وادي السيليكون في روسيا.. مشروع المستقبل للنهوض الاقتصادي بالبلاد وكي لا تفقد روسيا موقعها المتقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا

"لقد اتخذت قراراً باستحداث هذا المركز حيث لدينا الظروف المؤهلة التي تجيز إنجاز المشروع بالسرعة المطلوبة، سوف نبني في سكولكوفو". بهذه الكلمات أذِن الرئيس ديمتري ميدفيدف بإطلاق مشروع "وادي السيليكون الروسي" في مدينة سكولكوفو القريبة من موسكو، حيث من المقدر إقامة مركز التكنولوجيات الحديثة على غرار ما هو موجود في بلدان عديدة.
وقد أعقب الإعلان الرئاسي تعيين رجل الأعمال الملياردير فيكتور فكسيلبيرغ مشرفاً عن الجانب الروسي للمشروع، في حين جرت تسمية الأكاديمي الروسي الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء جوريس ألفيوروف رئيساً للشقّ العلمي-البحثي.
والعبرة من هذه التعيينات الأولية أنّ رجل أعمال ذا سمعة واسعة ورجل علم ذا سمعة طيبة يمكنهما زرع الثقة في صدور وعقول العلماء والمستثمرين الأجانب والروس على السواء للانخراط في هذا المشروع العلمي- الاقتصادي، على أن يتم اختيار مشرفين أجنبيين: واحد للإدارة وآخر للعلوم يتمتعان أيضاً بسمعة عالمية طيبة. فالمهمات المطروحة أمام "وادي السيليكون" الروسي هي استنباط التقنيات والحلول العلمية في أكثر المجالات طلباً اليوم: صناعة الأدوية، وجدوى الطاقة، والطاقة النووية، والفضاء، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
وقد تحولت منذ سنوات فكرة إنشاء الوادي التكنولوجي في روسيا إلى ما يشبه المشروع القومي الجديد.
وسبق للرئيس آنذاك فلاديمير بوتين أن طرح الفكرة في مدينة نوفوسيبيرسك الأكاديمية، بوصفها مشروع المستقبل للنهوض الاقتصادي بالبلاد من جهة، ولكيلا تفقد روسيا موقعها المتقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا. 
وبما أنّ المسألة تحتاج إلى تشريعات وظروف قانونية موائمة وحوافز اقتصادية، فقد استُصدر قانون حول "المناطق الحرّة الخاصّة" يؤمل أن يسهم في تسهيل ظروف الاستثمار والتوظيف في البنى الجديدة.
وطموح أرباب فكرة المشروع والقيّمين عليه أن يجمعوا في "سكولكوفو" خيرة العقول الإبداعية في روسيا كما من الخارج، عن طريق تقديم الإغراءات المالية والضريبية. فلا يخفى أنّ هجرة العقول من روسيا مشكلة كبيرة وصعبة على البلاد.
ففي شركة "مايكروسوفت" وحدها يقارب عدد المختصّين من روسيا ربع مجموع المهندسين العاملين في الشركة العالمية.
وسبب مغادرة الأدمغة يكمن في نقص التمويل في المشاريع العلمية، وإن كانت الصورة بدأت تتبدل في الآونة الأخيرة، حيث إنّ الاستثمار الخاصّ آخذ في البحث عن فرص توظيف الأموال في مشاريع علمية مربحة بغرض تسويقها وبيعها لاحقاً، إذ إنّ الاستثمار في البحوث تزيد أرباحه أضعاف ما يُجنى من قطاع الخامات أو الأسواق المالية على سبيل المثال.
ومشروع "وادي سكولكوفو" ليس الوحيد في روسيا.
فثمة نُوى مشاريع أخرى قيد التنفيذ، سواء في سانت بطرسبورغ أم نوفغورود أم نوفوسيبيرسك. وتتراوح القيمة الأولية (بمعنى المطلوب للانطلاقة) بين الثمانين والمئتي مليون دولار، على أن تتجاوز التكلفة النهائية بعد بضع سنوات عتبة الملياري دولار! والتمويل يتأتى من المساهمة الحكومية -وهي توازي العشرين في المئة- إلى جانب الموازنة المحلية للمدينة أو المقاطعة بالنسبة ذاتها، إضافة إلى إشراك القطاع الخاصّ المهتم بالتكنولوجيات المتطورة.
وهذا ما تعمل عليه الدولة للإسراع في إطلاق هذه المشاريع، على أمل الشروع بعد سنوات ست أو سبع في جني الحصاد، العلمي والمالي، خاصّة أنّ بلداناً كثيرة قد أصبح لها باع طويل في هذا المجال. فأول "وادي سيليكون" أنشئ في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع خمسينيات القرن الماضي، واليوم نرى التجربة مستنسخة في كل من الصين والهند وفنلندا وبلدان أخرى، وتحظى هذه التجمعات بالدعم المالي من قبل السلطات المركزية في بلدانها، كما من السلطات المحلية وأوساط "البزنس" والهيئات الصناعية وغيرها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال