الشروط الجائزة في عقد الزواج.. لا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهاراً دون الليل

الشروط الجائزة هي الشروط التي لا تنافي مقصود النكاح، ولا تخالف ما قرره الشرع، مثل أن تشترط على زوجها ألا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، وتستمر في عملها الذي تبيحه الشريعة ونحو ذلك(1). وهذا بالنسبة لحكم الشرط، أما حكم العقد فالعلماء فيه فريقان:
الفريق الأول: جمهور العلماء يرون أن هذه الشروط باطلة والعقد صحيح، ولكن هناك بعض الخلافات والتفصيلات:
يقول ابن حجر:
"وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لا يقسم لها أو لا يتسرى عليها، أو لا ينفق عليها، أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به، بل إن وقع في صلب العقد ألغي وصح النكاح بمهر المثل، وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط، وفي قول للشافعي يبطل النكاح"(2).
ويقول البهوتي: "وإن شرط أن لا مهر لها أولا نفقة لها، أو شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر، شرط فيه شرطا ضارا، إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما، بطل الشرط وصح النكاح"(3).
ويقول ابن قدامه:
" القسم الثاني: ما يبطل الشرط، ويصح العقد، مثل أن يشترط أن لا مهر لها، أو لا ينفق عليها، أو إن أصدقها رجع عليها، أو تشترط عليه أن لا يطأها، أو أن لا يعزل عنها، أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو أن تنفق عليه، أو تعطيه شيئا، فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها، لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، فأما العقد في نفسه فصحيح، لان هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطله، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق.
وقد نص الامام أحمد، في رجل تزوج امرأة، وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، فقال: لها أن تنزل بطيب نفس منها، فإن ذلك جائز. وإن قالت لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت.
ونقل عن الأثرم، في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام :يجوز الشرط ، فإن شاءت رجعت. و قال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم: النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط.
وقد نقل عن احمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد. نُقل المروذي في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام، وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة وقال الثوري الشرط باطل.
وقال أصحاب الرأي: إذا سألته أن يعدل لها عدل، وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأساً، وكان الحسن لا يرى بأساً أن يتزوجها على أن يجعل لها من الشهر أياما معلومة ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وأجازه من أجازه راجع إلى أصل النكاح، فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط.
وقال القاضي: إنما كره احمد هذا النكاح لأنه يقع على وجه سر، ونكاح السر منهي عنه، فإن شرط عليه ترك الوطء، احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي.
وكذلك إن شرط عليه أن لا تسلم إليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئاً على أن لا يقبضه، وان شرط عليها أن لا يطأها لم يفسده، لان الوطء حقه عليها، وهي لا تملكه عليه، ويحتمل أن يفسد لان لها فيه حقاً، ولذلك تملك مطالبته به، إذا آلي، والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة([4]).
ويقول ابن عابدين: "ولا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهاراً دون الليل قال في البحر وينبغي أن يكون هذا الشرط لازما عليها ولها أن تطلب المبيت عندها ليلة، أي إذا كان لها ضرة غيرها"(5).
الفريق الثاني: المالكية: ويرون أن العقد فاسد مع هذه الشروط ، يقول الكشناوي: والنهارية وهو المشترط إتيانها الزوج نهاراً باطل ويجب بالدخول المهر، ويسقط الحد ويلحق الولد يعني من النكاح المنهي عنه نكاح الشرط بان يشترط احد الزوجين عدم إتيانه الآخر إلا نهاراً فقط، فإذا اشترطا ذلك أو احدهما فالنكاح فاسد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل لا المسمى، يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد.
وقال الدردير: يفسخ قبل الدخول إذا اشترط أن لا تأتيه الا نهاراً كما إذا اشترط الخيار لأحد الزوجين أو كان الخيار لأجنبي إلا إذا كان خيار المجلس .وقال ابن سلمون: من الشروط التي تفسد النكاح مثل أن يتزوجها على أن لا ميراث بينهما، أو على أن الطلاق بيدها، أو على أن لا نفقة لها وشبيه ذلك مما هو مناف لمقصود العقد ومخالفة للسنة، فالنكاح بها فاسد يفسخ على كل حال أي قبل البناء لا بعده على المشهور(6).
[1] الأشقر، الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني، ص 99.
[2] ابن حجر، فتح الباري، ج10، ص273، الشيرازي، التنبيه، ص277، الشافعي، الأم، ج3، ص79.
[3] البهوتي، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، ص406.
[4] ابن قدامه المغني، ج9 486-488، الشيرازي، التنبيه ص227.
[5] ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، شرح تنوير الابصار، ج3، ص52.
[6] الكشناوي اسهل المدارك ج2 ص89.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال