صرف ملايير الدولارات على لاعبين ذوي الأقدام الذهبية العاجزة عن اسعاد ملايين المهووسين بالأيقونات الكروية

أحصى بعضهم نحو مليار دولار لعشرين قدماً ركضت، ناورت، سددت، بلا نتيجة تذكر في مونديال هذا العام! هل هذا سبب فشل تلك الأقدام الذهبية في اسعاد ملايين المهووسين بالأيقونات الكروية، خصوصاً، وملايين المحبين للعبة الأكثر شعبية في العالم عموماً؟
ربما.
كتبت، في هذه الزاوية من قبل، عن المعبود والشيطان. كيف يكون اللاعب معبوداً للمؤمنين بقدمه السحرية وكيف ينقلب شيطاناً في رفة رمش.
ولكني كتبت أيضا عن الذين جاؤوا الى المستطيل الأخضر مثقلين باسمائهم وعقودهم و'أسعارهم' الفلكية. ما حصل، قبل يومين من انتهاء 'حرب العالم الكروية' في جنوب افريقيا، أكد ذلك. فقد تحوَّل العشب الأخضر مقصلة لتلك الأقدام الذهبية. هناك لعنة، أو ما يشبهها، أحاقت بالأقدام التي اعتادت هزَّ الشباك. ثمة إعاقة حصلت للطلاقة والمهارة. لم يكن مونديال هذا العالم للنجوم والأيقونات بل للفريق. للعمل الجماعي. للجسد الواحد المنقسم الى أحد عشر. هكذا رأينا الأبطال يخرجون من الملعب جارين وراءهم أذيال الفشل. هناك من خرج منكس الرأس، هناك من بكى، هناك من دفعته الهزيمة إلى البصق على الجمهور الذي يتراءى له في عين الكاميرا.
أيقونات اللعبة فشلوا في امتحان بوسع العالم: كاكا، ميسي، روني، ريبيري، توريس، رونالدو (وغيرهم أقل بريقاً) لم يقدموا عروضا تليق بمستواهم المعهود. شيء ما شلهَّم وعطل سحريتهم.
لمناسبة 'المونديال' بثت فضائية عربية فيلما امريكيا (قد يكون بريطانيا، لست متأكداً) بعنوان (goal) يتحدث عن لاعب أمريكي من أصل مكسيكي يحلم باللعب مع فريق 'نيو كاسل' الانكليزي. يأتي اللاعب اللاتيني الشاب المولع بالكرة الى المدينة الانكليزية الشمالية الباردة المضببة فيواجهه الطقس السيئ واللغة العسيرة على الفهم والموقف المسبق من زملائه اللاعبين. المفارقات التي يصادفها ليست هي المهمة، هنا، بل الحياة التي يحياها نجوم كرة القدم.
تطلب منه الممرضة التي تخضعه لفحص طبي بغية انضمامه الى الفريق أن يبقى كما هو، فلم يفهم. لكنه سيفهم ذلك عندما يدخل حياة نجوم كرة القدم حيث يتحول أبناء الأحياء الفقيرة المعدمة الى مليونيرية. من الضنك الى الرفاه والبذخ، ومن 'المقانق' السوداء المشحمة الى الكافيار والشامبانيا. الامثولة التي تعنيني، هنا، هي الانقلاب الشامل في حياة نجم كرة القدم. يقدم الفيلم، ذو الحبكة البسيطة، لمحة عن هذا الانقلاب: الشهرة، المال، السهر، الشرب، النساء، ثم الغرور، فثقل القدم وترنحها امام الشِباك.
لا نحتاج الى فيلم سينمائي لنعرف ذلك. فهناك أمثلة كثيرة على ذلك الانقلاب الدراماتيكي الذي يعرفه نجم كرة القدم. يكفي أن نتذكر 'مارادونا' الذي لم يستطع التوازن مع العالم الجديد الذي انتقل اليه فجأة، فأغرق نفسه بالمخدرات والسهر والنساء..واللعب خارج الملعب.
إخفاق نجوم كرة القدم في التسجيل، أو اللعب الممتع، لا يتعلق، فقط، بالأجور الفلكية التي تدفعها النوادي لهؤلاء اللاعبين، ولا بعشرات ملايين الدولارات التي تدرها عليهم عائدات الاعلان والظهور في المناسبات العامة وارتداء الماركات الرياضية بل الى حجم التوقع ايضاً. فجمهور كرة القدم يتوقع اداء بحجم الاسطورة التي صار عليها لاعبهم المفضل. هذا الضغط الهائل مربك ومقيد. هناك، ايضاً، ما يمكن أن نصفه بـ'الآمال الوطنية' التي يعلقها عليهم، في مناسبات كروية كبيرة، مواطنوهم. فارتداء الرموز الوطنية (علم البلاد او شعارها) يترتب عليه 'واجب وطني' و'آمال وطنية'، تماماً، مثلما تترتب على الجندي في ساحة المعركة. فالهزيمة في المستطيل الاخضر، في نظر القطاع الأوسع من جمهور كرة القدم، هي هزيمة في الميدان. كرامة البلاد، عزتها، يجري تعليقهما في أقدام اللاعبين فتشلّهم. هذه استحقاقات تأتي من خارج الملعب لكنها تمارس تأثيرها عليه.
لحسن حظ نجوم كرة القدم ان جمهور كأس العالم ليس جمهورهم. انه يضم خليطاً من جماهير فرق ولاعبين آخرين. جمهور لاعبي كرة القدم هو جمهور نوادٍ. جمهور النادي مختلف عن جمهور المناسبات الكروية الكبيرة، انه قاعدة 'المؤمنين' الحصرية، 'الشعب المخلص والوفي' لبطله ومعبوده، والى هؤلاء يعود اللاعب بعد ان تنطوي اعلام المونديال. العجيب ان اللاعب العائد خائباً من كأس العالم يستعيد سحريته مرة اخرى ما ان يعود الى فريقه وناديه و'مؤمنيه' الذين لا يبدلّون معبوداً بمعبود آخر. هذا هو قانون اللعبة. هذه هي قاعدتها، واليهما يعود اللاعب ما لم تختطفه ملايين 'قناصي' الهدافين.
أمجد ناصر
أحدث أقدم

نموذج الاتصال