المراهنة بالوطن.. استنزاف المغاربة جراء سياسة اقتصادية خاطئة تجتر خطابات غير مقنعة بتاتا

حتما، إن تحقق السياسات المجتمعية في المغرب، تشير بالملموس إلى التفقير المتزايد لهذا الشعب وازدياد حدة الهوة بين من يملكون خزائن الذهب، والقابضون على أمعاء بطونهم حرمانا وعوزا، حيث تتزايد كل يوم جحافل المتسولين والمحتاجين والمتشردين .
كل ذلك، مع انعدام أية رؤية عميقة وناضجة لدى الأجهزة الرسمية، بغية وضع حد لمسارات العبث والضحك على الذقون وتبليد الناس بكل الأشكال، كي يستمر أصحاب النعمة في بحبوحة أبراجهم العاجية، مقابل انغماس عموم العبيد في حضيض مذلتهم وهم يلهثون بعد كل حين وراء سراب اللقمة المهانة .
سواء إذن استرشدنا بالمعطيات البرهانية التدليلية، أو اكتفينا برنين أصواتنا الباطنية وممكنات الحس الإنساني، فإن ما نعيشه ونشاهده ونتحسسه كل حين داخل هذا الوطن، يعتبر فراغا سياسيا قاتلا وتسكعا اقتصاديا بكل المقاييس، نظرا لانعدام مشاريع مجتمعية وإنتاجية متينة تجعل من الفرد كتلة ذكاء مشتعلة، تبني الكائن المــــغربي تاريخيا، تفكيرا واحتياجا، ثم القطـــع إلى الأبد مع وضــع أعتقد بأن أبلغ تعبير يعكسه، يحيل الى ما تتداوله الثقافة الشعبية تحت تسمية 'الطنز'، أو الاستهزاء بمصائر الآخرين من دون حسيب .
يبدو من باب الاستهلاك اللغوي المجاني، التحدث عن مغرب حديث يتوق بشموخ إلى الآفاق الكونية، وفق إرادة ثابتة وصارمة في ظل القائم، كما تكشف عنه الحمولة التدبيرية والسلوكية لأهل 'الحل'، وزمرة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، بمعنى من يقتسمون معهم بشكل ما أدوارا في كيفيات تنميط لعبة سياسية، تبقى عموما مجرد مسلمات وفرضيات، لكنهم بديماغوجيتهم الانتهازية، جعلوا منها توتاليتارية لا يمسها الباطل .
لا شك أن أبسط كلاسيكيات التفكير السياسي أشارت إلى شروط أولية معرفية وتاريخية، تمثل هيكلا صميميا لإرساء دعائم دولة تعاقدية فعالة، يمتلكها الجميع وتتسع لأحلام الكل، تسري بين ثنايا أجهزتها دينامية خلاقة، بناء على منطق التناوب والتعاقب الذي يحكم مختلف حيثيات جسدها السياسي، وما يستتبع ذلك من منظومة مفهومية تقوم على أقصى تجليات التنافس، التباري، الاقتراع، المحاسبة، العقاب، إلخ. أي مختلف ممكنات العقلانية الليبرالية كما يتمثلها المواطن فطريا، قبل تناولها من طرف المختص تحليلا وتمحيصا.
المعطيات حاليا أجلى من الشمس، بالاستناد إلى التأويلات المفهومــــية والتجريدية ثم الالتصاق بحدود الواقعي وتفاعلاته :
* من الناحية الأولى، تتحسس كل الدلالات وضعية الترهل المميتة التي تسود الحقل السياسي المغربي بمكوناته الايديولوجية وروافده اللوجستيكية، حيث الدولة تجتر خطابات غير مقنعة بتاتا ويكتفي باقي 'مُدّاح' الأطلال، بمجرد التنميق والتزويق اللفظي والمعنوي. مسألة خطيرة جدا، لأنه ومن دون إسهاب في شخصنة الحكم ومزيد من ميزانيات التوثين والقداسة والمقدسات والأضرحة والمريدين والولائم... فأفق كهذا، لم يعد قط مستساغا ولو من زاوية التأريخ، وسط عالم يتحرك بمحددات السنوات الضوئية. المفارقة، أن أصحاب القرار مستمرون بكل ما أتوا من حقارة في التهليل لمسوغاتهم الايديولوجية ولو على هشاشة ورخاوة، ما ينتجونه اقتصاديا ومجتمعيا، مقابل تآكل تراجيدي لما يُفترض في كونه قد يمثل معارضة جماهيرية أصيلة، تساجل ما يصدره الرسميون من مواقف وأفعال وممارسات.
* من جهة ثانية، لا أعرف إن كانت التقارير التي ترفع إلى الدوائر العليا، تتمثل بصدق هواجس الناس وأحاسيسهم، فبغير الإشارة أيضا إلى ما أضحى قاعدة، حيث استنزاف المغاربة جراء سياسة اقتصادية تخدم فقط مصالح الأوليغارشية الحاكمة، وما قادت إليه من اغتيال لأحلامنا وطموحاتنا، بل وأدنى حقوقنا المشروعة في حياة عادلة وكريمة تسندها قيم المواطنة التاريخية. أقول، بأن كنه ما نتوفر عليه، لا يقف عند مستويات الكشف عن تدمير منهجي للمكتسبات الشعبية، وبالتالي هذا الارتداد اليومي الفظيع للدولة /الخدمات، القادرة على تبيّن سبل الفصل والوصل الحضارية بينها وكذا الأفراد المنتمين لمؤسساتها، لكن المرعب هذا الخواء المفهومي للنسق القائم بدت معه الدولة في تفكير الجميع، بدون مشروع معقول وراسخ يبني الإنسان والحجر كما هو الحال مع الأمم التي انتشلت ذاتها من وحــــل التخلف نحو شعاع التقدم والحضارة.
بالطبع، لم يعد الحل يكمن في الرهان سياسيا وقد انقرضت إلى الأبد ربما، كما كان الأمر مع الوطنيين الكبار، شخصيات كاريزمية وازنة ذات قناعات ومواقف تأسيسية، بإمكانها استخلاص الحقل السياسي والتحول به من البِركة الآسنة التي انتهى إليها، في أفق إرساء دعائم مؤسسات تمثيلية عصرية وبناءة، ثم تقويض تطلعات اللوبيات وتكتلاتها السيئة. تصور يظهر في غياهب المجهول، مع سياقنا الراهن. لكن وحتى لا يبقى الوطن عالقا بين أصابع كف عفريت، ينبغي على كل واحد منا أن يدرك جيدا أبعاد مسؤوليته أولا وأخيرا، فرض عين، يحتم تقويما ذاتيا قصد استعادة عشق هذا الوطن، كي نورث لمن سيأتي بعدنا شيئا يستحق الذكر.
سعيد بوخليط
أحدث أقدم

نموذج الاتصال