عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. ([1])."..
وإذا كان الصدق مطلوباً على كل حال فإنه آكد وأولى في الحياة الزوجية.
فالحياة الزوجية التي تقوم على الكذب والخداع لاشك أنها ستنهار سريعا وسيصبح الوالدان قدوة سيئة للأبناء.
روى عبد الله بن عامر رضي الله عنه انه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا و أنا صبي.
قال: فذهبت أخرج لألعب.
فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطيك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه؟"
قالت: أعطيه تمرا.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة" ([2]).
فالصدق والوضوح والصراحة لا بد أن يكونوا من أركان الحياة الزوجية فرب كذبة من أحد الزوجين تجعله يفقد الثقة في الآخر طوال العمر.
قال الشاعر:
عود لسانك قول الصدق تحظ به -- إن اللسان لما عودت معتادُ
والصدق لا يكون في الأقوال وفقط؛ إنما يكون في الأقوال والأفعال والمشاعر.
فعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: "جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله إني على ضرة فهل علي جناح أن أتشبع من زوجي بما لم يعطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"([3]).
فقد حذر النبي صلى اله عليه وسلم هذه المرأة التي أرادت أن تكذب على ضُرتها وتدعي أن زوجها أعطاها وخصها بأشياء وهو لم يعطها . فشبه النبي صلى اله عليه وسلم ذلك بمن يلبس ثوبين من الزور والكذب والبهتان.
وأما ما ورد من الرخصة في الكذب بين الزوجين كما روى من حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت: "رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث: في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وقول الرجل لامرأته. (وفي رواية): وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها"([4]).
فإن ذلك مقيد وليس على إطلاقه فالمقصود بالكذب بين الزوجين هو ترضية أحدهما للآخر، ومجاملته بالكلمات والعبارات ليشعر كل منهما الآخر أنه أفضل زوج وأنها أجمل زوجة.
فالرخصة هنا لا تتعدى مواضعها ولا تؤتى في غير ما شرعت من أجله.
روي أن ابن أبي عذرة الدؤلي وكان في خلافة عمر رضي الله عنه كان يخلع النساء اللاتي يتزوج بهن، فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها، فلما علم بذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتى أتى به إلى منزله ثم قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضيني قالت: لا تنشدني قال: فإني أنشدك الله. قالت: نعم. فقال لابن الأرقم: أتسمع ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه. فقال: إنكم لتحدثون إني أظلم النساء وأخلعهن فأسأل ابن الأرقم. فسأله فأخبره، فأرسل إلى امرأة بن أبي عذرة فجاءت هي وعمتها، فقال: أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه فقالت: إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب أفأكذب يا أمير المؤمنين. قال: نعم فاكذبي فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي بيني على الحب ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب ([5]).
وأما الأمانة في الحياة الزوجية فهي صفة لازمة لنجاحها.
قال تعالى: "إنٌ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ([6]).
وقال: "يا أيٌها الٌذين آمنوا لا تخونوا الله و الرٌسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون"([7]).
وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنه- أن النبي, صلى الله عليه وسلم, قال: "أ ربع من كن فيه كان منافقا خالصا، وما كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر"([8]).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ."([9]).
فالخيانة في الحياة الزوجية من أهم أسباب تدميرها، فلن يقبل زوج شريف على نفسه أن تخونه زوجته وإلا كان ديوثاً، وكذا لن تقبل امرأة شريفة عاقله على زوجها أن يخونها.
ذكر الإمام ابن القيم ([10]): أن الإمام الحافظ ابن الجوزى قال بلغني عن بعض الأشراف انه اجتاز بمقبرة وإذا بجاريه حسناء كأنها البدر أو أسنى وعليها ثياب سود فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب لها:
قد كنت أحسب إن الشمس واحدة -- والبدر في نظري بالحسن موصوف
حتى رايتك في أثواب ثاكلة -- سود وصدغك فوق الخد معطوف
فرحت والقلب منى هائم دنف -- والكبد حرى ودمع العين مذروف
ردى الجواب ففيه الشكر واغتنمي -- وصل المحب الذي بالحب مشغوف
ورمى بالرقعة إليها فلما رأتها كتبت:
إن كنت ذا حسب ذاك وذا نسب -- إن الشريف بغض الطرف معروف
إن الزناة أناس لا خلاق لهم -- فاعلم بأنك يوم الدين موقوف
واقطع رجاك لحاك الله من رجل -- فأن قلبي عن الفحشاء مصروف
فلما قراء الرقعة زجر نفسه وقال أليس امرأة تكون أشجع منك ثم تاب ولبس مدرعة من الصوف والتجاء إلى الحرم ينما هو في الطواف وإذا بتلك المرأة عليها جبة من صوف فقالت له ما أليق هذا بالشريف هل لك في المباح فقال: قد كنت أروم هذا قبل أن اعرف الله وأحبه والآن فقد شغلني حبه عن حب غيره فقالت: أحسنت.
ولله در الشافعي الذي قال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم -- وتجنبوا ما لا يليق بمسـلم
إن الزنا دين فإن أقرضته -- كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا -- سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد -- ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
من يزن يزن به ولو بجداره -- إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في قوم بألفي درهم -- يزن في أهل بيته ولو بالدرهـم
فالكذب والخيانة من الأسباب التي تؤدي إلى الخلاف بين الزوجين، بل إلى الوصول بالحياة الزوجية إلى طريق مسدود.
([1]) (متفق عليه).
([2]) مسند الإمام أحمد ج3 /447).
([3]) (متفق عليه).
([4]) أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 404 ) "السلسلة الصحيحة" 2 / 74.
([5]) الغزالي: الإحياء 3/138، الفسوي : المعرفة والتاريخ 1/392).
([6]) سورة النساء، الآية: 58.
([7]) سورة الأنفال: 27.
([8]) (متفق عليه).
([9]) أخرجه أحمد 3/135(12410).
([10]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين ص 477.
بدر عبدالحميد هميس
التسميات
زوجية