«حرّية الإنسان هي حرّية شخص، وحرّية هذا الشخص بالذات، وكما هو مركّب وموجود في ذاته وفي العالم وأمام القيم، وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرّية ملازمة إجمالا لوضعنا الواقعي، ومحصورة في نطاق حدوده، أن تكون حرّا هو أن تقل في البدء، هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا، ليس كلّ شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كلّ لحظة.
هذه الحدود تشكّل قوّة عندما لا تكون ضيّقة جدّا، الحرّية كالجسم، لا تتقدّم إلاّ بالحواجز والاختيار والتضحية، ولكن فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غنّي، والحرّية في شروط ملزمة، ليست من الآن فصاعدا "وعيا للضرورة"، كما سمّاها "ماركس".
إنّ هذا هو البداية لأنّ الوعي وعد وبادرة للتحرّر ووحده العبد من لا يرى عبوديته مهما كان سعيدا تحت سلطتها، إلاّ أنّ هذا البدء هو بالكاد إنساني.
ولذلك فقبل إعلان الحرّية في الدساتير أو تمجيدها في الخطابات، علينا تأمين الشروط العامة للحرّية: الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تسمح لقوى ذات مستوى متوسّط أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية، وأن نهتمّ بالحرّيات اهتمامنا بالحرّية (...).
إنّ حرّيتنا هي حرّية إنسان في موقف، وهي كذلك حرّية شخص تعطى له قيمة، أنا لست حرّا لأنّي أمارس عفويتي فقط، بل أصبح حرّا عندما أوجّه هذه العفوية في اتّجاه التحرّر أي في اتّجاه شخصنة العالم ونفسي.
إذن ثمّة مسافة تمتدّ من الوجود المنبثق إلى الحرّية، وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني على حدود الانبثاق الحيوي، والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة المتزايدة للوجود الفردي والجماعي.
وهكذا فأنا لا أستعمل حرّيتي بدون جدوى، بالرغم من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرّية متباعدة في أعماق ذاتي، وليست حرّيتي تدفّقا فحسب، بل هي منظّمة، أو بعبارة أفضل هي مطلوبة بنداء».
(إمانويل مويني، الشخصانية، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص: 71-74).
التسميات
ف.ب2.أ