الصراع في تربية الأبناء والتضحية بحياتهم.. تربية الأبناء مسؤولية مشتركة

تربية الأبناء مسؤولية كبيرة سوف يسأل عنها الوالدان يوم القيامة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} ([1]).

وهذه المسؤولية لا بد أن تؤدي بحكمة وروية بعيداً عن المزاحمة والمنافسة والصراع, فإن هناك بعض الآباء يتخذون من أولادهم مادة وحلبة للصراع, فيتنافس الزوجان على تربية الأولاد، كل حسب رغباته وفكره ونزواته، وهذا يعد من أسباب الخلاف بين الزوجين، ويحار الأولاد بين من يتخذ القرار في المنزل، وهو ما يسمّى في علم الاجتماع "صراع الأدوار بين الزوجين".

ولقد قال علماء الاجتماع إن أكثر الأزواج عرضة للتنازع على سلطة أخذ القرار في الحياة الزوجية هم:

- الزوجة المتسلطة والزوج المتسلط في منزل واحد حيث لا يمكن لأحدهما أن يتنازل عن رأيه.
فكيف نظن بالأبناء خيراً -- إذا نشئوا بحضن الجاهلات؟!
وهل يرجى لأطفال كمال -- إذا ارتضعوا ثديَّ الناقصات؟!

- اختلاف البيئة الأسرية بين الزوجين أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين بينما يكون الرجل من بيئة أسرية تربى فيها على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح).

- التفاوت الطبقي والثقافي بين الزوجين: عندما تكون الزوجة أغنى من الرجل أو من طبقة اجتماعية أعلى والعكس صحيح.

- عدم الانسجام الفكري وعدم النضج العاطفي والعقلي المتبادل بين الزوجين.
- النقص المعرفي في الحقوق والواجبات الشرعية بين الرجل والمرأة.

- فقدان الثقة المتبادلة بين الزوجين (الثقة هنا فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ القرارات السليمة).
- إصابة أحد الزوجين بأمراض نفسية واضطرابات سلوكية (مثال البارانويا، العدوانية، النرجسية).

وإذا ما حدث صراع بين الزوجين على تربية الأبناء فلا بد من تقريب وجهات النظر وذلك بأن يسعى لفهم وجهة نظر الآخر واحترامها وتقبلها.

ويعرفان أن مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية مشتركة وقد تكون وظيفة الأم أكبر من وظيفة الأب في مرحلة معينة أو في ظروف خاصة وقد تكون وظيفة الأب أكبر من وظيفة الأم في مراحل معينة أو في ظروف خاصة، والمهم أن يتفق الزوجان على سياسة تربوية موحدة يعتمدونها في تربية الأبناء تفادياً لنشوء خلافات زوجية حول هذا الموضوع.

والمشاورة مطلوبة من قبل الشريكين، الزوجة من زوجها والزوج من زوجته، ولن تنقص قيمة أحد منهما أو كرامته أو رجولته -كما يظن البعض- إن هو أخذ بمشورة الآخر.

ويجب أن نبيّن أن المشورة لا تعني الأمر ولا تعني الفرض، يعني إذا تم التشاور بين الزوجين ثم قرر الزوج خلافاً لما أشارت إليه الزوجة فإن ذلك لا يعني شماتة أو نقص بثقة الآخر ولا يصح لها أن تغضب، ويمكنها طلب توضيح ذلك فقط دون ممارسة الضغط النفسي أوالمعاتبة.

وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه استشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر، ففي من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية وفيها: «قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات.

فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً».

وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة‏،‏ من شرعية استشارة النساء‏،‏ فقال‏:‏ "إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة‏،‏ ولكنه أحبّ أن يقتدي الناس في ذلك‏،‏ وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء"‏. ([2]).
فيا أيها الزوجان لا تجعلا الأبناء مادة للصراع، لأن الضحية في النهاية هم الأبناء.
ولله در القائل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه -- من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له -- أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً

([1]) متفق عليه.
([2]) رواه البخاري برقم (1566).
بدر عبدالحميد هميسة
أحدث أقدم

نموذج الاتصال