باراك أوباما رجل كثير الأقوال قليل الأفعال.. وعود الرئيس المحاصرة من مؤسسات المال والإعلام واللوبيات السياسية النافذة مثل "إيباك" ومؤسسة الجيش والمخابرات المركزية سي آي أي

سنة من الوعود والشعارات.. وما على العرب إلا التعامل مع هذه الإدارة في ضوء أعمالها وليس في ضوء كلامها المعسول.
أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، تبارى مرشحا الرئاسة اوباما وماكين في كسب ود اليهود الصهاينة الأمريكيين من خلال منظمة "الايباك".

وقد تعهد الرئيس اوباما آنذاك بـ"حماية إسرائيل" و"ضمان أمنها". وهكذا كان دأب مرشحي الرئاسة الأمريكيين من الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي".

وعندما قلنا أن اوباما لن يختلف كثيرا عن أسلافه "الديمقراطيين" الذين شنوا عشرات الحروب ضد الأمم والشعوب، إلا في الأداء والأساليب، فإن ذاك الحكم المبكر اعتبره البعض تحاملا على الرجل الذي وعد بالتغيير، ولكن الحقيقة المعروفة هي أن الزعماء الأمريكيين يفوزون بمنصب رئاسة البيت الأبيض بعد صراع دعائي مرير، وعندما يصل أي منهم إلى البيت الأبيض، فإنه يُحاصر من قبل القوى النافذة في الإدارات الأمريكية، وأهمها مؤسسات المال والإعلام واللوبيات السياسية النافذة مثل "إيباك" إضافة إلى مؤسسة الجيش والمخابرات المركزية "سي آي أي"، وهذه المؤسسات لديها من القدرة بحيث تضع أي رئيس في الاتجاه الذي تريده وأتباع السياسة التي تحقق مصالحها.

وخلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية لم نجد رئيسا في الولايات المتحدة وقف إلى جانب قضايا العرب وبالذات إزاء قضية فلسطين، بل وقفوا موقفا صريحا وقويا إلى جانب اليهود الصهاينة، واعتبروا أمن كيانهم من أمن الولايات المتحدة.

وقد أوحى اوباما في خطاباته الرنانة سواء أثناء حملته الانتخابية أو بعد تسلمه الرئاسة، أن رياح التغيير سوف تهب نحو المنطقة العربية، وتشهد قضية فلسطين تطورا جديدا يفضي إلى حل عادل، يعيد بعض الحق إلى أبناء الشعب الفلسطيني الذين شردهم الإرهاب الصهيوني وأخرجهم من ديارهم بالعنوة وقوة السلاح.

أعلن اوباما أكثر من مرة أنه سيعمل لحل قضية فلسطين على أساس حل الدولتين، وأن عام 2009 سيكون حل هذه القضية المعقدة، لكن اوباما استقبل أيامه الأولى في البيت الأبيض على وقع آثار المجزرة التي ارتكبها قادة "إسرائيل" في "قطاع" غزه، حيث تجاوزوا كل الأعراف والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وبالذات اتفاقية جنيف الرابعة لعام،1949 وقد وقفت الإدارة الأمريكية الجديدة، كسابقاتها، موقفا سلبيا من الجرائم الصهيونية في قطاع غزة، حتى أنها وقفت ضد (تقرير غولدستون) الذي طرح في مجلس حقوق الإنسان مؤخرا.

كما برزت مشكلة المستوطنات أمام المفاوضات الثنائية بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين حيث أمعنت الحكومة "الإسرائيلية" الحالية والسابقة (نتنياهو - اولمرت) في بناء الوحدات السكنية في المستوطنات القائمة، وعلى حساب المواطنين الفلسطينيين الذين تم هدم بيوتهم وإقامة الوحدات السكنية اليهودية فوقها، وبالذات في الأحياء العربية في مدينة القدس الشرقية.

ولم تستطع الإدارة الأمريكية خاصة (اوباما - كلينتون) إقناع زعماء الحكومة اليهودية اليمينية المتطرفة (نتنياهو - ليبرمان) أن يوقفوا بناء الوحدات السكنية لمدة تسعة أشهر في الأقل للبدء في المفاوضات. بل ذهبت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون إلى القول بضرورة بدء المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" بدون شروط مسبقة.

أن مثل هذا الموقف يتناقض مع الموقف الدعائي الأول الذي قال به اوباما - كلينتون بضرورة وقف الاستيطان في الضفة الغربية للبدء في المفاوضات الثنائية، للتوصل إلى حل الدولتين.

فماذا ينتظر اوباما..؟ لقد بدا واضحا أن اليهود المتطرفين الحاكمين في "تل أبيب" قد فرضوا آراءهم على قادة البيت الأبيض، بهدف إكمال مخططهم الرامي إلى:

1- استكمال مصادرة البيوت العربية في القدس الشرقية، وإقامة وحدات سكنية لليهود مكانها، لكي تصبح الأحياء العربية في القدس أحياء يهودية خالصة، ويفرض قادة "إسرائيل" ما خططوا له، في ضوء الأمر الواقع، عندها سوف تتعامل الإدارة الأمريكية مع الأمر الواقع دون الرجوع إلى الأسباب التي قادت إلى هذا الأمر الواقع، وفق السياسة البرغماتية.

2- الاستمرار في تجاوزات اليهود اليمينيين المتطرفين على المسجد الأقصى لفرض أمر واقع جديد، يفضي إما إلى هدم المسجد الأقصى أو تقسيم المسجد بين اليهود والمسلمين كما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل وعندها قد لا يجد البيت الأبيض ما يمنع من وضع إدارة مشتركة للأشراف على المسجد الأقصى بعد تقسيمه.

3 - استكمال الجدار العازل بين الضفة الغربية وفلسطين عام 1948، ليشكل جدارا عنصريا جديدا. وكذلك استكمال الجدار الفولاذي الذي تقوم مصر بإقامته على الحدود بين مصر وقطاع غزة، لاستكمال حصار مليون ونصف مليون إنسان في القطاع، بهدف إسقاط سلطة حماس في القطاع وفرض الشروط "الإسرائيلية" على ما تبقى من حطام السلطة الفلسطينية.

في ضوء هذه الحقائق لا نجد موقفا عربيا صارما إزاء لعبة التحايل الأمريكية - "الإسرائيلية" على قضية فلسطين، ولم نسمع عن تهديد عربي بإلغاء المبادرة العربية أو النظر في فك الحصار المفروض على سكان قطاع غزة. وعليه فإن زعماء البيت الأبيض ليسوا في عجلة من أمرهم ما دام الزعماء العرب غير متحمسين لأداء فعل قوي ومؤثر.

المسألة الثانية المهمة هي أن الرئيس اوباما أثلج صدور الملايين من العرب والمسلمين ممن يغريهم معسول القول عندما أعلن أن الولايات المتحدة ليست عدوة للإسلام ولا للمسلمين وبالذات الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وأكد ضرورة معاملتهم على قدم المساواة مع الأمريكيين الآخرين. وأشاد بالإسلام ومدح فضائله، لكنه لحس هذه الأقوال عند أول امتحان وقع مع نهاية عام 2009 وبالذات في حادثة الشاب النيجيري الذي ينتمي للقاعدة في اليمن، والذي صعد إلى طائرة (الدلتا) الأمريكية وهو يحمل قنبلة لم تنفجر ولم تحدث أية أضرار في الأرواح.

على اثر تلك الحادثة أعلن البيت الأبيض وضع مواطني أربع عشرة دولة عربية وإسلامية في قائمة يخضعون إلى تفتيش الأجهزة التي تعري الفرد وتظهره كما ولدته أمه، وفي هذه الحادثة ورد الفعل عليها تناسى اوباما ما قاله من قبل ورضخ لسلطة الأجهزة الأمنية الأمريكية التي فرضت هذه الإجراءات المخلة بالحياء إزاء مواطني هذه الدول العربية والإسلامية.

ولم يميز اوباما بين الإسلام والمسلمين بعامة وبين التنظيمات المتطرفة التي تمارس العنف تحت شعارات دينية، وهو يعلم علم اليقين أن الخندق الأمامي المتقدم في مقاومة الإرهاب هو من العرب والمسلمين وان الأرواح التي تزهق في سبيل هذا الهدف هم من العرب والمسلمين أيضا في العراق واليمن وأفغانستان وباكستان.

وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية تخلط بين المسلمين الذين يرفضون الإرهاب وبين التنظيمات السياسية الدينية التي تمارس الإرهاب علنا وتلحق أضرارا كبيرة بالأكثرية والتي من المفروض أن تكون هي وعناصرها معروفة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والعالمية.

أن موقف الإدارة الأمريكية لفحص المواطنين العرب والمسلمين في الدول الموضوعة على القائمة الرمادية أثار استياء كبيرا لدى العرب والمسلمين الذين يعدون قرابة مليار ونصف المليار إنسان.

وهذا الموقف ومعه المواقف الأخرى التي تتجاهل فيها الإدارة الأمريكية حقوق الإنسان العربي بل وتستهين بالعرب وتسترخص دماءهم سوف يدفع بالشباب المسلم العاطلين عن العمل والمهمشين في أوطانهم إلى الانضمام إلى تنظيمات الإرهاب ومقاومة الوجود الأمريكي والغربي في ديار العرب والمسلمين.

مثل هذه المواقف المعادية للعرب وردة الفعل المقابلة سوف تعود بالضرر على الولايات المتحدة وعلى الأنظمة المتحالفة معها والتي تنفذ سياستها في محاربة الإرهاب.

فالحرب على الإرهاب مشروع أمريكي يميني أعلنه جورج بوش الابن لخلق الفوضى في بلدان العرب والمسلمين ومن ثم السيطرة عليها ونهب ثرواتها وبسط النفوذ الأمريكي على العالم بمحاصرة الدول الكبرى الصاعدة.

وعليه فإن الانسياق وراء الهوس الأمريكي في محاربة الإرهاب سيعود بنتائج كارثية على الصغار الذين يحسبون أن بمقدورهم لعب دور الكبار.

وها نحن نشهد أن الحرب الأمريكية على الإرهاب بالقدرات المادية والفنية والعسكرية لن يحسم الأمر بل سيزيده تعقيدا وهو ما نشهده من فعل مضاد في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق.

فقوى المقاومة والتنظيمات المتطرفة تبتكر كل يوم أساليب جديدة في الميدان وتلحق خسائر كبيرة في صفوف القوات الأمريكية والمتحالفة معها، وما هجوم قوات طالبان على قصر الرئاسة في كابل إلا دليل على التقدم الفني لطالبان في مواجهة اكبر قوة عالمية وكذلك الحال في عملية خوست وغيرها الكثير مثل عملية الشاب النيجيري.

وهذا التطور في العمل المضاد دليل على عجز الأجهزة الفنية المخابراتية في تعقب التنظيمات المتطرفة رغم ما تمتلكه من أجهزة رصد ورقابة.

وهكذا شهدنا صراع العقل مع العقل وصراع الإرادة مع الإرادة وسيكون المشهد الأخير في غير صالح القوى المتجبرة التي تدوس على جماجم الفقراء خاصة في البلدان العربية والإسلامية.

إن سنة أوباما الماضية كانت امتحانا لصدق الإدارة الأمريكية في تفعيل أقوالها وتطبيقها فوق الأرض بأعمال مقنعة. سنة من الوعود والشعارات ولم نلمس تطبيقا لها بل رضوخا للسلطات التقليدية النافذة في الولايات المتحدة. وما على العرب إلا التعامل مع هذه الإدارة في ضوء أعمالها وليس في ضوء كلامها المعسول.

حسن طوالبة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال