الحب.. حقيقته لا تدرك إلا بالمعاناة أوله العشق النظر كما أن أول الحريق الشرر

قال أحد الحكماء: الحب أعزك الله - أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله.. وأن العشق اسم لما فضل عن المحبة، كما أن الشرف اسم لما جاوز الحدود..

- قال أعرابي: العشق خفيّ من أن يرى، وجليّ من أن يخفى، فهو كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى .. اعلم أنه أول العشق النظر، كما أن أول الحريق الشرر..

-قال أحد العارفين: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه ضيقة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقوة تصريفها، توارى عن الأنظار مدخله، وخفي عن القلوب مسلحه..

ومن علامات الحب قالوا:

- أولها: إدمان النظر، فهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف وينتقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه ويميل حيث مال .. فالعشق يغير من سلوك المحب.. فكم من بخيل جاد ولطف، وقطوب الوجه تطلّق، وجبان تشجّع، وغليط القلب تلطّف وجاهل تأدّب، وتفل تزيّن، وفقر تجمّل، ودي سن تفتّى وناسك فت:، ومصون تهتك..

- وأقول: اعشقوا.. فإن العشق يفتح جبلّه البليد والبخيل، ويبعث على التلطف وتحسين اللباس وتطييب المطعم، ويدعوا إلى الحركة والذكاء وتشريف الهمة..

- يقول الشاعر في ذلك..

دليل الأسى نار على القلب تلفح ... ودمع على الخدين ينهمر  ويسفح.

إذا كتم المشغوف يسر ضلوعه ... فإن دموع العين تبدي وتفضح.

إذا ما جفون العين سالت شؤونها... ففي القلب داء للغرام مبرّح.

وأقول:

أيها العاشق المعذب صبراً... فخطايا أخي الهوى مغفورة.