تجري الاستعدادات على قدم وساق لعقد المؤتمر التأسيسي لجمعية المدونين المغاربة المزمع عقده خلال شهر أبريل القادم، وفي هذا الإطار عقدت اللجنة التحضيرية مؤخرا اجتماعا لها بالمعهد الوطني للشباب والديمقراطية بالرباط للنقاش حول آخر المستجدات التنظيمية والقانونية لتأسيس هذه الجمعية
المدونات الإلكترونية ظاهرة حديثة لم تظهر في المغرب إلا في السنوات الأخيرة، وكان أول ظهور لها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، حيث كانت تستعمل لتسجيل اليوميات والآراء الشخصية وعرض الصور الخاصة، ثم بدأت تتطور إلى أن أصبحت تتناول مواضيع تتعلق بالشأن العام والقضايا الوطنية والدولية، وغيرها من المواضيع الاجتماعية والثقافية والرياضية.
وتشكل المدونات ثورة إلكترونية على شبكة الإنترنيت، ويتزايد عليها الإقبال يوما عن آخر، خاصة أنها لا تتطلب إجراءات إدارية أو قانونية أو تكاليف مادية من أجل إحداثها.
المدونون وصناعة القرار
على الرغم من أن عدد المدونات لا يكاد يتجاوز في المغرب حوالي 30 ألف مدونة، فإن عدد من المدونين المغاربة يرون أن هذه الظاهرة مازالت في مرحلة جنينية تبحث لنفسها عن مكان داخل المشهد الإعلامي والسياسي. فهناك من المدونات من يتناول قضايا شخصية، في حين أن مدونين آخرين بدؤوا في التطرق إلى القضايا السياسية والاجتماعية الثقافية وتدبير الشأن العام ببلادنا.
ولم تبرز المدونات على واجهة الأحداث السياسية إلا في السنوات الأخيرة، وعلى إثر نشر المدون رشيد جنكاري في مدونته لوثائق تهم رحلة السفر الباهظة الثمن للكاتب العام لوزارة الشؤون الاقتصادية والعامة، حيث انتقل صدى هذا الموضوع إلى الصحافة المكتوبة، مما دفع بالوزير رشيد الطالبي العلمي آنذاك إلى إعفاء الكاتب العام من مهامه، بالإضافة إلى اعتقال المدون محمد الراجي وإطلاق سراحه في ما بعد، وأخيرا محاكمة المدون حسن برهون الذي ينشط ضمن إطار شبكة «صحفيون بلا قيود» ويمارس نشاطه ضمن موقع يوتوب على شبكة الإنترنيت.
غير أنه بالرغم من ذلك يرى عدد من المدونين أن المدونات غير قادرة على التأثير في صنع القرار، بسبب وجود عوائق موضوعية وذاتية. وفي هذا الإطار يرى المدون سعيد احجيوج أن أكثر من 80 في المائة من المدونات المغربية هي مواقع شخصية لا يتجاوز محتواها تفاصيل حياتهم وارتباطاتهم العائلية وقصص الحب وأخبار الممثلين، وأن 20 في المائة المتبقية نصفها مدونات متخصصة في الموضوعات التقنية كالاتصالات والإنترنيت. ويرى سعيد احجيوج أن 10 في المائة هي مدونات جادة تقدم محتوى هادفا في مجالات الثقافة والآداب.
الشباب وثورة التدوين
ويضيف المدون سعيد احجيوج أن عددا كبيرا من المدونين المغاربة شباب دون سن الثلاثين، وأغلبهم بعيدون عن مصادر الخبر، وبالتالي لا يمكنهم التأثير في صنع القرار.
غير أن مدونا آخر يرى أن معظم الثورات في العالم كان من ورائها شباب، وحتى عريضة المطالبة بوثيقة الاستقلال ببلادنا ثلثا موقعيها كانوا شبابا. ويضيف هذا المدون أن صغر السن ليس عائقا أمام تأثير المدونات في صناعة القرار، ويعتبر أن الشباب هم الذين أحدثوا هذه المدونات، وكل واحد منهم يستعملها وفقا لخلفياته التي ينطلق منها.
في حين يوضح مدون آخر أن المتابعات القضائية التي طالت بعض المدونين المغاربة، كمحمد الراجي مثلا، لا تشجع هؤلاء الشباب على الاشتغال في واضحة النهار، وبالتالي يلجؤون إلى استعمال أسماء مستعارة لنشر عدد من المقالات أو التعليق على أحداث معينة، أو هي مدونات تعبر عن أفكار أو تروج لنشاط تنظيمات محظورة وغير معترف بها من طرف السلطات العمومية، وبالتالي تصبح هذه المدونات فضاء أو ناطقا غير معلن لهذه الإطارات المحظورة.
غير أن السؤال المطروح هو: هل يمكن أن تصبح المدونات قوة مؤثرة في صنع القرار، خاصة في ظل الفراغ السياسي الذي يعيشه المغرب وتراجع قوة وشعبية الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وتقاعس المجتمع المدني؟
هذا السؤال يجيب عنه أحد المدونين بالقول إن العديد من المدونات جاءت بناء على رغبة ذاتية من أصحابها، إما لأنهم لم يجدوا فرصة للنشر في الصحافة المكتوبة، أو ضاقت بهم السبل ولم يعثروا عن مساحة من الحرية في التعبير عن ارائهم، وبالتالي تم اللجوء إلى أسلوب الكتابة بالمدونات وبواسطة الأسماء المستعارة خوفا من المتابعات القضائية.
في حين يرى مدون آخر أنه في ظل التشرذم الذي يعيشه المدونون المغاربة يصعب أن يتبلور شعور جماعي بضرورة التأثير في صنع القرار، بسبب غياب تصور واضح لدى المدونين المغاربة. إلا أن بعض المدونين يجزمون بأن التأثير في صنع القرار لن يكون فاعلا في المجال الافتراضي ولن يتحقق إلا عن الطريق الجرأة والنزول إلى الشوارع وليس بمجرد الكتابة في المدونات.
وتبقى العوامل الموضوعية والمرتبطة بنسبة الأمية ببلادنا ومحدودية انتشار الأنترنيت من أهم العوائق في تأثير المدونات في صناعة القرار بالمغرب.
حدود المدونات
غير أن هناك اختلاطا ما بين المدونات والصحافة الإلكترونية، بالنظر لأوجه التشابه الموجود بين الطرفين، في حين يرى عدد من الفاعلين الإعلاميين أن المدونات تصنف طبقا لما تحتويه من مضامين، فإذا كانت تضم آراء و يوميات وصورا خاصة، فهي مدونات شخصية، أما إذا كانت تحتوي على أخبار وتحقيقات واستطلاعات فهي تندرج ضمن الصحافة الإلكترونية.
وكي تصبح المدونة صحيفة إلكترونية يشترط بعض الإعلاميين عددا من الشروط، منها أن يكون صاحب المدونة صحفيا مهنيا يعيش بناء على موارد هذا العمل، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون شخصا ذاتيا أو معنويا هويته واضحة له عنوان واضح، وأن يتم العمل على تحديث هذه المدونة بشكل مستمر، وأن يحترم قواعد العمل الصحفي.
طارق الشعرة
التسميات
تواصل