحكومة الجزائرية للمرشح الجزائري لانتخابات رئيس اليونسكو، ودعمها للمرشح المصري فاروق حسني وزير الثقافة، وتبرير اي سوء فهم لدى الجانب المصري حول هذه المسألة.

كنا نتمنى لو جاءت هذه المبادرة في وقت مبكر، ولكن ان تأتي متأخرة بعض الشيء افضل من ان لا تأتي ابداً. ولعل الجانب الجزائري يرد عليها بايجابية، ويوقف بعض الاجراءات التي استهدفت مصالح اقتصادية مصرية في الجزائر، وبما يعيد العلاقات الى صورتها السابقة.

ولا بد من الاعتراف بأن مصر بحاجة الى 'مبادرات مصالحة' مماثلة مع أكثر من طرف عربي وأفريقي، حيث تتعرض علاقاتها للتوتر مع دول مثل سورية والسودان، وبدرجة أقل تونس، ناهيك عن أزمتها المتفاقمة مع حركة المقاومة الاسلامية 'حماس' على ارضية وثيقة المصالحة الفلسطينية، وتشديد الحصار من الجانب المصري على قطاع غزة.

فمصر تواجه حالياً اخطاراً عديدة، تحتم عليها كسب اكبر قدر ممكن من الاصدقاء، وتحييد الكثير من الأعداء او تقليص اخطارهم على الأقل.

ومن ابرز هذه الأخطار تكتل دول منابع النيل ضدها، وتوقيع اتفاقات مشتركة تحاول تقليص حصتي مصر والسودان من مياه النيل.

والجزائر تستطيع ان تلعب دوراً كبيراً لمساعدة مصر في هذا الملف، بحكم ثقلها الافريقي وعلاقاتها الطيبة مع معظم دول افريقيا، وخاصة اثيوبيا، حيث تأتي الغالبية الساحقة من مياه النيل.

ان في هذا اللقاء الأخوي بين الرئيسين مبارك وبوتفليقة درساً بليغاً لأجهزة الاعلام وبعض الاقلام الموتورة في البلدين التي صبت الزيت الكثير على نيران الازمة الكروية لزيادتها اشتعالاً.

كما انه درس لبعض الفنانين المصريين الذين دخلوا الى ارض المعركة الوهمية بطرق استفزازية ساذجة للطعن بروابط الاخوة والانتماء العربي المشترك، والتهجم على الشعب الجزائري الشقيق.

لا نعرف ماذا سيقول هؤلاء الذين تفننوا في التحريض والإساءات، وهم يرون الرئيس مبارك يحط بطائرته في مطار الجزائر معانقاً نظيره الجزائري في لحظة تعاطف اخوية صادقة، ولكن ما نعرفه انهم سيشعرون حتماً بالخجل من أنفسهم، ويندمون على تصرفاتهم او هكذا نأمل، وان كان البعض يعتقد ان هؤلاء ليسوا من الصنف الذي يخجل او يندم.

عندما طالبنا في هذه الصحيفة الرئيس الجزائري باعتباره الاصغر سناً بالقيام بمبادرة تجاه نظيره المصري لتطويق الازمة، تعرضنا للكثير من اللوم والتقريع بل والتهجم من قبل بعض الاخوة في الجزائر في ذروة انفعالهم وغضبهم اثناء الازمة.

ولكن ما دفعنا الى ذلك هو الحرص على الجزائر ومصر معاً، وروابط الدم التي تربط بين البلدين، وليس هنا المكان لتعدادها والتذكير بها.

نحن مع المصالحة العربية العربية، وعودة الحد الادنى من التضامن العربي على اسس الموقف الوطني الصحيح، ودعم قضايا الامة، وتعزيز روابط الاخوة والمصالح المشتركة، ولهذا لا نتردد في الترحيب بخطوة الرئيس مبارك هذه، رغم خلافنا مع سياساته في قضايا عديدة، ونتطلع الى تجاوب الجانب الجزائري معها في أسرع وقت ممكن.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال