مقتدى الصدر ومحو الذاكرة العراقية.. قتل عبد المجيد الخوئي وإرهاب عصابات جيش المهدي

يبدو أن البعض راح يراهن على استغفالنا، أو يحاول محو الذاكرة العراقية التي لا زالت فيها الحوادث طرية، كي يخلط الاوراق تمهيدا للدخول الى مزاد المناصب الحكومية، والتحالفات الفاشلة التي راج سوقها في العراق هذه الايام، مرتدين جلابيب الزهد والتواضع الذي تلوح من ورائه حقيقة أخرى مختلفة تماما عما يدعون ويعملون، لذلك لا غرابة أن نسمع اليوم اصواتا تلهج بالوطنية وتدعو لسيادة قيم الفضيلة والشرف، ولا زالت في أعناقهم حرمة دماء بريئة أهدرت وثروات عامة نهبت، وأعراض محصنة انتهكت، ووطن كانت خريطته الجغرافية والسياسية والاجتماعية موحدة فمزقت. أنه تعطش لاأخلاقي الى ولوج كل مسارات الانتهازية التي أبتدأت لديهم منذ أن باعوا الوطن والمواطن، وسطروا التقارير الملوثة بالزيف والعار كي يعطوا الذريعة الكاذبة لدول ضالة كي تغزو بلادهم، وتهدم صروحا بنيت من قبل الاف الاجيال، في سبيل أن يتربعوا على عرش السلطة التي أمسكوا بتلابيبها منذ سبع سنوات، وما زالت تقطر من جوانبها دماء الابرياء، ويستغيث من جورها ملايين العراقيين.
وأذا كان المشهد مضحكا حقا ونحن نرى أقطاب العملية السياسية قد تبادلوا المواقع، وانتقل البعض منهم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وطلق البعض حلفاء الامس محليين أو اقليميين أو دوليين ليرتمي في أحضان أعداء الامس، أو يهدد أحدهم بكشف كل أسرار العملية السياسية، ويعيب الدور الايراني فيها كما فعل مستشار الامن القومي موفق الربيعي، منزها نفسه عن كل فعل، فإن المضحك أكثر هو أن يتخفى السيد مقتدى الصدر تحت غبار معركة تشكيل الحكومة العتيدة، متخذا منها سترا له يغطي به أفعال (جيشه) التي ندى لها الجبين، والتي خلفت مشاهد مروعة فاقت ما فعله هولاكو، ليخرج علينا الآن بمواقف وكلمات معسولة يزايد بها على الوطنيين في وطنيتهم، ويضع خطوطه الحمر على هذا وذاك من أبناء العراق كيفما يشاء، وكأن العراق ملك له يديره من قم أو من طهران، ومتوهما بأن وجوده في سورية أو استقباله من قبل القادة الاتراك قد صنع منه قائدا مبجلا، أو أن مصافحته أياد علاوي ولقاءه به قد أسبغ عليه هالة البراءة من الدم العراقي الطهور.
لقد اختط السيد مقتدى الصدر طريقا سياسيا مزدوجا له من البداية، فترك حيرة كبرى في تحديد موقفه من الغزو والاحتلال والعملية السياسية. فمن جهة يضع كل طاقاته ضد الوجود الامريكي ويدعو أتباعه الى المقاومة المسلحة، ثم يظهر أتباعه وهم يبيعون أسلحتهم الى المحتل مقابل بضع دولارات في صفقة تمت بينهم وبين الامريكان بعد محاصرتهم في النجف وبغداد ومناطق أخرى. ثم يدعم المقاومة المسلحة في الفلوجة ويمدهم بالرجال ويدعو للتحالف مع من يسميهم (أحباءه السنة) في مقاومتهم للمحتل، ليعود فينقلب على كل ذلك فتتوجه فوهات (هاونات) جيشه التي نصبت في مشاتل حي الحرية لتدك بيوت الناس الآمنين في أحياء العدل والجامعة والغزالية والخضراء، وتقتحم عناصره أحياء العامرية والجهاد والفضل والاعظمية وغيرها، فتقتل من تقتل وتغيب من تشاء وتبتز الناس على اساس طائفي بحت. ومن جهة أخرى يدخل في نزاع مسلح مع قوات الحكومة وحلفائه المجلس الاعلى وقوات بدر، وفي ذروة المعركة يدعو مقاتليه الى رفع المظاهر المسلحة والانسحاب من الشوارع والعودة الى منازلهم، ثم يخرج ليعلن اعتزاله وانصرافه الى الدرس والتحصيل الفقهي ويعترف بعدم مقدرته على أخراج قوات الاحتلال، ليعود بعدها مهددا بفتح معركة طويلة حتى التحرير.
أن المواقف المتناقضة التي اتخذها السيد مقتدى الصدر، إنما تؤشر الى خلل واضح في الاهداف والتوجهات وعجز تام عن فهم الواقع بصورة علمية، وقد تعطلت بسبب هذا القصور في الفهم طاقات كبيرة لشريحة إجتماعية واسعة اتخذوا من السيد مقتدى رمزا لهم، لكنه عجز عن قيادتهم وفق أهداف واضحة المعالم. وقد راهن الكثيرون على وصول هذه القيادة الى مرحلة البلوغ وترك المراهقة السياسية، لكن يبدو أن القوى الاقليمية التي يستند عليها في حركته السياسية لا زالت لا تريد له ذلك، لذلك جاءت تصريحاتهم على لسانه عندما ادعى بأن لديه فيتو على المحتل وعلى جماهير حزب البعث العربي الاشتراكي، فإذا كان يدعي بأنه قائد سياسي جماهيري فكيف يساوي بين المحتل وبين البعثيين الذين دفعوا من دمائهم الكثير حتى هذه اللحظة، وكيف له أن يتحدث باسم العراقيين جميعا فيهمش هذا ويمنع ذاك من ممارسة دوره الوطني؟ وهو الذي يشكو ظلما قد وقع عليه وعلى أنصاره من قبل ظالم هو من رفع مقداره ووضعه على عرش السلطة بتصويته له؟
إن الفيتو الذي يضعه السيد الصدر على حزب البعث وجماهيره ليس هو من يقرره، بل الشعب هو الذي يقرره، ولا نعتقد بأن الشعب العراقي قد أوكل الى السيد الصدر القيام بهذا الدور، لان الاربعين مقعدا التي حصل عليها تياره لا يمكن القياس عليها في ظل الظروف غير الطبيعية التي يمر بها العراق الان، ولايمكن أن تمثل جميع آراء الشعب العراقي. وإذا كان لا زال يعاني من عقد الماضي ويحاول إسقاطها على الآخرين فحري به ان يعلم جيدا بان من يقيم عندهم الان هم الذين تلطخت أيديهم بدماء والده الذي دعمته القيادة الشرعية العراقية، كي يتبوأ المرجعية العليا في النجف ليقين القيادة بأنه عربي الاصل، وأن المرجعية يجب أن تعود عربية بعد أن حاول الايرانيون السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة منهجهم السياسي، ولانه قد تعاون مع القيادة السياسية في ذلك الوقت في هذا المجال فقد تم اغتياله من قبلهم لقطع الطريق على وصول أي عنصر عربي الى هذا المركز الديني.
إن من المؤسف حقا أن يسقط السيد مقتدى الصدر في اللعبة الايرانية فيراهنون عليه ويضعون على لسانه أقوالهم، بعد أن خبا وهج حليفهم الاستراتيجي السابق (المجلس الاعلى) وهو ما يؤكده السيد جواد الخوئي، نجل أكبر مرجع في تاريخ الشيعة وهو أبو القاسم الخوئي حين يقول إن (الدعم الذي تقدمه المؤسسات الايرانية للاحزاب الشيعية العراقية يتوقف على الظروف والوقت وطبيعة ما هو مطلوب من كل حزب، واذا سألتني من هو الاكثر قربا في الظروف الحالية لايران، فسأقول وبلا تردد هو التيار الصدري، لكونه يشغل قوة سياسية مرحلية قد تستفيد منها ايران). كما أن القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى رضا جواد تقي يقول إن (من نستطيع تسميته بالفتى المدلل لدى أيران اليوم هو التيار الصدري)، وعلى هذا الاساس جرت دعوة السيد مقتدى الصدر الى تركيا سابقا والى سورية لاحقا لكونه يمثل الدور الايراني الجديد في العراق، وكذلك جرت دعوة السيد أياد علاوي كونه يمثل الرغبة الامريكية والغربية في العراق، فكان لقاؤهم المشترك في دمشق محاولة لفك شفرة الخلاف بين ايران وأمريكا من خلال التقريب بينهم، ودعم أحدهم للآخر في تشكيل حكومة يتم التوافق عليها بين القوتين الدولية والاقليمية تمهيدا لحلحلة ملفات أخرى بين الطرفين.
إن من يدعي تصديه لتحرير الوطن، ورأب الصدع الذي أصاب نسيجه الاجتماعي، وطموحه في تحقيق حياة حرة كريمة لابنائه، عليه أن يتخلى عن أحقاده الماضية وأن لا ينصب نفسه حاكما ظالما يقبل هذا ويمنع ذاك، لان القبول والرفض ليسا بيد من هب ودب، بل ان الشعب هو الحكم العادل، وعليه قبل كل شيء أن ينقد نفسه ويستنكر أفعاله قبل أن يضع الحد على الآخرين، فالوطن ليس ملكا لاحد بل هو ملك الجميع.
د. مثنى عبدالله

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال