الحب والبغض في الله.. الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ص أنه قال: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» وهذه الأخوة الخاصة هي التي عقدها رسول الله ص بين أصحابه، وقد علم أن الأخوة العامة في قول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] فهي واقعة بينهم قبل عقده غير أنه زاد الأمر الخاص.
وهذه الأخوة هي التي توجب المحبة في الله عز وجل وهي أوثق عرى الإيمان أن يحب في الله ويبغض في الله، ومن جملة السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ص يقول فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا.
والأخوة في الله والصداقة مطلوبة شرعًا وطبعًا قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) بمعنى قواك بهم (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) جمع بينها في المحبة.
والمراد بالآية الأوس والخزرج وهم الأنصار رضي الله عنهم، وكانت بينهم عداوات في الجاهلية فألف الله بينهم، وهذا من أعجب الآيات كانوا ذوي أنفة شديدة فلو لطم رجل رجلا لقاتلت عنه قبيلته، فآل بهم الإسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه في طاعة الله عز وجل، والجامع بين المسلمين الإسلام فقد اكتسبوا به أخوة أصيلة وجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض.
وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي ص قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منع عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ص أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه».
واعلم أن هذا الثواب في هذه المحبة إنما يكون إذا كانت في الله خالصة لا يشوبها كدر، وإذا قويت محبة الله عز وجل في القلب قويت محبة أوليائه والصالحين من عباده، فلينظر الإنسان من يؤاخي ومن يحب ولا ينبغي أن يتخير إلا من سبر عقله ودينه.
وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم وقال: صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهم عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: «من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل الإيمان» ورواه أبو داود من حديث أبي أمامة بنحوه وليس فيه: «وأنكح لله» ([1]).
([1]) انظر غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب للسفاريني (2/ 473-475).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال