عناق بعد فراق طويل Hug after a long separation

كان الجو هادئا.. احتضنت فيها الشمس شعاعها وآلت إلى الغروب.. النسائم عليلة، تزف بشائر ونفحات المطر مداعبة أوراق المانجا والباباي الشامخ بطوله في ركن يساري من فناء البيت كنت مشغولة بالبحث عن شيء لا أذكره في غرفة خافتة الضوء تروي جدرانها رواية قرون من تاريخ المدينة.. في الغرفة المجاورة  اجتمعت النسوة احتلت كل واحدة مكانها من المقعد مكونة دائرة حول إناء من الفشار المزين بالتمر والحلوى.. والبن الأصيل قد حاز على مكانته في تلك الجلسة النسائية.. أما البخور فقد كون غيوما تكتم الأنفاس.. هكذا بدأت النسوة في التضرع إلى الله في ذلك الجو الممزوج ببعض الخرافات.
أثناء خروجي من الغرفة لمحت من الشباك رجلاً داخلاً من باب الفناء.. لم أعره اهتمامي ودخلت على النسوة دون أن آبه بالقادم.. كان متوجهاً نحونا سألتني النسوة عن ذاك القادم، فوقفت على باب الغرفة وأمعنت النظر، كان متوسط القامة.. نحيل الجسم.. جيد اللبس.. أما شعره فقد بدأت الصلعة تخط طريقها إلى القفا.. ووجهه جسد لوحة فنية تروي ألف حكاية وحكاية.. لقد ترك الزمن على صفحات وجهه لمساته كأنها خطوط مرسومة بريشة فنان.. وعيناه الغائرتان تحمل هما وحزنا وألماً محفوراً في الأعماق... بدت عليه آثار التعب.. ولكن لا يحمل ملامح من أعرفه أو رأيته يوماً ما وفي مكان ما.. قلبت صفحات ذاكرتي ولم أجد فيه.. ثم التفت إلى النسوة وأخبرتهن بعدم معرفتي لهذا القادم.. هممت بالجلوس وإذا بالرجل يلحق بي ويشدني بقوة ثم يطوقني بذراعيه.. وتمر لحظات أو دقائق يعانقني فيها تارة ويقبلني أخرى.. بقيت بين أحضانه بلا حراك مذهولة مستسلمة للواقع لم النسوة لجأن إلى الصمت؟! لم لا يقلن شيئاً أو يحركن ساكن... صرت دمية بلا روح.. بلا إحساس لا أشعر إلا برعشة جسمه.. بعد لحظات خارت قواه وخانته الدموع لتمطر سحب عينيه على كتفي.. أحسست بدفء قطرات دموعه.. وتأثر الجميع بالموقف  والمشهد العاطفي الذي حاك القدر خيوط قصته... وأدمعت أعينهم إلا عيناي اللتان عكستا جمود عواطفي .
كانت مشاعرهم متدفقة تعبر عن ذاتها .. وعلى طبيعتها.. وسادت لغة المشاعر والنظرات وسحبت السلطة عن الكلمات.. ولكن كيف جرى ما حدث؟ ولم يسود الصمت وأنا لا أجيد إلا لغة المفردات؟
أريد أن أفهم قصة هذا الرجل الذي تجرأ وأخذني في أحضانه وانهال على بالقبلات؟
لم أفق من ذهولي إلا وسمعت إحداهن تناديه باسمه وتنصحه بحمد الله على لقائه بي..أصبت بدهشة.. وقلت في نفسي أيعقل أن يكون هذا الرجل ذلك الفتى الذي فارقته قبل اثنتين وعشرين سنة!! يا مغير الأحوال!!.. أين ذاك الجسم الممتلئ؟ والشعر الكثيف؟ والابتسامة العذبة التي كنت أغار منها ؟! هل هو نفس الفتى الذي احتفظت بصورته في خيالي؟! لا.. لا لقد غير الزمن صورته ومحاها.. وهل نحن نتحكم في الظروف؟.. أم هي التي تتحكم فينا؟... تمنيت في تلك اللحظة لو لم يحدث ما حدث.. تمنيت لو بادلته الشعور والعناق والقبلات.. تمنيت لو بكيت على صدره.. تمنيت لو كانت مشاعري على سجيتها وأعبر له عن حبي.. وبقيت ساعات أتأمل وجهه لأعيد رسم صورته الجديدة في خيالي.. لم ينطق إلا بسؤال واحد هل عرفتني.
فأجبته نعم ياابن أمي وأبي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال