لم تحمل نهاية الاسبوع في جناحيها بشرى خير لرئيس الولايات المتحدة باراك اوباما. فاوباما، مهما يكن بارد الاعصاب سياسي قبل كل شيء آخر، لا يستطيع تجاهل الرأي العام، بالمعنى الحسن للكلمة، أي أنه ليست له حياة بغير تأييد عام.
وكما قلنا آنفا، يصعب الحصول في هذه الايام في البيت الابيض على بشائر خير. إن جميع استطلاعات الرأي، من غالوب وصحيفة 'واشنطن بوست'، وشبكة سي بي اس وبلومبرغ، كلها تروي القصة نفسها: 'خيبة أمل'، و'تشاؤم' و'عدم رضا'. قد يستطيع اوباما ان يسلي نفسه بأن وضع رونالد ريغن في الفترة الموازية من ولايته، عشية انتخابات منتصف الولاية في 1982 كان مشابها لوضعه جدا. أي انه ليس الحديث عن وضع جبري، بل عن وضع متحول يجب ويمكن التغلب عليه في الطريق الى الولاية الثانية في البيت الابيض.
في اسرائيل ايضا خيبة أمل. فبعد المصافحات والابتسامات، وبعد الاستقبال الحار، وبعد تصريحات الاطراء في البيت الابيض وبعد أن فعل اوباما في الشهر الاخير كل ما يستطيع لنقل رسالة صداقة وتعاون لا يبدو ان الاسرائيليين راضون تماما. يدل استطلاع نشر في صحيفة 'جيروزاليم بوست' في يوم الجمعة على أن السكان اليهود في اسرائيل ما زالوا يرون اوباما رئيسا 'مشايعا للفلسطينيين' على قدر أكبر (46 في المئة) من كونه 'مشايعا لاسرائيل' (10في المئة). ويعتقد نحو الثلث انه 'محايد' (34 في المئة). ما أفضل من رئيس محايد في ظاهر الأمر، لكن الحديث في الواقع عن درجة فاشل، لان الجمهور الاسرائيلي اعتاد رؤساء امريكيين مشايعين محتضنين ولا اهتمام له بوسطاء لا ميل عندهم. وقد أدرك اوباما هذا أيضا ولولا ذلك لما أجهد نفسه في احتضان نتنياهو على رؤوس الاشهاد.
إن الاسرائيليين في الأصل تصعب معايشتهم اوباما. ويصعب عليهم في الأساس أن ينظروا اليه والى افعاله نظرة واعية بريئة من الايديولوجية والمشاعر. وجدت في نهاية الاسبوع تقريرين يتعلقان بالرئيس في بعض أعمدة التسلية. أحدهما عند صاحب عمود صحافي رائد في الصحيفة الاسبوعية لليمين، بين بتأثر أن نحو نصف يهود الولايات المتحدة ما عادوا يؤيدون اوباما. وهذا معطى داحض يمكن أن نخمن فقط أين وجده الكاتب (استطلاع 'مكلفلن'، الذي سأل اسئلة منحازة عن عمد) والثاني، في نبأ في صحيفة اليسار اليومية، يمكن الاستدلال بعنوان على ان مشكلة اوباما التي تظهرها استطلاعات الرأي هي ببساطة مشكلة علاقات عامة. فالسياسة بطبيعة الأمر صحيحة، لانه لا يمكن افتراض غير ذلك، بيد ان الناخبين لا يفهمونها ببساطة.
الحالاتان هما مثالان، يمكن أن نجد كثيرا مثلهما للميل الطبيعي الى صب ما يرى من غمامة في قوالب تلائم تصورات ذوي التقدير. اذا لم يكن الامريكيون راضين عن الرئيس فيجب كما يبدو أن يفسر لهم ببطء. واذا كانت تصعب حال اوباما مع اسرائيل فلا يمكن ان يستمر اليهود على تأييده. بيد أن الواقع لا العناوين الصحافية هو الذي يقرر في الحالتين.
الامريكيون غير راضين عن السياسة، وليس ذلك بالضرورة للدعاية المختلة. إنهم غير راضين عن الاقتصاد الذي ما زال يخطو في مكانه، وغير راضين عن استمرار الحرب في افغانستان، وغير راضين عن اصرار اوباما على حصر عنايته في اصلاح قانون التأمين الصحي. واليهود في مقابلة ذلك ما يزالون على تأييد اوباما. لا بالاعداد نفسها لكن يفعلون ذلك باستمساك اذا قيسوا بجماعات اخرى من السكان.
توجد علة جيدة عند الاسرائيليين الذين ما زالوا يصرون على الارتياب بأوباما، لا يمكن اجتثاثها بشهر من الدعاية. إن صورة مع نتنياهو، ومقابلة صحافية مع القناة الثانية الاسرائيلية كل هذه اجراءات مهمة في الطريق الى اعادة الثقة. غير ان الاسرائيليين (الذين لهم ميل يثير الغضب الى اختيار زعماء لا على حسب توصيات اصحاب الاعمدة الصحافية في الصحف) يبدو أنهم ينتظرون أن يروا تغييرا جوهريا ما يبشر بهجوم علاقات عامة. من كان يعتقد انهم معارضون لاوباما منذ البدء، لنقل لانهم يسمونه 'حسيناً' كما ألمح الرئيس نفسه في تلك المقابلة الصحافية، من يفعل ذلك لا يعطي الاسرائيليين ائتمانا مناسبا. تثبت الاعداد أنه عشية اللقاء الاول بين اوباما ونتنياهو، وقبل 'خطبة القاهرة'، اعتقد 14 في المئة فقط من اليهود في اسرائيل أن اوباما 'مناصر للفلسطينيين'، واعتقد اكثر من 30 في المئة انه 'مناصر لاسرائيل'. منذ ذلك الحين انقلبت الاعداد. هذا يعني ان ما يحدد عند الاسرائيليين ليس اسم المرشح او لون بشرته. السياسة هي التي تحدد. ويستطيع اوباما بطبيعة الامر أن يقرر ان مشايعة الاسرائيليين غير مهمة له بل ربما يجب عليه ان يقرر ذلك. لكن يحسن، له ولنا ايضا ان نفسره ونفسر انفسنا تفسيرا صحيحا.
معاريف 19/7/2010
التسميات
أمريكا