كان محمد الابن البكر لعائلة ميسورة الحال ماديا.
والداه يعملان كلاهما . . الوالد موظف حكومي يتقاضى راتباَ جيداَ أما الوالدة فهي تعمل في التجارة.
ما كان يضمن لمحمد العيش حياة مرفهة لم تكن تعكرها سوى تلك الخلافات التي كانت تنشب بين والديه بين الحين والآخر، ما جعل علاقتهما غير مستقرة وتتميز بالنزاع المتكرر . . ازدادت هذه العلاقة سوءاَ بعد مرور سنوات على زواجهما وولادة الابن الثاني . . ولم تكن تظهر أي بوادر لانفراج هذه العلاقة.
صحيح أن زواجهما لم يكن نهاية قصة حب جمعت بينهما . . إلا أنهما لم يكونا يعيران ذلك كثيراَ من الاهتمام . . كان الجميع يعتقد أن هذا الزواج سيكون ناجحاَ لما يتميز به الاثنين من هدوء ورجاحة عقل.
ولكنه تبين أن الاثنين مختلفين تماماَ ولديهما معايير مختلفة للحكم على الأمور ما يراه أحدهما صواباَ يره الآخر حماقة وتصرفاَ أخرق.
كانا على خلاف دائماَ وفي كل المسائل تقريباَ.
بدءاَ من أكثر الأمور قدسية كتربية الأولاد وإدارة شؤون البيت انتهاءاَ بأقلها شأناَ كتجاذب أطراف الحديث.
انعكس هذا الجو العاصف الذي نشأ فيه محمد سلباَ على حياته واسحب ذلك التأثير على دراسته وتفكير.
فهذا الصبي الذي أظهر مواهب عديدة في مناصي مختلفة وتميز بذكاء ورجاحة عقل لا يمكن أن يتسم به طفل في مثل سنه إلا أن هذا الجو الأسري الذي ترعرع فيه لم يكن يشجع على الإبداع.
وبدأ يخيم عليه شعور عميق بأن مستقبل أسود في انتظاره وأن كارثة ما ستحل عليه وبشكل تدريجي كان يفقد اهتمامه بالدراسة وبهواياته الأخرى التي كان يرى بأن الوضع الذي يراه في بيته لا يجدي معه شيء وهكذا تمكن منه الضجر والسوداوية وتحول ذكاؤه إلى بلادة.
تكررت تعثراته وإخفاقه في المدرسة إلى أن فصل من المدرسة وتزامن ذلك مع وقوع المصيبة التي كان يخاف منها وانفصل الزوجين وتفككت الأسرة ، فأنهار تماماَ واستولى عليه الهم والغم واشتدت حيرته حتى انعزل في بيته وعاش أياما صعبة غارقاً في بحور الضجر والأسى والخوف من المستقبل المجهول.
وبقي على هذا الحال إلى أن تمكنت مجموعة من أصدقائه انتشاله من هذه العزلة وإغرائه وتشجيعه على الخروج والاختلاط بالناس والاهتمام بالعلاقات وخاصة تلك التي تجلب الحب والعشق التي كانوا يعتقدون بأنه بحاجة إليها ويعتبرونها البلسم الشافي لجراح قلبه المرهف ولسان حالهم يقول : عش أيامك عش لياليك خلي شبابك يفرح بك بدأ محمد بمجاراتهم ليجبر بخاطرهم رغم ما كان يلاقيه من صعوبة في الانسجام مع البيئة التي نقلوه إليها والأجواء التي كانت تخيم عليها . . ضحك ولعب ورقص ونشوة وحب . . كانت هذه هي الحياة الجديدة التي لم يكن بداَ من التعاطي معها والتي كان يجد فيها شيئاَ من التسلية في البداية ليصبح الأمر بعد ذلك - خاصة بعد دخول ( القات ) على الخط - جزءاَ من يومياته التي لا تحلو الحياة إلا بها بل وتفقد طعمها ورونقها وحيويتها وتتحول إلى أي شيء جامد لا يمكن إطلاق أسم الحياة عليه بأي حال من الأحوال وهكذا بدأ التغير يعتري محمد شيئاَ فشيئاَ ويستعيد هدوءه وطمأنينته ويفكر في حياته بشكل جدي وبدأ يفكر في الإقلاع عن القات والعودة إلى الرياضة كانت لعبة كرة القدم من أهم المواهب التي نبغ فيها مبكراَ إلا أن عاصفة التفكك الأسرى لم تبق ولم تذر.
في البداية وجد صعوبة في استعادة لياقته ومهاراته الكروية لكن إسراره بدأ يقربه أكثر من الهدف الذي حدده وهو أن يكون نجما رياضياَ يمثل بلاده في المحافل الرياضية لم يكن الأمر سهلاَ . . كثير من الإخفاقات والتحديات والخيبة والحزن والفرح والكر والفر إحجام وإقدام جراح وكسور ، وكأس السابع والعشرين من يونيو وأهدافه الرائعة التي حققت لفوز لفريق على صبيح وبدأت بذلك تلوح تباشير تحقيق الأمل تلوح في الأفق.
يصوغ فصلها الأول اختياره كابتن للمنتخب الوطني للناشئين المشارك في كأس الأمم الإفريقية للناشئين هي البداية والموعد مع الأمل.
التسميات
من الحياة