عدم العدل بين الزوجات ظلم لهن وإغضاب للخالق.. العدل في المبيت والسكنى والنفقة والكسوة

إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة فإنه يجب عليه التسوية بينهن لقول الله تعالى:
{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} ([1]).

ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ ، يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ.ـ وفي رواية: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ.ـ وفي رواية: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ. ([2]).

وأراد بهذا الميل : الميل بالفعل، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم . قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}  ([3]).
معناه: لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم.. .أ.هـ. ([4]).

والعدل بين الزوجات يكون في:

1- المبيت:
 قال ابن القيم رحمه الله: وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة... ولا تجب التسوية في ذلك - أي الحب والجماع- لأنه مما لا يملك .أ.هـ. ([5]).
وقـال ابن حـزم رحمه الله: "والعدل بين الزوجـات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليـالي" .أ.هـ. " ([6]).

2- السكنى:
قال ابن حزم رحمه الله: ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (6) سورة الطلاق .أ.هـ. ([7]).

3- النفقة والكسوة:
  أوجب الشرع المطهر على الزوج النفقة والكسوة بالمعروف، ولا شك أن أحكام النفقة والكسوة تختلف من شخص لآخر، من حيث وُجده وعدمه أو قلته، لذا كان لا بد للنساء أن يعقلن أن أمر النفقة والكسوة ليس له ضابط شرعي إلا أنه "بالمعروف"، فليس على الزوج إلا النفقة التي تقوم بها حياة نسائه من طعام وشراب، فما زاد على ذلك من تحفة أو هدية أو فاكهة أو حلي أو غيره فهو له إن شاء أعطى، وإن شاء منع.

قال شيخ الإسـلام رحمه الله: "وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنة أيضا إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة" أ.هـ. ([8]).

عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"([9]).

عن عائشة رضي الله عنها قالت في قوله تعالى {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} ([10]).أنزلت في المرأة تكون عند الرجل، فتطول صحبتها فيريد طلاقها، فتقول، لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي، فذلك قوله {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} [النساء/128]. ([11]).

قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة. بل الزموا التسوية في القسم والنفقة، لأن هذا مما يستطاع.أ.هـ. ([12]).
فعن جابر بن زيد قال : كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القبل.

وعن مجاهد قال: كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء، حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه .
وكان محمد بن سيرين رحمه الله يقول فيمن له امرأتان: يُكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى ([13]).

 وإن سوء أخلاق بعض الزوجات وتغييرها على زوجها نتيجة الزواج عليها بل ربما وصل الأمر ببعضهن إلى أن تجحد كل فضل لزوجها عليها وهو من كفران العشير الذي هو سبب لدخول النار والعياذ بالله.

وهناك بعض الزوجات تحاول الإفساد بين زوجها وزوجاته الأخريات بحيث تبغضهن إليه وهذا خلاف ما دعا إليه الإسلام من وجوب التآخي والتعاون على البر والتقوى وتحريم التباغض والتعادي. فعلى الزوجات أن يتنبهن لحديث النبي صلى الله عليه وسلم .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) ([14]).

كما أنه لا يجوز لها أن تطلب الطلاق لنفسها منه لمجرد زواجه الثاني، وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"([15]).

ولبعضهم في الصراع بين الزوجتين:
 تزوجت اثنتين لفرط جهلي -- بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت أصير بينهما خروفا -- انعم بين أكرم نعجتين
فصرت كنعجة تصحي وتمسي-- تداول بين أخبث ذئبتين
رضا هذي يهيج سخط هذي -- فما أعرى من إحدى السخطين
وألقى في المعيشة كل ضر -- كذاك الضر بين الضرتين
لهذي ليله ولتلك أخرى -- عتاب دائم في الليلتين
فإن أحببت أن تبقى كريما -- من الخيرات مملوء اليدين
فعش عزبا فان لم تستطعه -- فضربـا في عرض الجحفلين

وهناك بعض المعددين يهمل تربية أولاده وخاصة إذا كانت بيوتات هؤلاء الزوجات متباعدات لأنه ربما تطول غيبته فلا يتابع حال أولاده والواجب أن يتقي الله تعالى ويستعين به على هذه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) ([16]).

مما يؤدي ذلك كله إلى وجود خلافات وشقاق بين الزوجين، والحل إذا ما كان هناك سبب للتعدد في العدل الذي هو أساس الملك، ومنبع الأمان والاستقرار.

([1])(3) سورة النساء.
([2])أخرجه ابن أبي شَيْبَة 4/388(17548) و"أحمد" 2/295(7921). صحيح الجامع 6491.
([3])(129) سورة النساء.
([4]) شرح السنة" للبغوي (9/150-151).
([5])زاد المعاد" (1/151).
([6])المحلى" (9/175).
([7])المحلى لابن حزم " (9/253). المغني لابن قدامة" (9/237).
([8])مجموع الفتاوى" (32/269).
([9])رواه مسلم (8/183).
([10])النساء/128.
([11])رواه البخاري (9/380) مسلم (18/157).
([12])تفسير القرطبي" (5/407).
([13])المصنف" لابن أبي شيبة (4/37).
([14])رواه البخاري (5152) ، ومسلم (1408) .
([15])رواه الترمذي (1187) وحسنه ، وصححه الألباني في "الإرواء" (7/100).
([16])التحريم: 6.
بدر عبدالحميد هميسة
أحدث أقدم

نموذج الاتصال