ابتزاز قناة الجزيرة.. المطالبة بتعويضات جراء الأضرار الناجمة عن هجمات صواريخ حزب الله

قليلة هي المرات التي تعرضت فيها لقناة 'الجزيرة' منذ بدء بثها بالنقد المهني مدحاً او قدحاً، ونادرة هي المرات التي دافعت عنها أيضا من منطلق مهني بحت..

وهذه المرة لا تخرج عن هذا السياق..

ففي منتصف الشهر الحالي، وبمناسبة الذكري الرابعة لهزيمة القوات الإسرائيلية، التي شنت حرباً عنصرية ضد الجنوب اللبناني في تموز (يوليو) 2006، وقع 91 أمريكيا وإسرائيليا وكنديا على عريضة دعوى مقدمة إلى محكمة نيويورك يطالبون فيها بمبلغ تعويض من قناة 'الجزيرة' تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار 'مقابل الاضرار التي لحقت بهم وبذويهم من جراء هجمات الصواريخ التي أطلقتها كوادر حزب الله' إبان تلك الحرب..

تحميل قناة 'الجزيرة' هذه التعويضات ينطلق - وفق ما جاء في صحيفة الدعوى - من أنها قصدت من وراء تغطياتها الإعلامية لوقائع الحرب 'تقديم خدمة عسكرية لكوادر حزب الله، مما سهل لهم توجيه ضرباتهم بدقة أكبر'..

بداية نقول.. إن هذه السابقة ربما تكون الأولى في ملف الاعلام وثورة التكنولوجيا التي تتهم فيها طواقم التغطية الحدثية بتسهيل مهمات عسكرية. نقول ذلك لأن الاتهامات التي توجه لتلك القناة لا تتوقف ولن تنتهي، وخير مثال على ذلك أن المسؤولين الأمريكيين لا يدخرون وسعاً منذ أيلول/ سبتمبر 2001 كلما سنحت لهم الفرصة لكي يمطروها بأشهر ما لديهم من دعاوى دبلوماسية وسياسية ونقصد بذلك 'معاداة أمريكا'..

الجديد في الدعوى التي قدمها 'المتضررون' هكذا يصفون انفسهم - إلى المحكمة الفيدرالية بمنهاتن/ نيويورك أنها تأسست على تسهيل مهمة عسكرية، من دون أن تقدم الدليل المادي عليها.. ونعني بذلك 'توصيف العلاقة العضوية بين التغطيات الإخبارية وتوفيق مناضلي حزب الله في إصابة أهدافهم'.. وهذا الجديد دفعهم إلى القول بلا برهان ولو بالقياس إن 'الجزيرة' جعلت من نفسها 'عنصراً أساسياً من بين عناصر هجوم حزب الله الصاروخي وقتله للمدنيين'.. وسمحوا لأنفسهم أن يستخلصوا بمعاونة فريق المحامين الذي تبنى افتراءاتهم التي لم تؤسس على بينة يحترمها العقل القانوني الذي من المفترض فيه انه يحكم حركة الانسانية جمعاء 'أنه بلا مساعدة الجزيرة، ما توافرت لحزب الله القدرة على توجيه ضرباته الصاروخية إلى المدن الإسرائيلية بالدقة التي تحققت له'..

وثانيا نقول.. إن غالبية فضائيات العالم التي واكبت هذه الحرب العنصرية الفاشية سواء من داخل الجنوب اللبناني أو من شمال اسرائيل وجنوبها - لديها تسجيلات تؤكد من حيث المبدأ أن المقاومة التي أبداها الجنوب اللبناني بقيادة حزب الله ضد الحملة العسكرية العدوانية، كانت رد فعل على العدوان الصارخ الذي قامت به القوات المسلحة الإسرائيلية البرية والجوية، وكلها بلا استثناء كانت توجد كتفاً إلى كتف مع بعضها البعض في نفس الاماكن وحول ذات المواقع للقيام بالتغطية التي يتطلبها نقلها للحدث وما يتعلق به ويترتب عليه مهنيا وتقنياً من توابع إنسانية او بيئية..

الجدير بالملاحظة هنا وفق تقديرات الأمم المتحدة - أن غالبية الأطقم الإخبارية التي قامت بتغطية فاعليات هذه الحرب في لبنان وفي اسرائيل كانت أمريكية واوروبية تليها في الترتيب الفضائيات الاسيوية ثم العربية، ويأتي في ذيل القائمة بضع فضائيات من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا.. وكلها تستخدم أحدث أدوات التكنولوجيا في النقل والمتابعة وتستعين بأدق ما انتجته ثورة المعلومات في مجال توصيل الصورة والخبر..

كلها تساوت تقريباً في الاهتمام بالتغطية الخبرية والحرص على نقلها في اللحظة المناسبة، وهي وإن كانت تتسابق.. فـان سباقها هذا مهني بالدرجة الأولى لا يدع لها فرصة للتكاسل او التغاضي عما تراه داعما لخطها الاعلامي وايديولوجيتها الفكرية، وبعضها تمنى أن تجود عليه الأحداث المتلاحقة ببعض الهدوء ليحصل لنفسه على بعض الراحة او ليوظف ما لديه من صور وتعليقات في خدمة المهمة التي يقتات منها وليس لشيء آخر..

كلها تتساوى في الوجود إلى اقرب نقطة من الحدث وفي القدرة المهنية على توصيله لمستقبليها، حتى الحدود الفاصلة بينها في براعة استخدام الأدوات وأساليب التقنيات تكاد لا تلاحظ..

لذلك نقول ان الإسناد القانوني في هذه الدعوى الموجهة إلى قناة 'الجزيرة'، باطل من جميع نواحيه الشكلية والإجرائية..

فهو أولاً يفترض أن طواقم التغطية الإعلامية التابعة للقناة محل الشكوى، مدربون عسكرياً على مهام محددة وظفوها أثناء فترة الحرب (12 تموز/يوليو 14 آب/أغسطس 2006) لخدمة أهداف حزب الله الدفاعية..

وثانيا لأنه يدعي ضمناً أنهم على صلة وثيقة به، وأن قادته يملكون نتيجة لذلك - تأثيرا مباشرا على مجلس إدارة القناة مكنهم من فرض اختيارهم للأفراد الذين يثقون أشد الثقة بأنهم قادرون على تقديم الخدمات العسكرية لهم في ميدان القتال..

ثالثا لأنه يبني دعاواه الباطلة على حقيقة غير واقعية وهي: 
أن قادة حزب الله النضاليين يركزون جل اهتمامهم في مقاومة الهجمة العدوانية الإسرائيلية والرد عليها، على إعلاميين قد يوجدون في الأماكن التي خططوا لتوجيه صواريخ رد فعلهم إليها.. وقد لا يوجدون..

وانهم ارتكزوا في مقاومتهم على مجموعة من المهنيين المفترض فيهم أنهم مشغولون على مدار الساعة أولاً وأخيراً في متابعة وقائع اقتتال عنيف وإجرامي تقوم به قوات إسرائيل البرية والجوية وبعضهم لم يخلد للراحة لبضعة ايام متتالية..

وانهم ربطوا أنفسهم وردود أفعالهم الجهادية بأجهزة تقنية وظيفتها الأساسية نقل الصورة والكلمة، وأيقنوا أنها وسيلتهم المثلى لتحقيق أعلى درجات المقاومة..

وهذا كله مما يمكن وضعه تحت مسمى الهراء والديماغوجية والابتزاز.. 
ولو كان هذا الادعاء مقبولاً ولو بأقل قدر من المنطق العقلاني والألمعية التقنية والحجية القانونية، لكنا قد شهدنا سوابق لدعاوى قريبة منه من حيث الشكل والمضمون فيما يتعلق بالحرب التي لا زالت رحاها دائرة في أفغانستان والتي يتعرض فيها أفراد أمريكيون وبريطانيون وعاملون في قوات حلف شمال الاطلسي للقتل كل يوم..

هذه الدعوة لا ساس لها من الناحية القانونية.. وما جاء فيها ليس بقادر على الصمود أمام الحقائق العلمية.. أو قادر على ان يدفع عن نفسه تهمة التضليل عند مقارنة ما قامت به القناة المعنية بما قامت به قنوات اخبارية اخرى أرضية او فضائية.

الأمر وما فيه من وجهة نظرنا لا يخرج عن كونه محاولة غبية للابتزاز، ربما تتمكن وسائل الإعلام من كشف حقيقة وخلفيات الـ 91 شخصا الذين فكروا في تفجيرها بهذه الكيفية بعد أربع سنوات من انتهاء وقائع الحرب التي قيل ان طواقم قناة 'الجزيرة' ساعدت مناضلي حزب الله من خلال تغطيتها للأحداث على الفوز بمزيد من الدقة في توجيه صواريخه المقاومة للحملة الإسرائيلية ضد الجنوب اللبناني.. 
أربع سنوات مضت ولا زال البعض يخطط للابتزاز الدنيء..

اربع سنوات جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور شفي من شفي وعولج من عولج ومات من مات.. بينما أصداء هزيمة القوات الإسرائيلية لازالت ماثلة امام كل ذي عينين وعقل مفكر وقلب مؤمن واستعداد للمقاومة لا يلين..
 
حسن عبد ربه المصري
أحدث أقدم

نموذج الاتصال