مضى ما يقارب نصف ساعة على زمن الموعد الذي كان مقرراً لمناقشة موضوعنا الشهري أنا وزميلي محمود. ثم أقبل راكضاً وهو يلهث من التعب والإرهاق.. وبعد أن أخذ مكانه في المجلس شرع يتلو عليّ عباراته المشهورة.. آسف يا صديقي العزيز . لم أتمكن من الوصول إلى المجلس في الموعد المحدد.. فقد زارني أحد الزملاء الأماجد.. فأحببت البقاء عنده برهة من الزمن حتى لا يتكون لديه انطباع سيء عني .. قلت له: لا بأس ولكن حاول أن تتعلم احترام المواعيد والأوقات.. هذه الحكاية قطرة من بحر الحكايات التي تجسد ما تعانيه قيمة احترام المواعيد من إهمال وضياع، وكثيراً ما تتزاحم عشرات الأسئلة في رأسي في مثل هذه المواقف.. لماذا لا نستطيع التحكم في تصرفاتنا وسلوكياتنا؟
لماذا لا ترشد توجهاتنا ورؤانا؟! لماذا تصبح الكثير من تصرفاتنا على النقيض من مبادئنا والقيم النبيلة التي نعتز بها في المحافل والساحات الدولية وغيرها؟! لماذا لا نبالي بالمصلحة العامة وتطغى علينا المصلحة الخاصة في كل شأن من الشئون في ملاحظات غير دقيقة - نظراً لعدم توفر كافة الأدوات والوسائل - حاولت الغوص فيما وراء المظاهر لمعرفة صحة المسوغات التي إعتدنا ترديدها لتبرير أخطائنا التي لا تعد ولا تحصى وعلى الرغم من تواضع هذه التجارب إلا أن النتيجة أدهشتني حين توصلت إلى أن غالبية هذه المسوغات والأسباب لا أساس لها من الصحة - وأنها بعيدة عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء.. ومما يزيد الأمر سوء أن المتلقي أو المستقبل لا يعبر عن موقفه وامتعاضه بشكل صريح.. فنحن في عالم تسوده المجاملات حتى في أصعب المواقف وأحلك الظروف..
من خصائص ديننا الإسلامي وشريعته الغراء أنه دين يدعو الناس إلى احترام المعاهدات والمواثيق والمواعيد وما لم تلتفت إلى تلك الخصائص والمميزات ونعيرها ما يلزم من الاهتمام، فإن انتماءنا إلى هذا الدين لن يعدو كونه مجرد ادعاء لا أكثر أو بالأحرى حبر على ورق.. وسحابة صيف عن قليل تقشع.. وربما ينطبق علينا ما قاله أحد الحكماء عن أوضاع تشبه أوضاعنا.. "الناس يجاهدون من أجل الدين، ويموتون في سبيله، ولا يعملون بمقتضاه".
إنها حقيقة موجعة.. بل هي سياط يجلد الضمير الإنساني في وقت باتت فيه الهوة تزداد اتساعاً بين المبادئ التي يؤمن بها المرء والأفعال التي تصدر منه بين الفينة والأخرى...
احترام المواعيد قيمة نبيلة يجب المحافظة عليها مهما طال الأمد .. ولا ينبغي أن نزين بها الخطب والمحاضرات دون أن تكون واقعاً معاشاً في حياتنا اليومية.. ويبدو أن الغرب لم يستورد منا فقط المواد الخام والعقول المقتدرة فقط لتشغيل مصانعه وإجراء التجارب والدراسات .. بل استورد منا أيضاً بعضاً من مبادئنا العريقة كالإتقان في أداء المهام.. ومراعاة أوقات العمل والمواعيد بصفة عامة لتردد بعد ذلك ما استوردنا منه.. "أن تتقدم بربع ساعة على زمن الموعد والاجتماع واللقاء خير من أن تتأخر عنه بخمس دقائق" فاحترام المواعيد في الغرب سمة من سمات الحضارة يجب الالتزام بها مهما كانت الظروف المحيطة بالمرء.. وأنا لا أدعو من وراء ذلك التخلق بأخلاق الغرب - وإن كانت الحكمة ضالة المؤمن - ولكن أدعو إلى مراجعة أنفسنا قبل أن يطفح الكيل .. ويفوت الأوان.
التسميات
من الحياة