محمد دحلان ووصول السلطة الفلسطينية الى مرحلة اللارجعة عن مواقفها الرافضة لسياسة ليّ الذراع من قبل إسرائيل لإجبارها على العودة لحظيرة المفاوضات المباشرة

يكثر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان من ظهوره الاعلامي هذه الأيام على غير عادته في الفترة الأخيرة. الأسباب من وراء ذلك قد لا تعد ولا تحصى، ولكن المؤكد منها أن الانعطافة الأخيرة في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي (أو قل حديث المفاوضات) تقتضي منه ذلك الظهور.

رأيناه على أكثر من فضائية، ولكن ظهوره على فضائية 'فلسطين' له مذاق خاص يستحق التنويه. في هذا الظهور الذي تم الأسبوع الماضي تحت مظلة برنامج 'مع الحدث' تسنى لنا أن نسمع آراء أبو فادي في كل صغيرة وكبيرة تخص الشأن الفلسطيني وليس حديث المفاوضات فقط.

خلال هذا اللقاء قدم السيد دحلان ما يكفي من أدلة وبراهين على أن السلطة الفلسطينية وصلت الى مرحلة اللارجعة عن مواقفها الرافضة لسياسة ليّ الذراع التي تتبعها معها اسرائيل على أمل اجبارها على العودة لحظيرة المفاوضات المباشرة. ولا يهم في حديثه هذا الأدلة والبراهين بقدر ما يهم اصراره على أن السلطة لن ترضخ للمطالب الاسرائيلية التي وصلت مرحلة غير مسبوقة من 'الفجور' على حد قوله.

التجارب السابقة وتاريخ 15 سنة من المفاوضات تجنح لتغليب الرأي القائل بأن السلطة عاجلاً أم آجلاً سوف تسلم وتستسلم، لكن تصريحات السيد دحلان الذي كان معظم السنوات الخمس عشرة في قلب المعمعة التفاوضية تزعزع هذا الرأي. فهل تكون هي اذن قشة البعير التي قصمت طاقة الصبر لهذه السلطة الوطنية ذات الصبر الطويل؟

الثابت في الأمر أن نتنياهو 'نصاب' كما وصفه السيد دحلان، الذي يؤكد في المقابل أن السلطة لن تقدم أي تنازلات من أي نوع مهما كانت في قضايا الحل النهائي، وقد برهنت على صلابتها في هذا الشأن في مفاوضات كامب ديفيد، ولكن هذا لا يمنع تكرار السؤال هل السلطة أهل لذلك حقاً؟

الجواب على لسان السيد دحلان مرهون بقوة السلطة وقدرتها على مجابهة الضغوطات التي تمارس عليها وهي ضغوطات دولية جادة، وليست ضغوطات شخصية يهون أمرها.

أما التحدي الذي توجبه طاولة المفاوضات نفسها فهو تحد شرس ويفوق في قسوته تحدي العمليات الاستشهادية التي يتوجه فيها الاستشهادي الى وجهته وهو يعلم قدره مسبقاً، يعد نفسه، يتلو سورة من القرآن وينتهي الأمر، أما العمليات التفاوضية فهي طويلة الأمد وعسيرة المخاض وتحتاج الى رؤى واستراتيجيات وتكتيكات...الخ (حق المقارنة والتوصيف محفوظ بالكامل للسيد دحلان وليس لكاتبة هذه السطور)، ولكن السلطة سوف تصمد ولن ترضخ لفجور المطالب الاسرائيلية!

'يحيينا ويورينا' كما يقول المثل الفلسطيني، والمسائل لا بد لها من نهاية ولن تلازم عنق الزجاجة حتى نهايات العمر. لكن الحال ليس كذلك بالنسبة للمصالحة الوطنية والسبب 'حماس' التي لم يطرأ أي تطور على موقفها، وبات العالم كله يعرف أنها لا تريد المصالحة. هذا الرأي للسيد دحلان الذي لا يريحه مستوى التعاطي السياسي المنخفض مع مساعيه لحل أزمة المصالحة، حيث اتهمه البعض بأن اهتمامه بالأمر يعود الى حقيقة كونه 'مشتاقا' لغزة لا غير، ما دعاه لأن يرد على هؤلاء المغرضين أن 'غزة روحي وحياتي.... الخ ولكن لا داعي لتقزيم القضية'.

أما رأي الغالبية وخاصةً أولئك 'الغلابة' الذين ليس لهم مصلحة في 'عنب فتح' ولا 'بلح حماس' أن الأمر ليس تقزيماً للقضية وأن دحلان أو غيره لا يحتاج لسبب أكثر من اشتياقه لغزة كي يهتم ويسعى لاحلال الصلح والمصالحة فيها. ففي نهاية الأمر غزة ليست ملكاً لا لحماس ولا لغير حماس، وليس من حق أحد أن يحرم أحداً آخر أن يعود الى مسقط رأسه متى شاء.

لكن البلاء أعم وأشمل وهو يتجاوز حالة ما وصفه السيد دحلان بـ'الملل'. انها حالة انعدام الثقة وفقدان الأمل التي طالت الفلسطينيين على اختلاف أماكن وجودهم. حالة اللاثقة واللاأمل التي أوصلنا اليها من كنا ننظر اليهم يوماً على أنهم 'فرساننا' استحقوا ثقتنا فاستثمرنا فيهم سنوات شقائنا وحرماننا واحتلالنا ومستقبلنا كي يأخذوا بنا كشعب الى بر الأمان ويبنوا لنا دولة وعاصمتها القدس الشريف، فاذا بهم يضلون الطريق ويقسموننا الى فرق وشعوب، غزة والضفة، حماس وفتح...
أحدث أقدم

نموذج الاتصال