التكامل بين الجنس والحب.. اتحاد الغريزة الجنسية والحب في ذات الإنسان والأمومة ليست مجرد امتداد للغريزة الجنسية بل هى تنطوى على معانى تفوق فى سموها جاذبية الجنس

إذا تتبعنا مراحل التكوين النفسى فى الإنسان وجدنا أن الدوافع الأولى التى تنشط فى حياة الطفل هى الدوافع الفسيولوجية كالحاجة إلى الطعام والنوم والحركة ثم تظهر الدوافع النفسية كالدوافع إلى استطلاع العالم الخارجى والحاجة إلى العطف والاطمئنان والاتجاهات العاطفية والميول الاجتماعية المختلفة .
والسؤال الذى يفرض نفسه علينا هو هل جميع هذه الدوافع النفسية والاجتماعية هى نتيجة نمو الدوافع الفسيولوجية ونتيجة الاكتساب والتمرين فى البيئة العائلية؟ أم أن لهذه الدوافع النفسية مصدراً خاصاً مستقلاً عن مصدر الدوافع الفسيولوجية وإن كان المصدران يتبادلان الأثر والتأثير ويتفاعلان معاً؟.
ولنطبق ذلك على المرأة، ناظرين إلى حياتها كحركة واحدة تتجه خلال مراحل النمو نحو تحقيق وظيفتها العليا بل رسالتها العليا أى نحو تحقيق الأمومة . فالذى نشاهده هو أن شخصية المرأة تتكون من مراتب أو أدوار ثلاثة فهى من الوجهة البيولوجية أنثى ومن الوجهة النفسية امرأة تنتمى إلى الجنس البشرى ومن الوجهة الإجتماعية زوجة وأم.
وعندما يتناول العالم دراسة هذه الأدوار الثلاثة فإنه يركز نظرته للأنثى فى دراسة الغريزة الجنسية ونظرته للمرأة فى دراسة الحب ونظرته للزوجة فى دراسة نظام الزواج. فهل بعد أن يفرغ من دراسة الغريزة الجنسية سيتناول عاطفة الحب كأنها مشتقة من الغريزة الجنسية وأن الحب ليس فى جوهره إلا إعلاء للغريزة الجنسية، وأن نظام الزواج لا يرمى إلا إلى تنظيم هذه الغريزة. فإذا اتبع هذا الرأى فيكون قد بسط الطبيعة البشرية إلى أقصى حد وردها فى نهاية الأمر إلى الطبيعة الحيوانية البحتة وعندئذ يصبح ما نسميه بالتكامل عملية خداع وتمويه.
لاشك أنه يوجد فى الحب أكثر مما يوجد فى الغريزة الجنسية والدليل على ذلك أن فى إمكان بعضهم الفصل بين الغريزة الجنسية وبين الحب مع العلم بأن المبدأ هو اتحاد الاثنين فى الإنسان . إن الغريزة الجنسية مشتركة بين الحيوان والإنسان أما الحب فهو خاص بالإنسان ، هو الشاهد على وجود المبدأ الروحى والعقلى فى الإنسان . وإن كانت الحياة الحسية البحتة تسبق فى زمن ظهورها بزوغ عاطفة الحب فهى لا تفضل الحب ولا تسبقه فى ترتيب القيم لأن الحياة الحسية فى الإنسان وإن كانت شبيهة بحياة الحيوان فهى مصبوغة منذ البداية بصبغة إنسانية.
لا شك فى أن الغريزة الجنسية عنصر من عناصر الحب فهى التى تخلق الجاذبية بين الجنسين ولكن الجاذبية عامل تقييد وفيها إنكسار للحرية فهى تفرض نفسها فرضاً وقد تتلاشى فجأة وبدون سبب ظاهر ، وبجانب الجاذبية يوجد أمر آخر جوهره يختلف عن جوهر الجاذبية لأنه ينطوى على الحرية والاختيار وهذا الأمر يمكن أن نسميه بالنداء ، والحب يستجيب مختاراً حراً لهذا النداء لا يكون بالإستيلاء والتملك بل يكون بالبذل والعطاء وإنكار الذات ، وأقصد هنا الحب الذى يتميز فى جوهره عن الغريزة الجنسية والذى ينتمى إلى هذا الجانب الروحى الذى يميز –شئنا أو أبينا – الإنسان عن الحيوان.
جاذبية من جهة ونداء من جهة أخرى، ضرورة وتقييد من جهة وحرية اختيار من جهة أخرى .
وآفة الجاذبية أنها تزول بعد الإشباع الذى لا يلبث طويلا حتى يترك وراءه فراغاً ومرارة وقلقاً ، أما النداء الذى يستجيب له الحب والذى يدفع المستجيب إلى بذل نفسه وإنكار ذاته فلا يؤدى أبداً الإشباع وبالتالى إلى الفراغ المرير بل يظل صوته مسموعاً لأنه صوت الأمل ومن يهب نفسه تلبية لهذا النداء تعود إليه هبته لأنه سيجد نفسه أكثر ثراءاً واكتمالا .ً
تلك هى الإعتبارات التى يجب أن نراعيها عندما نتحدث عن تكامل الدوافع الجنسية والدوافع العاطفية ، فالعاطفة التى بعد بزوغها تنظم الدافع الجنسى حتى لا يسيطر على سلوك الإنسان . فالمرأة هى إنسان أولا قبل أن تكون حيواناً وهى ليست فقط مركز للجاذبية بل مصدر نداء روحى لا يجد الرجل سعادته الحقة إلا فى تلبية هذا النداء.
وكذلك ليست الأمومة مجرد امتداد للغريزة الجنسية بل هى تنطوى على معانى تفوق فى سموها جاذبية الجنس. فكما أن الحب الكامل يضمن الحرية للفردين اللذين اتحدا فى عاطفة واحدة فالأمومة بدورها تضمن الحرية للوجود نفسه لأن فيها تتكامل الغريزة الجنسية والحب وبفضلها تنتصر الحرية على الضرورة والروح على المادة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال